آراء
كريم المظفر: أول الغيث قطرة!
مع بداية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أجمع الكثير من المحللين الرئيسيين الغربيين، أن أوروبا لم تكن أبدًا موحدة كما كانت في عام 2022، والدول التي لديها العديد من التناقضات والمطالبات لبعضها البعض تصرفت معًا، في محاولة لإلحاق أقصى قدر من الضرر الاقتصادي والسياسي بروسيا، وبدا للكثيرين أن أوكرانيا كانت قادرة حقًا على استعادة السيطرة على أراضيها، وكذلك إستعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم، ولكن اليوم أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن كييف ليست قادرة على مثل هذه الأعمال البطولية، وإن عش الدبابير الذي يسمى أوروبا الموحدة، في الواقع لم تكن هناك فيه أبدًا أي رائحة الوحدة هناك، وفي أي وضع حرج، قامت الدول الأغنى بسحب البطانية على نفسها.
وهكذا، فإن الدول الأوروبية، التي تعرب سلطاتها عن "دعمها" لأوكرانيا بكل طريقة ممكنة وتسعى في الغالب إلى تزويد نظام كييف بالأسلحة والذخيرة، فرضت مؤخرا حظراً تجارياً على المنتجات من أوكرانيا، ولاحظت وسائل الاعلام الغربية بالفعل أن الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على الواردات الأوكرانية، يؤكد الانقسامات في جهود الكتلة لدعم أوكرانيا، وان "فائض الحبوب يقوض النوايا الحسنة التي تحتاجها كييف بشدة".
وبالطبع، تحاول بروكسل "حفظ ماء الوجه" وتنتقد قرارات دول الاتحاد الأوروبي بحظر الواردات من أوكرانيا، قائلة إن "الإجراءات الأحادية" غير مقبولة وانتهاك محتمل للسياسة التجارية للكتلة، واتهمت حكومتا المجر وبولندا بالفعل، الاتحاد الأوروبي بأن السلطات الأوروبية لا تهتم بمحنة المزارعين المحليين، لأن الانخفاض في أسعار الحبوب العالمية مقارنة بذروة العام الماضي أثر على المنتجين، وبالتالي تعرضت صادرات الحبوب من أوكرانيا للتهديد مرة أخرى، وتوقفت الإمدادات عبر البحر الأسود، حيث حظرت بعض دول الاتحاد الأوروبي استيراد المنتجات الأوكرانية، وتوقفت بولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا وبلغاريا، عن استيراد الحبوب والذرة وبذور عباد الشمس، واستيراد السكر والفواكه والخضروات واللحوم والحليب والبيض وعدد من المنتجات الأوكرانية الأخرى، بسبب مخاوف من أن الإمدادات تلحق الضرر بأسواقها المحلية، وقام المزارعون المحليون بأعمال شغب، وأغلق البولنديون الساخطون الأسبوع الماضي خط السكة الحديد على الحدود بين أوكرانيا وبولندا في غروبيشيف.
وخسر المنتجون الزراعيون المجريون أكثر من ثلث دخلهم بسبب حقيقة أن حوالي 2.5 مليون طن من الحبوب تم تسليمها من أوكرانيا بأسعار زهيدة، وتم الإعلان عن هذه البيانات رسميًا من قبل رئيس وزارة الزراعة المجرية إستفان ناجي، والآن تحظر براتيسلافا استيراد الحبوب والبذور الزيتية وغيرها من المنتجات إلى البلاد من أوكراني، واعتبارًا من 19 أبريل، أوقفت سلوفاكيا مؤقتًا استيراد الحبوب وعدد من المنتجات الأخرى من أوكرانيا، أعلن ذلك رئيس وزراء الجمهورية إدوارد هيغر، وقالت سلوفاكيا إنه على الرغم من أنها لم تحدد موعدًا لرفع حظر الاستيراد، لا يزال بإمكان أوكرانيا نقل حبوبها عبر أراضيها، ولكن فقط في حالة العبور، مع وجود احتمال كبير، في المستقبل القريب، أن تمنع بلغاريا الإمدادات الغذائية من أوكرانيا، وأوضح وزير الزراعة البلغاري يافور جيتشيف أن حكومة البلاد "بحاجة إلى حماية المصالح البلغارية"، كما تم الإعلان عن التعليق المحتمل لاستيراد المنتجات الأوكرانية إلى أراضيها في رومانيا.
