نصوص أدبية

سعد غلام: حين تنقر الزنابق

(حين تنقر الزنابق شبابيك الخريف يشتعل الرُّضاب حتى وإن كان في الطَّفِّ المَغول)

***

مَأْخُوذًا أَسْمَلُوني، وَشْمِي فِي الْعُيُونِ،

كُنْتُ الْخَافِرَ فِي وَجْدِي، أَوْلَمُونِي يَتِيمًا.

أَضَلُّوني هُوَايَ، هِمْتُ مُخَضَّبًا

بِوَبَاءِ الذِّكْرَى فِي تِيهِ التَّعْبِيرِ

٢

عَمَّ صَبَاحًا يا طَلَلُ،

اِسْتَفَاقَتْ فِتْنَةُ فِتَنٍ.

شُبَّاكٌ عَلَى الْمِحَنِ،

تَحْتَ الرَّمادِ الْمُظْلِمِ

٣

الحُرِّيَّةُ تُحْفَةٌ مَنْقُودَةُ الضَّوْءِ،

وَالنَّاصِرُ مَهْتُوكًا يَسْأَلُ الدَّمَ:

-أَتُجِيدُ العَرَبِيَّةَ؟

فَيَصْمُتُ الوَجْمُ

٤

الْقَاتِلُ عَادَ،

أَسْتَجِيرُ بِمَنْ؟

كُلُّ مَا حَوْلِي

مِنَ الْمَغُولِ الْقَاسِي

٥

عَبَثُوا بِالحُلْمِ،

أَشْبَعُوهُ طَعْنًا وَرَكْلًا.

صَارَ كَابُوسًا،

صَادَرُوا حَتَّى الْمَنْدَرِسَاتِ.

زَرَعُوا فِينَا بِالْعُقْمِ: العَاهَاتِ

٦

هَاجَرْتُ لِلْخَيَالِ،

دَاهَمُونِي فَاعْتَقَلُوا مِنْ أَفْكَارِي البَنَاتِ.

اِفْتَضُّوهُنَّ عَلَانِيَةً،

نَقَّبُوا فِي الْقُبُورِ عَمَّا نَسُوهُ.

مَقَامُ مَرْدُوخَ، مَنَامُ الإِبْرَامِزِ،

أُورُ وَكْرُ الطُّيُورِ تَقْذِفُ النَّارَ،

ثِيرَانُ نَيْنَوَى جَعَلُوهَا مَهِيضَةً

٧

فِي كُلِّ بَابٍ وَشُبَّاكٍ: الذِّئْبُ،

وَيُوسُفُ فِي الْجُبِّ يَنْتَظِرُ بُشْرَى

٨

هَنْدَسْنَاهَا: مُرَبَّعَاتٌ، مُثَلَّثَاتٌ، دَوَائِرُ،

الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالْقَصَبَاتُ، التُّرَعُ وَالْأَنْهَارُ

٩

الطَّفُّ عَادَ،

الحُسَيْنُ مَا مَاتَ.

السَّيْفُ مَاتَ،

الْيَوْمَ عَادَ الْفِينِيقُ،

مَغُولِيًّا يَمْتَطِي الْهَمَرَ الْمُتْعَبَا

١٠

تَشْتَاقِينَ، تَعَالَيْ نَشْكُو بَعْضَنَا.

مَفَاتِيحُكِ لَدَيَّ،

اُطْرُقِي شَرْيَانِي.

مَا دُمْتِ تَسْكُنِينِي، تَسْكُنِينِي

١١

يُؤْلِمُنِي أَمْلِي لِنَفْسِي،

وَأَنَا أُمْلِي أَلَمِي.

الدَّمُ الْمَطْلُولُ دَمِي،

أَهْطَأُ مَقْطُوعَ النَّفَسِ.

الطَّفُّ يَسْكُنُنِي: أَطْيَافًا وَظِلًّا.

هُنَا كَفٌّ، هُنَاكَ رَأْسٌ،

هُنَاكَ عَارٌ،

بِلَا رَأْسٍ وَلَا كَفٍّ يَقُومُ قَائِمًا

١٢

السَّمَاءُ تُطْفِئُ الرَّمَادَ،

وَتُمْطِرُ دَمًا يَانِعًا

١٣

اِكْشِفُوا الْقُبُورَ!

