نصوص أدبية
محمد سعد: وشمٌ على صفحة الترعة

عن الحب والعار، حين تُصبح الترعة شاهدًا على العاشقين.
لم تكن فاطمة سوى زهرة بريّة نبتت على ضفاف قرية لا تعرف الرحمة، إلا إذا مرّ بها الموت. كانت ابنة الحاجة زينب، صاحبة القهوة القديمة، تحمل قوامًا يسرق الأبصار، ووجهًا كُتب عليه الجمال كما يُكتب الشعر على ورقٍ عطِر.
لكنّ الجمال، في قريتنا، لا يُغفر.
صلاح، شاب بسيط يعمل على المعديّة التي تعبر الترعة، كان يراها كل صباح كأنها حلمٌ يتجدّد. قلبه حفظ ملامحها أكثر مما حفظ شكل السماء في المواسم. لم يتكلم، لم يطلب، كان يحبها بصمت… كما يفعل من لا يملكون شيئًا سوى نبضهم.
وفي ليلة قاسية، سقطت القرية في الظلم.
صابر، ابن العمدة، أرادها لنفسه، لكنها رفضته. فلفّق لها تهمة شرف، وزوّر رسالة، ودفع بمن يشهد زورًا. سقطت فاطمة، ولم يسأل أحد إن كانت بريئة.
في فجر اليوم التالي، وجدها صلاح على ضفاف الترعة، حافية، تهمس للريح.
قال لها:
– "نهرب..؟ نعدّي المعديّة ونسيب كل ده ورا ضهرنا."
أجابت وهي تبكي:
– "العار بيعدّي معانا يا صلاح… الترعة دي ما بتنساش."
رحلت المعديّة بلا رجعة.
لم يُعثر على فاطمة، ولا على صلاح. وُجد فقط إيشاربها الأبيض عالقًا بخشبة، وقميص صلاح مبلول على الحافة.
سكتت القرية. ماتت الحاجة زينب كمداً بعد أيام.
وصابر..؟ صار يهذي كل ليلة باسم فاطمة، ويرى وجهها على صفحة الترعة التي لا تكذب.
لكن الغريب... أن الترعة لم تعد كما كانت.
كل من يمر بالمعديّة بعد منتصف الليل، يسمع ضحكة خافتة، ويرى ظلّين يعبران الماء. البعض أقسم أنه سمع اسم "صلاح" يُهمس مع صوت المجداف.
أما صابر، فاختفى ذات ليلة، ووجدوا معطفه على الحافة ذاتها، وعلى الطين كان مكتوبًا بحروف كأنها محفورة بنار:
"الترعة لا تنسى من ظلمها."
وصارت القرية تروي القصة كما تروى الأساطير.
صارت المعديّة تُعرف باسم "معديّة العاشقين"، وصارت الترعة تحمل وشمًا لا يمحوه الزمن… اسمه فاطمة...!!
***
محمد سعد عبد اللطيف