آراء

طه جزاع: توقعات علي أمين!

بالمصادفة وحدها، ونحن نعيش أجواء القمة العربية الثالثة والثلاثين التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي 16 مايس/ آيار2024 في المنامة، وقع بين يديَّ وأنا ارتب مكتبتي من فوضاها الخَّلاقة على عدد قديم من مجلة " المصور" المصرية، وهو عدد خاص بالجامعة العربية، صدر لمناسبة انعقاد القمة العربية الثالثة في القاهرة يوم 13 يناير/ كانون الثاني 1964، وكان علي أمين وقتها رئيساً لتحرير المجلة مع فكري اباظة، وقد كتب كلمة افتتاحية حماسية متفائلة جداً، تحت عنوان " العرب سنة 2000 "سجل فيها توقعاته للعرب "خلال الستة والثلاثين سنة القادمة، وكيف سيرى ان أحلامهم تتحقق حلماً بعد حلم" !.

عدد المصور الصادر في مارس/ آذار 1964 بعد حوالي أربعين يوماً من اختتام قمة القاهرة، سلط الأضواء على الملوك والزعماء والرؤساء العرب الذين حضروها. وأولهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر" من قرية بني مر محافظة أسيوط ولد في سنة 1918 "، والملك الأردني حسين بن طلال " أصغر الثلاثة عشر في لقاء القمة سناً، فهو في التاسعة والعشرين من عمره"، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة " ولد في 3 أغسطس سنة 1903، وتخرج في كلية الحقوق بباريس"، والرئيس الجزائري أحمد بن بيلا " ولد في قرية مغنية أقرب القرى الجزائرية لحدود المغرب"، والرئيس السوداني إبراهيم عبود " ولد في قرية محمد كول، بالقرب من بور السودان على ساحل البحر الأحمر عام 1900"، والرئيس العراقي عبد السلام عارف " صاحب الثلاث ثورات! "، والملك السعودي سعود بن عبد العزيز" من مواليد الكويت في 15 يناير سنة 1902 "، والرئيس اليمني عبد الله السلال " من مواليد صنعاء، تخرج في ثانوية الحديدة، وأتم علومه العسكرية في كلية بغداد العسكرية عام 1934 "، والرئيس السوري أمين الحافظ " كان ضابطاً في الجيش السوري برتبة عميد أركان حرب "، وأمير الكويت عبد الله السالم الصباح " يطلقون عليه في دولة الكويت اسم الأمير العود"، والرئيس اللبناني فؤاد شهاب " ولد في نفس العام الذي ولد فيه الملك سعود، وهو عام 1902 في قرية غزير بقضاء كسروان في لبنان"، والملك الليبي ادريس السنوسي " أناب عنه ولي عهده الأمير الحسن الرضا، فإن الملك لا يستطيع السفر بالطائرة، أما طريق البر فقد قطعته السيول بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت على ليبيا "!، وأخيراً الملك المغربي الحسن الثاني " من مواليد الرباط في 9 يوليو سنة 1929 ".

نعود إلى علي أمين وتوقعاته التي فاتت عليها ستة عقود بالتمام والكمال حتى يومنا هذا، من قمة القاهرة إلى قمة المنامة، فالرجل كان يتوقع أن يرى في السنوات القادمة سوقاً عربية مشتركة تتحكم في أسواق العالم، وأن يعم الرخاء من الخليج العربي إلى المحيط الأطلنطي، وأن يرتفع مستوى المعيشة في كل بيت، وأن تختفي الأمية من كل بلد عربي مع اختفاء كل الحواجز الجغرافية والجمركية!. ويمضي أمين في توقعاته بأن تتحول الدول العربية إلى ولايات عربية متحدة، ويتم انشاء جيش عربي واحد، وأن يعود كل لاجئ عربي إلى بيته القديم! وأن يسترد العرب فلسطين، وتبدأ في إسرائيل حركة هجرة ضخمة من اليهود الذين يأسوا من تحقيق فكرة انشاء الوطن القومي،  وتوقع أن تصبح البلاد العربية منار الحرية في العالم، فيلجأ إليها كل أحرار الدنيا. وأن تضرب الأمة العربية مثلاً في التسامح والعدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان. ويختتم توقعاته بالقول: اننا سنرى العجب في الستة والثلاثين سنة القادمة!، فإن ما سيحققه العرب في هذه الفترة، لم يحققه شعب آخر في 360 سنة!." أتوقع أن يصدر المصور سنة 2000 عدداً خاصاً من ألف صفحة يتحدث عن الانتصارات التي حققها العرب في السياسة والفن والعلوم! ".

سامحك الله أستاذنا علي أمين، اطمئن فتوقعاتك بالحفظ والصون منذ ستين عاماً، من قمة القاهرة إلى قمة المنامة. نم قرير العين في قبرك فقد تحققت توقعاتك كلها، وأكثر!.

ملاحظة : اضطر علي أمين للخروج من مصر، بعد الحكم بالسجن عشر سنوات على شقيقه التوأم مصطفى أمين بتهمة التخابر لصالح الـ ( CIA ) بعد أقل من عام ونصف على هذه التوقعات ! .

***

د. طه جزّاع

 

في المثقف اليوم