نصوص أدبية

سعد غلام: خَرائِطُ طِينِ الماءِ الأُولَى

(في مراسيم عبيق الورد)

[الدَّلال]

خَسِرْتُكِ

وَالدَّلالُ يَمُدُّ ضِياءَهُ المَطْمُوسَ فِي دَمِي

وَيَخُطُّ فِي لَيْلِي خُطُوطًا مِنْ نَدًى مُنْفَلِقٍ

وَيَرُشُّ فَوْقَ جُرُوحِ رُوحِي نُورَهُ الأَوَّلْ

صَوْتُكِ إِذْ يَسْقُطُ فِي عُتْمَةِ الذِّكْرَى

يَصْعَدُ مِثْلَ نَجْمٍ فِي السَّرَائِرِ

ثُمَّ يَتَّقِدُ

*

[مَرَاسِيمُ الكَظْم]

خَسِرْتُكِ

وَالكَظْمُ يَرْفَعُ مِنْ تَرَاتِيلِ المَسَاءِ

مَا نَسِيَتْهُ الرُّوحُ فِي خَوْفٍ مُعَتَّقِهَا

أَنْتِ الَّتِي أَوْقَدْتِ فِي أَغْوَارِ أَحْلَامِي

أَسْرَارَ لَهْفَةِ غَيْمَةٍ مُتَرَقْرِقَةٍ

حَتَّى تَبَدَّدَ وَصْلُنَا

وَتَبَدَّدَتْ خُطَاكِ فِي مَدَارِي المُنْفَطِرِ

*

[خَرِيطَةُ الدَّم]

خَسِرْتُكِ يَا مَنْ كَانَ يَنْبُوعُ الرُّؤَى

يَجْرِي بِوَقْعِكِ فِي شُرَايِينِي

أَنْتِ الَّتِي نَزَلْتِ عَلَى طِينِي

كَنُقْطَةِ نُورٍ تَنْشَقُّ مِنْ سِرِّ الْخَلَائِقِ

حَتَّى مَضَى الدَّمُ يَرْسُمُ اسْمَكِ

فِي طُرُقٍ لَا تُرَى

وَيَرُقُّ حِينَ يَمُرُّ فِي حَافَّاتِ أَحْزَانِي

*

[سُهُولُ الوَرْد]

خَسِرْتُكِ

يَا ظِلَّ وَرْدٍ يَسْرِي فِي أَسْرَارِ مَائِي

وَيُشِيعُ فِي أَرْجَاءِ رُوحِي بَهْجَةً أُولَى

أَنْتِ نُشُوءُ اللَّوْنِ

أَنْتِ بَدَاءَةُ الطِّيبِ

أَنْتِ سِرٌّ كَانَ يَنْسَجُ حُلْمَهُ فِي قَاعِ نَفْسِي

لَيْتَ مَا سَرَقَ الدَّلَالُ مِنَ الْمَوَاسِمِ

لَمْ يَسْرِقِ الْأَيَّامَ مِنِّي

وَلَيْتَ وَقْتَكِ لَمْ يَصِرْ غَيْمًا يُبَدِّدُنِي

*

[سُكُونُ اللَّيْل]

خَفَقَ اللَّيْلُ وَالنَّجْمُ فِي عُمْقِهِ سَاكِنُ

وَالصَّمْتُ يَحْمِلُ مِنْ صَوْتِكِ مَا يُؤَلِّفُهُ

أُسَرِّبُ عَطْرَ الذِّكْرَى فَتَنْبَعِثُ عَاطِرَةً

تُعَانِقُ خَافِقِي فَيَنْثَنِي لِلرَّجَاءِ مُنْكَسِرُ

*

[بُعْدُ الغَيْم]

غَادَرَتْ عَيْنَاكِ سُهُولَ صَدْرِي فَاسْتَوْلَى عَلَيَّ

بُعْدُ الغَيْمِ وَالْأَمْطَارُ تَصُكُّ نَافِذَتِي

وَأَنَا أُقَاسِي وَحْشَةَ اللَّيْلِ الطَّوِيلَ حَتَّى

يَعُودَ صَدَاكِ فِي أُذُنِي مُتَعَبِّدًا مُهجّدًا

*

[رَجَاءٌ عَابِر]

رُبَّ لَمْسَةِ يَدٍ فِي الظُّلْمَةِ تُشْعِلُ نَجْمَةً

تُرَاوِغُ قَلْبِي فَأَرْتَدُّ إِلَيْكِ مُسْتَجِيرًا

وَأَبْعَثُ فِي جَوِّ اللَّيْلِ دُعَاءً مُتَوَاضِعًا

لَعَلَّ عَبِيرَكِ يَعُودُ وَيُعَطِّرُ مَدَامِعِي

*

[خَاتِمَةُ وُجْد]

سَأَظَلُّ أُغَنِّي لِصَوْتِكِ فِي اللَّيْلِ مُعَتِّقًا

حُلْمًا يُقَاتِلُ عُيُونَ الصَّبْرِ حَتَّى تَثُوبَا

وَإِنْ غِبْتِ عَنِّي فَذِكْرَاكِ فِي دَمِي تَجْرِي

كَمَا يَجْرِي فِي عُرُوقِ الْوَرْدِ دَمْعُ السَّحَائِبِ

*

[كُودَا - سِفْرُ الطِّينِ وَوَشْمُ الْمَاءِ]

فِي الطِّينِ أَسْرَارٌ لَمْ تَقُولِيهَا

وَفِي الْمَاءِ أَسْمَاءُ الظِّلَالِ الَّتِي

مَرَّتْ عَلَى خُطَاكِ وَلَمْ تَرْجِعْ

وَحْدَهُ الْحُلْمُ - إِذَا سَقَطَ فِي عَيْنِ اللَّيْلِ -

يَرْسُمُ لِي مَسَافَاتِكِ

وَيَجْعَلُنِي أَتَعَلَّمُ

كَيْفَ يَنْطِقُ الطِّينُ بِمَاءِ الغِيَابِ

وَكَيْفَ تَجُرُّ الْوُرُودُ عَلَيْهِ

نَبْضًا يَخْفِقُ كَأَنَّهُ أَنْفَاسُكِ

***

د. سعد غلام

 

في نصوص اليوم