نصوص أدبية
جورج عازار: هوامشُ

إلى صوتِ من لا صوتَ له..
إلى قلوب ِكُلِّ المهمَّشين الطيِّبة، أقدِّمُ هذا النَّص.
***
هوامشُ نحنُ، يا سيِّدي
مجردُ هوامشَ
دخلنا خِلسةً من البابِ المُواربِ
حين أعمتنا طقوسُ الضوءِ ذاتَ مرةٍ
عبيداً صِرنا نتسولُ ابتسامةً شاحبةً
تنهرُنا أمواجٌ
وكُلُّ الدُّروبِ أمامنا مُوصَدةٌ
والفضاءاتُ تُغلقُ بواباتِها
فأين المَفرُّ
هوامشُ نحنُ يا سيِّدي
يبددُنا وجعُ الحاضِرِ
ويتبرأُ مِنَّا الغَدُّ
ولا تاريخٌ لنا يَشفعُ
أبهرت عيونَنا نياشينُ السَّادةِ
فحسبناها شَمساً تَضحكُ
وظننَّا الدعوةَ عامةً
ومن أضيقِ الأبوابِ دَخَلنا
والحفلُ يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ
تاهَ الدَّربُ عنَّا وتُهنا
وصار عسيراً منه خُروجُنا
هوامشٌ نحنُ، يا سيِّدي
مُجرَّدُ هوامشَ
تُشبِعُنا كلمةٌ
وتُقنعُنا مُجرَّدُ كذبةٍ
نشربُ كؤوسَ الشَّجوِ مُترعةً
ولا نبالي
إنْ كنّا على حافةِ الكونِ نَحيا
نفترشُ السَّماءَ وتُعانقُ تربةُ الأرضِ جِباهَنا
بهدوءٍ جِئنا، بهدوءٍ نَمضي
من غيرِ أنْ نُقلِقَ
مناماتِ سَيّدِنا
ضمائرُنا فرحٌ وعيونُنا اِنكسارٌ
نشتري بأبخسِ الأثمانِ
أحزانَ العالمِ
نرضعُ أثداءً يابسةً
ونقتاتُ زمجرةَ الرِّياحِ
وبين مزارِعِ مآقينا
جيوشُ الذبابِ تَعتاشُ
كيف الحمائمُ في أحضانِ الغُربان تنامُ؟
وكيف الحِملانُ
لأنيابِ الضواري تأمنُ؟
مليونُ زِيوسَ
في الأرضِ يتحكمونَ
وصرخاتُنا في زنازينِ الضمائرِ حبيسةٌ
وأيادينا بأغلالِ الخَيبةِ مُكبلةٌ
هوامشُ نحنُ، يا سيدي
تأنَفُ مِنا الياقاتُ
وفي دواخِلِنا
يعرِّشُ كالَّلبلاِب الثَّلجُ
سطوُرنا بيضاءُ وحظوظُنا سُخامٌ
جئنا في الوقتِ التَّائهِ من بُوصلةِ الزَّمانِ
ننامُ في خُرمِ إبرةٍ
وتُسكتُ جوعُنا كِسرةُ خُبزٍ
وتُطفئُ ظَمأَ إملاقِنا وعودُ الوهمِ
بأجسادِنا نَتحَدَّى شُموسَ اليأسِ
لا صقيعٌ يَعنينا
ولا وهجٌ يحرقُ سَجايانا
فقد جَفَّتْ مِنذُ دُهورٍ دموعُنا
يلفظُنا الضَّجيجُ
وننامُ بِسَكِينَةٍ
من غيرِ أنْ نُقلِقَ رَقصاتِ الفراشاتِ
في أمسياتِنا الكئيبةِ
نأتي ونَمضي من غيرِ أن تدري بِنا
غيرُ الخنافسِ النَّهمةِ
الَّتي أبداً لا تشبعُ
من ماءِ أعينِنا
قالوا: مآسينا هي معاصينا
الَّتي في غابرِ الأزمانِ اقترفناها
وما علموا أنَّ آثامَهم مُرتسِمَةٌ
في خزيِّ أبصارِنا تَمثِلُ
كلَّما أغمضَ أحدُ الرِّفاقِ عَينَيه
أدركنا أنَّ الخَلاصَ قريبٌ
وأنَّ كَلَّ الهَوامشِ الخَاويةِ
على وشكِ أنْ تَمتلِئَ
معذرةً، يا سيدي، إنْ أصابكَ الضجرُ
فنحنُ هوامشُ، يا سَيدي
مُجردُ هَوامشَ
لا تُقدِّمُ ولا تُؤخِّرُ
***
بقلمي: جورج عازار