نصوص أدبية
فاطمة عبد الله: ظل الأبد

ظل الأبد
أنا السراب الذي لا يشيخ، ظل يتراقص بين الحضور والغياب، وعد معلق بين الفناء والانبعاث.
كلما حسبت أنني تلاشيْت، وجدتني أتسلل من بين أصابع العدم، كوميض يتجدد كلما أطبقت الظلمة على الأفق.
أنفاسي شررات، وصمتي اشتعال مؤجل، يترصد لحظة الانفجار، كبُركان هادئ في ظاهره، لكنه في عمقه يخبئ صخب الخلود.
أيها الأفول المتكئ على عنق الضوء، لن تخمدني.
كم مرة سحبت النهار إلى جوفك، متوهماً أنه صار لك، وأنني ذبت في ظلالك؟
لكنك لم تدرك أنني أستفيق في اللحظة التي تعلن فيها انتصارك، أنبثق من حواف الهزيمة، كطيف من وهج لا يذوي.
كم ظننت أنك أطفأتني، وأنا الطعنة التي لا تموت، الجنون الذي يلد نفسه.
كلما احتضنني الفناء، أفلتُّ من قبضته، كأنني فجر يتوهج من لهيبه الأخير.
مثل "بروميثيوس" الذي سرق النار من الآلهة ليمنح البشر الحياة، أنا المتمرد الذي يتحدى الموت ليولد من رماد نفسه عاصفة جديدة.
لا شيء يطفئني، لا الغياب، ولا الامتداد، ولا الليل المتربص بي، الساكن في وهمه أنه يستطيع احتوائي.
فأنا النبض الذي ينسل من ضوء يحتضر، والموت الذي يخون حتميته ليولد مجددًا.
كلما ضاق بي الأفق، تمددت في الهوامش.
كلما ظنوا أنني انتهيت، وجدتني في البدء من جديد، أتشظى في الفراغ، ثم أتوحّد، أتناثر كذرات غبار، ثم أعود إعصارًا.
أهيم كوهج في مجرات الصمت، ثم أهبط كعاصفة على قلب الزمن.
أنا الاسم الذي لا يُمحى، والأثر الذي لا يتآكل، والصوت الذي يعود، ولو تخثّر في الصدى.
أنا اللحن العالق في أذن الأبد، والنقش الذي يأبى أن يتلاشى.
يفرّ مني النسيان مذعوراً، فأنا الحقيقة التي تتوارى بين السراب واليقين، والظل الذي يراوغ الضوء والظلمة معًا.
لا حد لي، لا قيد لي، لا انتهاء لي...
فأنا اللازوال
***
بقلم فاطمة عبد الله