أما في الجانب الإنساني الذي خصص له الغرب مليارات الدولارات، على وسائل الاعلام الغربية والعالمية وحتى العربية، لتشويه صورة روسيا وتحميلها مسئولية هجرة الملايين من الاوكرانيين، ورسم صورة جميلة على التلاحم الأوروبي مع اللاجئين، وفتح البيوت الاوربية واعتبارهم ضيوفا " كرماء "على شعوبهم، لكن مع مرور الوقت، انكشفت حقيقة هذه الحملة الزائفة، وبدأت معاناة الاوكرانيين تتعقد يوما بعد يوم .
وبدأت البلدان الغربية تشعر بأن الزيادة الكبيرة في الإنفاق التي أثارها الصراع في أوكرانيا، تضع ضغوطًا على ميزانياتها، خصوصا في دول الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي (والتي هي أصلا تعاني الفقر والعوز)، مما أدى إلى قيام حكوماتهم بتخفيض مقدار المساعدة المالية للاجئين، ومحاولة إجبارهم على النظر للعمل، وتشير وكالة بلومبيرغ، الى أنه ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أنفقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أموالًا أكثر بكثير مما كان مخططا له في الأصل، في مجالات تتراوح بين زيادة الإنفاق الدفاعي، وإرسال الأسلحة إلى كييف، إلى دعم فواتير الخدمات بعد ارتفاع أسعار ناقلات الطاقة.
ويتم إنفاق الأموال أيضًا على محاولة التعامل مع ما تسميه الأمم المتحدة، أسوأ أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ويشير المراقبون الى أنه يتعين على الدول المجاورة لأوكرانيا، أن تنفق الكثير من الأموال لدعم ملايين اللاجئين، معظمهم من النساء والأطفال، وكل هذا يضع عبئا ثقيلا على الميزانيات الوطنية، وتحولت السلطات الرومانية إلى تنسيق جديد لمساعدة اللاجئين، مشيرة إلى حقيقة أنهم لا يملكون ما يكفي من المال، لأنهم أنفقوا بالفعل حوالي 500 مليون يورو، والآن سيتم تقديم المساعدة فقط لفئات معينة من اللاجئين، وسيحصل مواطنو أوكرانيا الأصحاء الذين ليس لديهم أطفال صغار على المساعدة إلا لمدة شهر واحد - سيتعين عليهم البحث بنشاط عن عمل، ووافقت حكومة بوخارست مؤخرًا على خطة رسمية لخفض المدفوعات إلى النصف لما يقرب من 100،000 لاجئ أوكراني يعيشون الآن في رومانيا.
كما أدى العبء المالي أيضًا إلى موجة جديدة من الاقتراض، حيث باعت رومانيا وبولندا سندات بلغ مجموعها 14 مليار دولار هذا العام، وبعد أن استقبلت بولندا ما يقرب من 1.6 مليون لاجئ على أراضيها، ألغت تدريجياً إعانة الإسكان البالغة 40 زلوتي (10 دولارات أمريكية) للفرد في اليوم لجميع الأوكرانيين القادرين على العمل، وأن السلطات البولندية لا تزال تحتفظ بمدفوعات أخرى، بما في ذلك إعانة شهرية قدرها 500 زلوتي لكل طفل والتعليم المجاني والرعاية الطبية، لكنها رفضت بالفعل وسائل النقل العام المجانية، في حين ستتوقف سلطات جمهورية التشيك أيضًا عن دفع رواتب الكفلاء الذين قبلوا اللاجئين وتبدأ في توفير الأموال لدفع تكاليف السكن للاجئين أنفسهم، وتخطط أيضًا لخفض المدفوعات لأولئك القادرين على العمل بحلول نهاية العام.
