نصوص أدبية
هند حاتم: أيتها العصفورة

خدُّكِ ضوءٌ يتوهَّجُ بالحب،
وجناحاكِ يرتعشانِ من خجلِ السّماء،
كأنَّ المساءَ يعكسُ على ريشِكِ
شفافيَّةَ اللّيلِ الرَّطيب.
في وحدتِكِ، يتدفَّقُ ضوءُكِ كنبعٍ مسحور،
تقتاتُه الحشراتُ الجائعة، تحاولُ كسرَ جدارِكِ الصَّامت،
لكنَّكِ، كريحٍ تائهة، تعودينَ إلى عزلتِكِ، تنحنينَ للوحدةِ
كأنَّها وطنٌ يؤويكِ من ضجيجِ الغياب.
أيتها العصفورة،
كيف تتسعُ لصلابتِكِ هذه الرّوحُ الطريَّة؟
وكيفَ ينحني الضّوءُ في عينيكِ
دونَ أن ينطفئَ في زوايا الذاكرة؟
لماذا تخافينَ اتّساعَ الأفق؟
لماذا تُغمضينَ جناحيكِ كلَّما نادتكِ الرّيحُ
بصوتٍ يشبهُ حنينَ المطر.
أيّتها العصفورة،
ارمِ بقلبِكِ إلى الأعالي،
ودعي السَّماءَ تعيدُ ترتيبَ ضوءِكِ،
فلا أحدَ يفهمُ لغةَ الطّيرانِ
مثلَ من خُلِقَ للحريّة.
أيتها العصفورة،
من ذا الذي سرقَ منكِ صوتَ الفجر؟
من ذا الذي أغلقَ عليكِ الأفقَ
حتى صارتِ السماءُ جدارًا صامتًا
لا يردُّ النداء؟
أيتها العصفورة،
ريشُكِ يختزنُ أحلامَ الطيران،
لكنَّ قدميكِ مغروستانِ في رمادِ المسافات،
وكأنَّ الأرضَ تشدُّكِ إليها
كما يشدُّ الحنينُ قلبًا متعبًا.
أيتها العصفورة،
لماذا تقتاتُ الوحدةَ، وتحملينَ في عينيكِ
حزنَ العابرينَ بلا مأوى؟ أما آنَ لقلبِكِ أن يجرِّبَ الدفءَ
خارجَ حدودِ العزلة!
افتحي جناحيكِ، فالعالمُ ليسَ قفصًا، والريحُ ليست عدوًّا،
هي فقطُ تنتظرُ من يفهمُ لغتَها، من يُلقي بجسدهِ إلى الهواءِ
دونَ أن يخشى السقوط.
أيتها العصفورة،
إذا ما نادتكِ السماءُ
فلا تلتفتي إلى الوراءِ، لا تسألي عن أرضٍ
لم تمنحكِ إلا الخوف، ولا عن غصنٍ كانَ يومًا مأوى
ثم صارَ قيدًا شفافًا لا يُرى.. ولا يُكسر! حلّقي…
فالأجنحةُ لا تصلحُ للانتظار.
***
هند حاتم