آراء
عبد الخالق الفلاح: روسيا وفنلندا والخطر الواقع
ان المتابع للأوضاع بعد الحرب الروسية الأوكرانية سيجد ان الاخطار اخذت منعطفات سريعة نحو تحديات يصعب المرور بها مر الكرام وعندما يوجه سيرجي لافروف تحذيرا بقوله أن روسيا قد تتعامل مع الاتحاد الأوروبي بقسوة إذا لزم الأمر، فإنه يعيد قراءة حقيقة من حقائق التاريخ على مسامع العالم،وبعد ان اعتبرت رسمياً فنلندا العضو الحادي والثلاثين في حلف الناتو، اكبر واقوي واقدم تحالف عسكري دولي في التاريخ، سوف يلقي انضمامها الي الناتو بأعباء دفاعية ثقيلة ومكلفة على روسيا نظرا لطول الحدود المشتركة بينهما، وذلك من اعادة نشر اسلحة وقوات وتعديل خطط واستراتيجيات دفاعية أصبحت تقتضيها هذه المتغيرات مع انضمام فنلندا للناتو سوف يتزايد الاحتمال بأن ينصب الحلف بعض قواعد أسلحته النووية داخل الأراضي الفنلندية بالقرب من الحدود الروسية لتعزيز قدراته علي الهجوم والردع وبصورة لم يسبق لها مثيل بعد ان تخلت فنلندا عن حيادها وأصبحت حلقة مهمة من حلقات استراتيجية الناتو الدفاعية في أوروبا، وكان ما تخوفت منه روسيا في أوكرانيا وذهبت الى الحرب عليها بسببه، وكان ما يزال مجرد احتمال لا أكثر، أصبح واقعا مؤكدا في فنلندا، بدرجة أشد تهديدا لامنها القومي من أوكرانيا.. ولان ما فعلته في اوكرانيا لن تستطيع ان تفعله في فنلندا بعد انضمامها للناتو لمخاطره وتبعاته الانتحارية الهائلة، وقريبا سوف تلحق بها السويد لتكتمل حلقات الحصار الغربي المضروب حولها وتصبح حينئذ في موقف امني واستراتيجي اسوأ بكثير مما كانت فيه قبل حربها في أوكرانيا...وهو ما لم تحسب حسابا له لتوقعها أن حربها في اوكرانيا سوف تكون حربا خاطفة لن تطول ولن يكلفها الكثير، وأنها قادرة بإمكانياتها العسكرية المتفوقة على حسمها لصالحها ولتضع الناتو والجميع بعدها امام الامر الواقع الجديد كما سبق لها وان فعلت في شبه جزيرة القرم التي انتزعتها من أوكرانيا عنوة بعملية عسكرية خاطفة.. لكن كل هذه التوقعات المبدئية التي بنت عليها تقديراتها وقراراتها، خابت تماما ولا يتغير سيناريو الحرب الاوكرانية برمته في اتجاه آخر، أما بماذا خرجت روسيا من حربها في اَوكرانيا التي كلفتها كل هذه الاعباء الرهيبة َ، وزادت من همومها الامنية بدرجة لم تتوقعها في بداية هذه الحرب والا لما بادرت اليها من الاساس، فهذا هو السؤال الذي يجب ان تطرحه القيادة الروسية على نفسها لتعرف السبب في كل ما جرى وانتهى بها الي ما هي فيه الآن من تورط في حرب استنزاف طويلة ودامية لم تعد تعرف مخرجا لها منها، بعد ان اصبحت تقف في مواجهة اكبر قوة عسكرية ضاربة في العالم، القوة التي تحاصرها وتضغط عليها من كل اتجاه. وتضعها بين المطرقة والسندان.. كما ان عليها ان تسأل نفسها ما إذا كانت دائرة الخيارات التي يمكنها أن تتصرف بها للخروج من مأزقها قد ضاقت امامها الي الحد الذي أصبحت معه اما ان تتوقف وتسلم بعدم قدرتها على الاستمرار وتخسر؟ او ان تستمر وتواصل حربها في اوكرانيا وتخسر اكثر؟ وهل ستقبل بالنتيجة في الحالتين؟ أم أن الحرب النووية هي الطريق الوحيد المفتوح أمامها للرد بها على ما تواجهه من أخطار وتحديات؟ وهل يساوي هذا كله هدفها الذي خططت له من دخولها في هذه الحرب؟
***
عبد الخالق الفلاح –باحث واعلامي