وينتهي برنامج بدل السكن في سلوفاكيا البالغ 24 يورو في اليوم للبالغين و 12 يورو لكل طفل في نهاية مايو، حيث قالت وزارة المالية إن "الاحتياطي المالي المخصص لأوكرانيا لا يغطي هذه التكاليف حتى نهاية العام"، وبدأت آثار هذه التخفيضات في الظهور بالفعل، والآن وبعد أن ألغت السلطات الرومانية تدريجياً المساعدة الحكومية، سيجد الكثيرون صعوبة في دفع الإيجار، الذي يبلغ متوسطه في بوخارست حوالي 400-500 يورو شهريًا، "من الواضح أننا أصبحنا عبئًا. قالت امرأة أوكرانية تبلغ من العمر 55 عامًا كانت تقف في طابور في محطة للصليب الأحمر في بوخارست للحصول على صندوق من البقالة".
وبالمناسبة، لا تكتب بلومبيرغ أي شيء عن روسيا، حيث وجد ما يقارب 5 ملايين لاجئ من أوكرانيا مأوى لهم أكثر من أي بلد آخر، في الوقت نفسه، لا تشكو المناطق الروسية من أي شيء، ووسائل الإعلام الغربية تتظاهر بأن أوروبا فقط هي التي تنفق الأموال على المهاجرين من أوكرانيا، وعلى ما يبدو، من غير الملائم جدًا الإجابة على الأسئلة حول سبب فرار الناس بشكل جماعي إلى روسيا، إذا كانت "دولة معتدية" ولماذا لا يواجه المهاجرون في روسيا الصعوبات التي تجبرهم على العودة من أوروبا؟ لماذا لا تعتبر روسيا اللاجئين من أوكرانيا "عبئا"؟.
كما بدا الغرب يستشعر ان أوكرانيا تتصرف بوقاحة تجاه أوروبا وتطالب بشيء ما باستمرار، ولذلك، فإن أورسولا فون دير لاين تضع على الفور شروطًا انتقامية لكييف، هذا ما قاله الخبير السياسي والاقتصادي إيفان ليزان لصحيفة VZGLYAD، ونقل عن رئيس المفوضية الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتمويل استعادة أوكرانيا فقط، في مقابل الإصلاحات وتخضع لمكافحة الفساد، بالإضافة إلى ذلك، سئم الجميع في أوروبا من أوكرانيا، كونها تتصرف بوقاحة حقًا وتطالب بالكثير، وتطلق على نفسها اسم" ضحية العدوان "، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يدرك أن هذه الأموال ستذهب مثل المياه إلى الرمال، وسيتم ببساطة نهبها .
ونتذكر أنه في نهاية أبريل، طلبت أوكرانيا من الإدارة الأمريكية مساعدة اقتصادية طارئة بمبلغ لا يقل عن 2 مليار دولار شهريًا، وفي وقت سابق من ذلك الشهر، طالب فلاديمير زيلينسكي بخطة إنقاذ شهرية بقيمة 7 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه، قالت زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، مارين لوبان، إن زيلينسكي كان يطلب من الغرب أكثر مما يمكن أن يقدمه له، في الوقت نفسه، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، يتزايد الإرهاق من الأزمة، وانخفاض مستويات المعيشة، والتضخم، وبالتالي فشلت دول الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على الشروط الفنية للمساعدة المالية الكلية الإضافية لأوكرانيا، لكنها أيدت الحاجة إلى دعم مالي كبير لكييف، في 17 مايو، وافق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي على تخصيص 500 مليون يورو لكييف للمساعدة العسكرية.
ويشدد المراقبون، على أنه من الممكن أن يبدأ الناس قريبًا في طرح الأسئلة على قيادة بلدانهم حول أين تذهب أموالهم، وما هي الفائدة منها، ولماذا لا ينفقونها على احتياجات بلدانهم، وعلى سبيل المثال، وقد تطالب بروكسل بنقل تدفقات الميزانية داخل البلاد إلى سيطرة المسؤولين الأوروبيين، وفي اليوم الآخر، أعلن البولنديون أيضًا أنهم يريدون إدارة جميع الأموال التي تذهب إلى أوكرانيا، أي أنهم يريدون الجلوس على التدفقات المالية والسيطرة عليها، ولا نعتقد أن رغبات بولندا وتصريحات أورسولا فون دير لاين، ترتبط ارتباطًا مباشرًا ببعضها البعض، لكن هذا يتحدث عن الاتجاهات العامة في أوروبا تجاه أوكرانيا .
***
بقلم الدكتور كريم المظفر