آراء

علاء االلامي: موقف تشومسكي من حل الدولتين بين النقد الموضوعي الاتهامات الظالمة (1): مقدمة

هذه مقدمة قصيرة لمقالة مطولة بعض الشيء أعكف على كتابتها وسوف أنشرها مستقبلا. وأشير إلى أنني لم أشأ الإشارة إلى ذلك الشخص الذي ينشر باسم (Said Mohammad) لو لا أنه ذكرني بالاسم وصور أحد منشوراتي وعلق عليه بأسلوب استفزازي وغبي في آن واحد. فهو لم يفهم المقصود من المنشور الذي كنت أنتقد فيه أولئك الذين أغفلوا ذكر فلسطين وحرب الإبادة التي يشنها العدو حين أتوا على ذكر الخبر الكاذب عن وفاة تشومسكي وقفزوا على تصريحات زوجته الذي ذكرت فيها أن زوجها يتابع المجزرة الصهيونية رغم مرضه وإنه حينما يسمع أو يشاهد الفظاعات المرتكبة يرفع ذراعه اليسرى احتجاجا وغضبا. بمعنى أنني لم أدافع عن موقف تشومسكي من حل الدولتين ولم أتبنَ موقفه هذا ولم أتطرق له أساسا، لقد انتقدت هؤلاء وتساءلت في المنشور "ولكن كيف يجرؤ مَن لم يذكر فلسطين وشعبها بكلمة طوال أشهر المحرقة التسعة، أن يذكر ما قاله وفعله تشومسكي من أجلها؟ يبدو أن البعض يتعامل مع تشومسكي من أجل الكشخة "والبرستيج" ويقدمه كحداثوي ليبرالي "نص ردن" كان يشرب قهوة مع سفراء الاحتلال الأميركي أو الصهيوني"! ويبدو أن هذه الكلمات هي التي أفقدت هذا الشخص صوابه فراح يشتم ويشنع ويصف تشومسكي بأنه أحد "العجول الذهبية التي تخلقها الماكينة الإعلامية للمخابرات الأمريكية ليعبدها القطيع".

لم يشفع لنعوم تشومسكي موقفه الحازم من الكيان الصهيو ني والحكومات الصهيو نية المتوالية ولا اتهامه باطلا بمعاداة السامية التي صارت تعني حرفيا "معاداة الصهيو نية ودولتها العنصرية" ومنعه من دخول إسرا ئيل والضفة الفلسط ينية الغربية في العقود الأخيرة لدى بعض المؤدلَجين والباحثين عن عدو تحت السرير أو بين السطور والمبالغين في قراءة أخطاء الخصم أو الصديق إلى درجة التشكيك والاتهام بالخيانة، واعتباره واحدا من "العجول الذهبية التي تخلقها الماكينة الإعلامية للمخابرات الأمريكية ليعبدها القطيع" كما كتب أحد المؤدلَجين ممن يختبئون خلف صورة ماركس إلى درجة أنه شوَّه اسم الرجل من نعوم إلى "هذا الناحوم"! فحتى لو افترضنا أن تشومسكي أخطأ بتبنيه حل الدولتين - الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كما توصف، وغالبية منظمات المقاومة الفلسطينية ومنها حماس (التي قال نائب رئيسها خليل الحية في تصريح له قبل أسابيع - سنتخلى عن سلاحنا إذا طبق حل الدولتين) باعتباره مرحلة أولى نحو تحرير فلسطين كاملة - حتى إذا افترضنا ذلك وهو افتراض صحيح عندي، فهل يوجب ذلك هذا التشنيع والحقد على من تعتبره وسائل الإعلام الصهيونية والغربية المعادية عدوها الأول أم أن وراء الأكمة ما وراءها وأنه عداء مشبوه ومخطط له من جهات معادية؟.

