آراء
بذور الطائفية السامّة أين تنمو؟
الطائفية ُعلّة ترافق غير الأسوياء وصانعي النزاعات ومبتكري العداوات والضغائن لخلق البلبلة وشقّ صفّ المواطنة من اجل الترسيخ لحروب أهلية بين ابناء الوطن الواحد وجعلهم متنافرين ومتكارهين لبعضهم البعض مما يخلق تمايزا عرقيا ودينيا ومذهبيا تؤدي الى سفك الدماء البريئة ؛ وكل من يعتنق الطائفية ويشيعها سواء رجال سياسة ام دين ام زعماء كتل يتحملون أوزار تلك النزاعات .
ولنا أن نتساءل: كيف للمرء ان يدعي ارتقاءه على "الطائفية" وهو لا يكل ولا يمل عن توصيف الاخر بها!؟ انه مايسمى بالمنطق"اجتماع الاضداد"oxymoron"
اعتقد ان افضل الطرق لمحاربة الطائفية هو رفضها سلوكيا والعزوف عن استخدامها كأتهام او توصيف للاخرين.
فالطائفية كما نراها هي منطق اختزالي اتهامي لكنه قيمة تافهة تهيمن وتتفشى شأنها شأن الهواء المنضب الفاسد الفاعل والمؤثر في ظواهره على انه ديني المنشأ ولكن في بواطنه سياسي اقتصادي يقوم على لعنة الاتهام ، فاتهام طائفة لأخرى ارتكازا على ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة وحجبها زورا عن الطائفة الأخرى .
فهذا الوحش الضاري المفترس القاتل المخرب لبنى الوطن يتغذى بالتشرنق وبالوعورة الدينية حيث العقلية الباحثة زورا عن انه تمايز يُنتزع زورا وبهتانا على حساب إحقاق الحق وفرض الهيمنة والوصاية وانه الاصلح والاعدل بينما الطرف الاخر مضل وعدواني وبعيد عن الصراط المستقيم ويجب محاربته وحتى فناءه اذا اقتضى الامر .
الطائفية هذه اللعنة المركبة غالبا ما يُهندس لها في المعامل الخارجية فتُخلق عبر آليات لعقليات اقتصادية وسياسية غارقة بالأدلجة المغرضة التي تروم السيطرة على الوطن وثرواته وكل مافيه من قبل فئة صالحة حصرا كما يدّعون .
فكرة الطائفية المنعوتة بالهمجية والمذمومة المقيتة المعتدية المضادة للإنسانية والإنسان لا يمكن إثارتها في البلد القوي القادر المتوازن القادر على تطوير استراتيجياته الإقتصادية والسياسية والثقافية والقادر على الدفاع عن الصالح العام وتقديمه على الصالح الخاص؛ وبمعنى آخر أي لا وجود للطائفية مع إحقاق الحق وفرض العدالة حيث لا يوجد ظالم ومظلوم ومهيمن ميسور ولا مظلوم فقير غاضب أي لا يمكن للطائفية أن تتغذى وتنمو إلا في البلدان الفاقدة للرؤى التصالحية القاصرة على تطوير استراتيجياتها بما يتوافق مع مصالح كافة الأطياف وإقامة التوازن في توزيع الثروات هذا يعني بأنه لا يمكن محوها ما لم يتم السعي حثيثا وجادا بإزالة الأسباب المؤدية إليها .
إنها توجيه للإرادة الإنسانية باتجاه مغاير للحضارة والتقدم والازدهار لأنها العدو الذي يقسم كي يسود ولأنها الطاعن بأخلاقيات العدل الإنساني .
إذاً ما هي أهم الأسباب الرادعة والزاجرة لها؟ بل ما هي السبل القادرة على إطفاء جذوتها.
وهنا تتعدد وجهات النظر بحيث يبقى السؤال هل يمكن تفعيل الإرادة السياسية لطاقاتها القصوى من اجل سنّ قوانين المحاسبة لكل من يتخذها ديدنا وصك الدساتير القادرة على وضع الحد الفاصل لسياسات التخوين ، وهل يمكن أختيار لجان على مستوى دولي من أناس عرفوا بالنزاهة والإنسانية للقضاء على هذا الشر المطلق حيث لا يجوز احتكار الوطنية لفئة دون أخرى فالوطن ليس من حق طائفة ولا طيف دون آخر بتاتاً .
إذاً فالطائفية تنمو في خرائب الظلم واللاعدالة .
الطائفي هو الذي يفقد عقله ويرهن إرادته لتاج رأسه، وهو الذي يتبع أحزابًا طائفية، ويتواطأ مع جرائمهم ومذابحهم وعمالتهم . وكل طائفي هو عميل دون أن يدري .
الطائفية مثل ظاهرة الزنا تماما فالكل ينتقدها علنا لكن الكثير يمارسونها خفيةً .. هكذا أراها وأقولها بلا استحياء.
***
جواد غلوم