نصوص أدبية
عبد الباقي قربوعه: العصفور الذي نجا من حريق غابة أولاد قدور

الغصن الذي كنت أقف عليه يافع أخضر، يبدو أنه قد شرب من العين المجاورة ما يكفي، اليخضور البارد وهو يغازل أظافري ألهمني الشجاعة، عندما تنفس الغصن صعد الدخان إلى نخاعي، شعرت بالدوران، ورغم ذلك استمريت أراقب كيف تتدرب فراخي على الطيران، لكنهم تهوروا وعادوا حيث تركت أمّهم في عمق الغابة، اتفقنا بأن تحاكي لآخر مرة ذكريات عشنا الذي بنيناه الربيع الفارط.
هروب الفرشات بطيء جدّا، أدخل اليأس إلى قلبي، جعلني أفقد الأمل في نجاة عصفورتي وفراخي، عجّت السماء بدخان أسود كثيف، طال أعيننا أنا والفراشة التي لجأت إلى الشجرة مثلي، وقد وصلت بجناح واحد، حطت وكانت مرهقة جدا، حين أيقنت بأن اللهب قد أكل أجنحة ما تبقى من الفراش بكيت.
النسور مرت فرحة بقوة جناحيها، صعدت إلى علو لا تراه أعين النار، الفراشة المعطوبة تناشدني لأطير بها إلى مكان آمن، ألسنة اللهب تتراقص متوعدة كل أخضر ويابس في غابة أولاد قدور، أما أنا فلم أكن خائفا على نفسي بسبب الماء الذي يحيط بالشجرة، لكن قلبي كان يتمزق خوفا على عصفورتي وفراخي، أكاد أخرج من عقلي، ومن حين إلى آخر أهمس للفراشة المسكينة بأن فرصة النجاة لا تزال متاحة لنا، زرعت فيها الأمل وعدت مجدّدا لأفحص الطيور لعلي أرى أسرتي من بينهم.
ورغم قلقي أمام هول النار لم أهمل الحشرات وهي تعبر الماء لتتسلق الشجرة، كتمت تغريدي حتى تشعر بالأمان ثم تتمكن من النجاة، كل الكائنات تطلب النجدة في هذا اليوم الملتهب المشؤوم، لا أحد لديه الوقت ليفترس الآخر في غابة أولاد سالم:
- الأرض تتكلم كل اللغات أيتها الفراشة، فالعمالة صارت تَنبُت في جيبونا لأنها مِنّا وفينا.
في حين كانت الفراشة تبحث عن إجابة، أقبل سربٌ من العصافير وملأ أيك الشجرة، راحت عصفورتي تتجاوز صفوف الطيور حتى حطّت بمحاذاتي فأعادت إلي روحي:
- أبشر يا زوجي العزيز فإنني حيّة أرزق وأن الفراخ كلهم بخير، إلّا ذلك الفرخ اللئيم الذي كان يتعبنا مرارا بمغدرته العش وهو لا يزال صغيرا.
هويت بظهري لأمكن الفراشة المعطوبة من الصعود، وطلبت منهم جميعا الاستعداد للمغادرة قبل وصول النار إلينا، فزقزق فراخي بمنقار واحد وطلبوا مني التريث حتى يتأكدوا من نجاة أو هلاك أخيهم الغائب.
الزواحف وهي فارة من النار حفرت في الأرض وصنعت سواقي عدّة، فتدفق الماء وسرى بين الأعشاب ناحية النار فتوارت قليلا، ثم تدخلت خراطيم مياه يحملها إنسان يلبس بدلة زرقاء داكنة، كانت خراطيم الماء قوية، ظلت تضرب على وجه النار حتى مسخته وصيرته رمادا.
شيئا فشيئا انقشع الدخان وصفت السماء، بينما نحن نتنفس هواء نقيا إذ بالفراخ تشير بأجنحتها مبتهجة، نظرنا فرأينا على مد البصر ذلك الفرخ اللئيم قادما من بعيد، يرفرف بجناحيه وكأنه علِم في التو أن الطبيعة على قدر ما هي جميلة ومنعشة فإنها مخيفة أيضا.
في الناحية الأخرى أولاد قدور هبوا مشمّرين على سواعدهم يحملون المعاول معولين على حفر مزيد من العيون، توزعوا عبر أنحاء عديدة والغابة تردد هديرهم وأصوات معاولهم، تفجرت العيون من كل ناحية ففرت النار ومن خوفها سقطت في البحر.
***
عبد الباقي قربوعه / الجزائر 2025