قضايا

جمال محمد تقي: الشعر والسياسة وجهان أبديان من وجوه العراق

ومضات ثقافية (2)

لا فراق بين الشعر والعراق – يتعرقه، يتعطر به، وبمباخره تطهر الارواح في المعابد والاضاحي والثورات، وبه تجيش الجيوش وتجمل النفوس، منذ نحو خمسة آلاف سنة، برز شاعر العراق الاعظم، والابرز، على الاطلاق، كلكامش، ملكا اسطوريا، وشاعرا يكثف الملاحم في رؤياه، وفي حكمة مسعاه للابدية، اما الشاعرة إنخيدوانا ابنة الملك سرجون الآكادي التي تشربت قبل اكثر من أربعة آلاف سنة من ذات النبع، فكانت اول شاعرة في التاريخ، تكتب التراتيل بنفس انثوي، يختزل تسامي المعاني بصيغ ليس لها مثيل، هي الرائدة التي تتفوق جماليا على فحول الشعراء قبل وبعد النوبل، كانت تكتب بضمير المتكلم وتوقع على نتاجها الشعري مخترعة إعتباريا ما ندعوه اليوم بحقوق الملكية الفكرية !

كلكامش:

هو الذي رأى كل شيء، فغني بذكره يا بلادي.

سيد الحكمة الذي بكل شيء تعمق.

...

إنخيدوانا:

في ذلك المزار الفخم للنظام الكوني المقدس،

يتابعون مرور القمر،

ضوء القمر المتضائل ينشر على البلاد،

ضوء النهار الجارف يملأ كل بلاد...

...

مسلات وجداريات والواح طينية، كتبت عليها بنسغ التجاوز، وبمداد الحرف المسماري المطروق على العقل الباطن للتاريخ، خواطر الاوائل الذين تعلموا ان هذه الارض وهذه السماء وهذه الكواكب وهذه الدنيا يمكن تهذيبها، تثقيفها، يمكن التسامي بها لمستقر هو المستقرُ، الى حيث لا ينفع الهاربين والقانعين عذرُ، بين حافة الفناء، وحافة الشعر تختلط الازمنة، ليخرج طقس مليء بالقلق من تعذر تحقيق المرتجى الذي طال تأجله، فالموت لما الموت؟ ما كنهه؟ وما سره؟ انه الطقس الذي يسبغ جينات النفوس بسبغة التمرد؟

يا ايتها الآلهة انزلي من سترة المنتهى وأنفخي بجوف أنكيدو سر الخلود، انزلي، انزلي ولا تخذلي هذا الذي رأى وعلم العلم كله بما لا يعلم، انزلي، ولا تكرهيه على الصعود اليك، انزلي، فكلكامش راح يناطح الثور المجنح، وهاهو يمتطيه ليصعد اليك، هاهو يحوم حول غابة الارز وعلى خلجان البحور، هاهو يلوح لاهل النهرين والبحرين، وها هو الثور يشق بقرونه كل طبقات السماء السبعة،،، استقبلته عشتار وحاولت اقناعه، نزلت معه الى اوروك بوعد نزول كل الالهة، لتنظر في مسعاه، ومازال كلكامش ينتظر نزول مجمع الالهة العليا !

مذ كلكامش والشعر في العراق بحث عن آلهة لا شياطين، آلهة الشعر لا شياطينه !

بلاد الثقلين: الشعر والسياسة

"هي بلاد بين نهرين، بلاد بين سيفين "

...

كل الاغاني انتهت، إلا اغاني الناس، والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس،

عمدا نسيت الذي بيني وبين الناس،

منهم انا مثلهم والصوت منهم عاد.

يوم انتهينا الى السجن الذي ما انتهى

منيت نفسي وقلت المشتهى ما انتهى

يا واصل الاهل خبرهم وقل ما انتهى

الليلة بتنى هنا والصبح في بغداد.

الخالد والشامخ ابدا " سعدي يوسف "

**

يا طعم يا ليلة من ليل البنفسج

يا حلم يا مامش.. ابمامش

طبع كلبي من طباعك ذهب

ترخص وغليك وحبك.

*

اشلون اوصفك وانت كهرب

وآنا كمرة عيني.. دمعة ليل ظلمة !

*

يا عذر عذرين يا شنهي وحبك !

شاعر اللسانين " الشعبي والفصيح " الفذ مظفر النواب

شاخ الزمان جميعا والعراق صبي: المبدع عبد الرزاق عبد الواحد

حتى الظلام هناك اجمل فهو يحتضن العراق: الرائد بدر شاكر السياب

انا بالحكومة والسياسة اعرف - أأُلام في تفنيدها واعنف

سأقول فيها ما اقول ولم اخف - من ان يقولوا شاعر متطرف

*

علم ودستور ومجلس امة - كل عن المعنى الصحيح محرف.

شاعر العراق المجيد معروف الرصافي

شعرك هذا شعر أعور

ليس يرى إلا ما يحذر

فهنا منفى وهنا سجن

وهنا قبر وهنا منحر

وهنا قيد وهنا حبل

وهنا لغم وهنا عسكر!

ماهذا؟

هل خلت الدنيا، إلا من كر يتكرر؟

شاعر الصدمة: الشاعر الحي احمد مطر

**

يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت – به مجاريك من فوق الى دون:

وأنا حتفهم ألجُ البيوتَ عليهمُ - أُغري الوليد بشتمهم والحاجبا.

وسلام على جاعلين الحتوف جسرا للموكب العابر

سلام على نبعة الصامدين تعاصت على معول الكاسر

وليس على غصن ناعم رشيق يميل مع الهاصر

سلام على مثقل بالحديد ويمشي كما القائد الظافر

كأن القيود على معصميه مفاتيح مستقبل زاهر.

 العتيد "الجواهري"

 نبيذ الشعير، اكسير الالهة، يسكر الغاوون بحلم كلكامش وحالة تمرداته على الذات والالهة، فالارض ذات الارض والطقس هو الطقس، حتى صار الواحد منهم يحمل ضده، هم كثر والاسماء كلها محفوظة على الالواح الغرينية التي تسرب الشيفرة المسمارية، للنخيل والسنابل !

***

يتبع - شعراء العراق والاحزاب..باب خلف باب.

***

جمال محمد تقي

في المثقف اليوم