 كما اتهمه شخص آخر أكثر اعتدالا ونزاهة ولكنه مخطئ في معلوماته، "بأنه -تشومسكي - لم يفكر قط بزيارة قطاع غزة بعد أن منعته الحكومة الصهيونية من دخول الضفة الغربية". والحقيقة، فهذه المعلومة خاطئة تماما. فحين منعه الاحتلال من دخول الضفة الغربية زار تشومسكي غزة سنة 2012 على رأس وفد يضم عشرة مفكرين غربيين، للمشاركة في مؤتمر علمي حول اللغويات والأدب تنظمه الجامعة الإسلامية في غزة. بل واعتبر تشومسكي نفسه من "أهل الدار" فانتقد استمرار الانقسام الفلسطيني والصدع الشديد بين حركتي فتح وحماس، واعتبر أن استمرار الانقسام يعود بفائدة كبيرة على الدول الغربية ومصالحها، ودعا للتخلص منه لتجاوز هذه الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح". وهناك تقرير مفصل عن زيارته تلك نجده في أرشيف غوغل تحت عنوان " تشومسكي يحاضر بغزة رغم الحصار"!.

غير أن إنصاف تشومسكي يختلف عن تصنيمه ورفض النظر إلى تراثه بنقدية، فهو لا يحتاج إلى كبير جهد لإنصافه لأنه معروف عالميا بمواقفه النقدية والتضامنية في عشرات القضايا العالمية ومنها القضية الفلسطينية والمناهضة للإرهاب الإمبريالي الأميركي وضد الكيان الصهيوني وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني. ولكنه يبقى بشرا يرتكب الأخطاء إلى جانب الصواب أحياناً وليس ملاكاً معصوماً من الخطأ. لقد عبر تشومسكي نفسه عن نقده لنفسه وندمه الصريح من بعض مواقفه حتى أنه اتهم نفسه بـ "مهادنة" الكيان الصهيوني في فترة مبكرة من حياته حيث قال قبل سنوات قليلة في لقاء منشور معه "إنه بدأ بمعارضة الحرب في فيتنام في بدايات الستينيات ولكن كان عليه أن يبدأ قبلها بسنوات، حين بدأت الولايات المتحدة تساند فرنسا في إعادة احتلال فيتنام. وبخصوص فلسطين، ذكر أنه لم يبدأ بانتقاد "سياسات إسرائيل الإجرامية" إلا في 1969 وأضاف "وكان يجب أن أبدأ قبل ذلك بكثير، شهدت بنفسي ذلك في 1953 حين زرت إسرائيل، كنت أعرف القليل من العربية مما يكفي لفهم الحوارات. كما رأيت القمع وكيف يهين الأشكنازُ اليهودَ المغاربةَ. كان يجب أن أتحدث عن كل ذلك. لكنني لم أبدأ إلا بعد 1967 وبعد أن بدأت سياسات إسرائيل التوسعيّة الاستيطانية في الأراضي المحتلة والتي قادت إلى كل ما يحدث، كنت مهادناً أكثر من اللازم في نقدي وتأخرت كثيراً/ اقتبسه الروائي العراقي سنان إنطون - 21 حزيران يونيو 2024".

ولكن بم يتعلق النقد الذي يوجه لتشومسكي من يساره تحديدا؟ في الأسطر التالية سأناقش مثالا على هذا النقد في مقالة شهيرة لنوح كوهين (الناشط اليساري في لجنة نيو إنجلاند للدفاع عن فلسطين في بوسطن - ماساتشوستس) نشرها سنة 2004 في مدونة (ifamericansknew) ويعتبرها البعض مرجعا لنقد تشومسكي رغم قِدمها النسبي. وسأعود إلى نص المقابلة مع تشومسكي التي اعتمدها كوهين وليس لما اقتبسه كوهين بطريقته الخاصة وسأعتمد ترجمتي الشخصية وهي ليست ترجمة احترافية للمقالة والمقابلة.

***

علاء االلامي

في المثقف اليوم