كُلٌّ مِنْ وَرَاءِ الثَّرَى

بِلَا كَفٍّ، وَلَا رَأْسٍ،

وَلَا كَفَنٍ مُبَهَّمًا.

اِنْفَرَطْنَا رُمَّانَةً

بَعْدَمَا كُنَّا وَطَنًا.

التُّخُومُ مَعَابِرُ الْغِرْبَانِ الرَّوَّاغِي،

وَالنَّهْرُ شَارِبُهُ رَدْمُهُ بِالْأَجْسَادِ

١٤

تَدَلَّى مِنَ السَّمَاءِ الشَّيْطَانُ،

وَمَعَهُ جُنْدُ وَهْمٍ؛

أَنْزَلُوا فِينَا النَّوَائِبَ،

أَضْرَمُوا بِالنَّخْلِ النَّارَ لِتَنْحَنِيَ.

وَالْوَرْدُ يُرَحِّلُ أَحْلَامَهُ النَّضِيرَا.

لَا جَنَاحَ فَرَاشَةٍ يَحْمِلُ الْكُحْلَ،

وَالْعَنَادِلُ بِدُونِ الْحَنَاجِرِ تُؤَنِّبُ،

وَالْحَمَّامُ أَبْقَى أَطْوَاقَهُ وَطَارَ

مِنَ الْمَرَاقِدِ يَبْحَثُ عَنْ عُشٍّ أَبْيَضَا

١٥

قَوَارِيرُ الْعُطُورِ عُبِّئَتْ كَافُورًا،

الْكَنَائِسُ خَالِيَةٌ، أَجْرَاسُهَا تُبَاعُ خُرْدَةً.

خِيَامٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ،

وَالسُّؤَالُ مِهْنَةُ مَنْ صَبَرَا

١٦

إِسْخِيلُوسُ يَكْتُبُ مَلْحَمَةً جَدِيدَةً لِلرَّمَادِ

١٥

يَرْتَدِي الْعُرْسَانُ الْأَكْفَانَ،

وَإِسْرَافِيلُ عَلَى السُّورِ

يُنَفِّخُ فِي الصُّورِ الْمُعَلَّقَةِ.

الطُّرُقُ مُزَوَّرَةٌ،

تَحْتَ أَقْدَامِنَا

عُبُوَّاتُ الْمَوْتِ تَنْتَظِرُ لَمْسَةَ أَحَدِنَا

١٨

أَتَسْأَلِينَنِي عَنِ الْحُبِّ؟

هُوَ هَجْرُ الْقُلُوبِ.

وَعَنِ الْهُوِيَّةِ؟

هِيَ ضَالَّةُ الدَّرْبِ الطَّوِيلِ.

وَعَنِ الْعُرُوبَةِ؟

التُّهْمَةُ الْمَكْبُوتَةُ فِي الظُّلُمَاتِ

١٩

الْقُلُوبُ سَرَادِيبُ أَهْرَامَاتٍ،

نَدْفِنُ فِيهَا أَمَالًا صَغِيرَةً،

جُلُّهَا مُحَنَّطًا رَقِيقًا

٢٠

اِمْتَشَقَ الشَّهِيقُ،

وَأَنَا أَخْنَقُ بِالْعِبْرَةِ.

كُلَّ لَحْظَةٍ قَتِيلٌ،

دِمَاءُ الطِّفْلِ: إِلَى مَتَى تَسِيلُ؟

نَتَنَفَّسُ مِرْآةً مِنْ كُتَلِ الْكُونْكْرِيتِ الْكَئِيبِ

٢١

غَدًا! لِأُتَسَلَّى بِهِ عَنِ الْغَدِ الْمَفْقُودِ.

الْغَدُ غَيْبٌ، لَكِنَّهُ يُلَوِّحُ رَمَادِيًّا قَاتِمًا

٢٢

اِشْفَعُوا يَا أَصْحَابَ الْقِبَابِ الْبَيْضِ!

فِي كُلِّ رُكْنٍ شَظِيَّةُ أَمَلٍ صَغِيرٍ.

اِنْثَالَتْ أَمَانِينَا هَبَاءً،

وَانْزَاحَ عَنِ الْبَالِ جَوَابٌ،

وَبَقِيَ السُّؤَالُ مُعَلَّقًا

***

د. سعد محمد مهدي غلام

في نصوص اليوم