آراء
قاسم محمد الياسري: تـبـلد المشاعر والاحساس بالاخرين
ما نعيشه اليوم في هذا الزمن من تراجع عاطفي نتيجة الازمات المفتعلة وانتشار آفة المخدرات وتجارة الدين والفساد وقتل عشرات المغدورين كبارا وصغارا مما ارهق نفوس اغلبية المجتمع العراقي.. فاصبحت عبارة توفى او قتل مغدورا فلان تمر على مسامع الكثير منا مرور الكرام وأصبح التفاعل معها معدوم ولا حتى عبارة (رحمه الله) بعد ان كان سماع مثل هذه الاخبار تمثل صعقة لنا سيما ان كان الميت او المقتول شاباً مغدورا او طفلا صغيراً في العمر مغدورا ايضا وبات الكثير من الناس يسخر من ذكر الميت يأكلون ويشربون ويقهقهون في المقابر من دون ادنى تأثر او وجل كما صار بمقدورنا اليوم تناول الطعام والتهامه أمام نشرات الأخبار وهي تبث عملية الكشف عن مغدورين اطفال دون أن تبدو على ملامحنا اية مشاعر او تأثر وإذا حدث وأن تحركت مشاعرنا فإن مدة التـأثر تكون قصيرة جدا لا تتعدى الثواني.. فقد اصبح الهم والالم وازمة الثقة بين حتى افراد العائلة الواحده وباتت الهموم والالام لا تغادرنا فاصبحنا معدومين المشاعر لما يحدث حولنا.. انها الصدمات النفسية المتعاقبة وتجارة المخدرات فتعددت الاضطرابات النفسية التي افرزتها الاحداث والازمات فاصبح المجتمع يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمات واضطراب ذوي الوجهين وادمان المخدرات كل هذا وغيرها التي سببتها ادارة البلد الفاشلة والقيادات السياسية والدينية المعدوم الثقة بها وهي من تسببت بكل ما تم ذكره انفا وباتت المشاعر والاحاسيس مفقودة.. فالنفس البشرية عبارة عن منظومة معقدة من المشاعر والاحاسيس والافكار. ومنذ القدم يسعى البشر على اختلاف ثقافاتهم ومستوياتهم التعليمية والمعرفية على فهم الاخر ولتحليل ما يشعر به الاخرين نظرا لأهميتة واثره الايجابي في بناء العلاقات الانسانية وتوطيدها بين افراد المجتمع والتلاحم بشكل عام.. فالتعبير عن المشاعر الصادقة لا يحتاج إلى دروس في اللغة بل إلى أحاسيس بالغة. وإنّ آداب السلوك هي فن التعبير عن احترامنا لمشاعر الآخرين. فالنوايا الطيّبة والمشاعر النقيّة تدل على الطريق الصحيح في بعض الأحيان.. ولكنها في أحيانٍ أخرى تعمي البصر. فما اروع العيش بمشاعرنا والاروع تقدير مشاعر من هم حولنا.. فالفضيلة والطهر لا يختلفان كثيراً عن الرذيلة إذا لم يكونا منزّهين عن المشاعر الشريرة.. .وفي علم النفس يعرف تبلد المشاعر على انه حالة مرضية تتسم بغياب الشعور والانفعال حيث يبدأ الإنسان بالتصرف بشيء من عدم الاكتراث واللامبالاة وعادة ما يكون هذا الإحساس نتيجة فشل الإنسان في حل المشاكل التي يتعرض لها فيتجه إلى الاستسلام والرضوخ للواقع فيرفض مواجهة مشاكله وصعوبات الحياة ويفقد الرغبة في بذل أي مجهود لحل أو حتى فهم المشكلة فيصاب بحالة من التبلد وعدم الاهتمام فلا يبدي أي ردة فعل لإن المخاوف الغامضة والمشاعرالسلبية او المتبلدة تتعارض مع التفكير الايجابي المعرفي الواضح ومايسمى بتبلد المشاعر وتبلد الاحساس هما اللذان نعبرعنهما بالتراجع العاطفي.. فتبلد المشاعر هو واحد من الاعراض المصاحبة او الناتجة عن الاضطرابات النفسية مثال ذالك كرب مابعد الصدمة او الفصام العقلي او الإكتئآب او الناتج عن ادمان المخدرات او تعاطي منشطات الجهاز العصبي اوغيرها من العقاقير المضادة للاكتئاب ذات الجرعات العالية.. اما تبلد الاحساس فهو عدم تاثر الفرد بما يدور حوله وهذا مؤشر لحالة غير طبيعية لان الطبيعي يكون للانسان ردة فعل على مايحيط به.. والغير طبيعي متبلد المشاعر والاحاسيس يكون ذات سلوك يتسم باللامبالات وعدم الاهتمام وغياب المشاعر والانفعالات.. اما الآلام هي التي تجعل المشاعر الإنسانية رقيقة صادقة مهذبة. ومن أصدق المشاعر الإنسانية الحاجة إلى الله والصدق مع الله بحروف وعاء المشاعر التي لا يسعها وعاء.. فمشاعرالاخرين لا يمكن توقعها او فهمها بسهولة من خلال لغة الجسد رغم ان البعض يتقن هذا الفن بدون ان يحرك شفتيه.. وهناك اخرين لا يهتم وليس لديه فكرة عما يدور في داخل الشخص الاخر الذي امامه ولا حتى يشعر به. ومن هنا فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن للاشخاص ان يفهمون مايشعر به الاخرين ويعيشونه. وهذا هو الذي يدفع المتخصصين في علم النفس للبحث من خلال الاختبارات النفسية للشخصية بالمباشرة وغير المباشرة للافراد ومن ثم الوصول الى مهارات فهم الاخرين.. فكم هو صعب ان نؤذي مشاعر الاخرين بلا مبالات دون ان نؤذي انفسنا فالذي يكبت مشاعره المؤلمة منذ طفولته يبقى يحس بمذاقها الجارح الحاد والمؤلم مهما بلغ من العمر وتبقى مشاعر الخيبة والخذلان غير قادرين على حملهما بذواتنا وتبقى مكبوتاتنا في قلوبنا وهكذا هو فن تعلم الانسان من الانسانية حيث يمكن ايقاض المشاعرالراقدة التي تضعنا في حضرة اهتمامات الروح الحقيقية ولا شيئ يعلم الانسان اكثر من الصدمات النفسية التي تولد اهتزاز المشاعر والاحاسيس وقد تولد الخيبة والخذلان.. فاذا كنت ممن يتقن فهم المشاعر فعليك بمراقبة سلوك الاخرين فلو رايت شخص يتعثر ويسقط ارضا فانك تحس وبدون وعي منك تقول شيئا ما يعبر عن ألمك علية.. مثل تلفظ اسم (الله) او(آخ)كما لو انك انت الذي تعثرت وسقطت ارضا. فنحن كبشر نملك توجهات فطرية لمشاعرنا بما يحس به الاخرون من خلال مشاهدتهم فقط.. فاذا كنا نريد فهم الاخرين بصورة افضل فعلينا محاولة ان نراقب سلوكهم عن قرب من خلال تعزيز مهارات قوة الملاحظة في ذواتنا وعلينا ان ننتبة لتعابير الاشخاص ولغة جسدهم في اي تجمع او اي مكان يعج بالناس. فحياتنا مع الناس ليس بعدد السنين بل بعدد المشاعر والحياة ليست شيئا اخر غير شعور الانسان بالحياة.. والمشاعر والاحاسيس هي عقل الانسان لمواجهة الصعوبات اكثر والانتقال من مرحلة التفكير الى مرحلة المشاعر.. والمشاعر عند الانسان قد تكون كبيرة ولا يمكن عدها فهي كعدد حبات رمال الصحراء وبقدر مياه البحار والمحيطات قد يعجز الزمن عن تسكينها.فكبت المشاعر السلبية كثيرا ما قد تؤذي الانسان. فاذا كان القلب والذات نقيان انسابت منهما المشاعر بصدق ونية صافية كما هو صفاء صوت الة العود الموسيقية وخلو جوفها فعندما اصابعك تلاعب اوتارها ليخرج نغمها من الجوف الصافي للعود لتحرك مشاعر هكذا هي المشاعر المكبوتة من الماضي في العقل الباطن قد تقتل صاحبها وقد توصله الى العذاب والالم اذا لم تخرج.. لذا فيجب على الانسان ان لا يكون انسان بلا منطق كي يكون انسانا بلا مشاعر بل عليه ان يتعلم كيف نعزز في المشاعر والاحاسيس. ومن الواجب علينا ان نوقض في الاخرين ذات المشاعر التي نكنها لهم. فلا يوجد ما يسمى بمشاعر التوتر في عالم اليوم بل يوجد بشر يفكرون في امور تدفعهم للاصابة بالتوتر.. فلو نظرنا لبعض الاشخاص وحاولنا التركيز عليهم نحس ما يشعر به هؤلاء الاشخاص بناء على تعابير وجوههم او لغة جسدهم او ما يفعلونه فالطالب الذي يمسك كتابا قد يكون مشغولا بالتحضير لامتحان ما فهل يبدو عليه التوتر نتيجة التفكير بالامتحان ام انه واثق من نفسه او ماذا عن شاب اخر جالس على كرسي ويغمض عينيه قليلا هل هو يشعر بالراحة ام بالتعب ام بالاستياء؟؟ وهكذا مع التمرين المتواصل سيصبح قادرا على التمييز وملاحظة التغيرات التي تطرأ من خلال لغة الجسد وتعابير الوجه وبالتالي يمكن تغير مشاعر الاخرين وفهمها بشكل افضل. كل ماتم ذكره انفا هو مختصر لدراسة اجريناها الهدف منها هو انتشارغياب الانسانية وتبلد المشاعر والاحساس بمشاعر مجتمعنا لان الطمع بملذات الدنيا ليس لهما مشاعر بل تعمي الابصار والكبت وتولد فقدان صوت العقل.. فتتولد المشاعر اللا عقلانية التي تدفع افراد المجتمع الى مالا تحمد عقباه.
***
د. قاسم محمد الياسري