نصوص أدبية

نضال البدري: حين أصبحت بطلة لروايته

كانت تحمل في عينيها بريق الشغف، وهي تتنقل بين رفوف المكتبة كل يوم وكأنها تبحث عن سر خفي بين الصفحات. أو تهرب من واقع ما، أو من حلم ضاع منها، كانت تجد في الكتب عزاءها، لكنها لم تكن تعلم أن هناك عينين تراقبانها بشغف، تتابعان كل تفاصيلها من خلال ملامحها، حتى الطريقة التي تُبعد بها خصلات شعرها المنسدلة حين تنهمك في القراءة.
كان يرى العالم من خلال كلماته. لم يكن مجرد كاتب، بل كان يحمل جرحا قديما من عِلاقة تركت أثرا كبيرا في نفسه، ويبحث دائمًا عن قصة حقيقية تلامس قلبه ليكتبها. لكنه لم يكن يعلم أن قصته الأجمل هذه المرة مختلفة وستبدأ حين التقى بها.
في أحد الأيام، اقترب منها مترددًا، بعدا ن استجمع شجاعته قائلا:
- "ألاحظ أنكِ تحبين القراءة كثيرًا، ما كتابكِ المفضل؟"
رفعت عينيها، لتجد أمامها شابًا يحمل بين يديه كتابًا، بعينين يشع منهما الفضول والاهتمام. تبسمت وأجابت:
- "كل كتاب يمنحني شعورًا جديدًا يصبح مفضلاً لدي، وأنت؟"
ضحك قائلا:
- "أنا لا أقرأ فقط، بل أكتب أيضًا."
نظرت اليه بنظرة أعجاب وبدت منبهرة بما سمعت!
أنت أذن كاتب أيضا ...
أصبحت ملهمته دون أن تعلم، تحولت همساتها وضحكاتها إلى سطور يخطها في دفتره، حتى أصبحت هي بطلته المفضلة. كل يوم يلتقيان فيه كان يعود إلى منزله ليكتب عنها، عن الطريقة التي تتحدث بها، وعن ملامحها وحركت شفاهها عن شغفها بالحياة، حتى عن لحظات صمتها الذي كانت تحمل ألف معنى.
مرت الأيام، وشعرت باهتمامه بل وأصبحت تدعمه في اكمال روايته، كبر الحب بينهما بصمت، كحروف تنتظر أن تُقال. لكنه كان مترددا على الاعتراف، فظل يكتب ويكتب حتى انتهى من روايته. التي أخذت منه وقتا طويلا حمل بين طياته أحداث وذكريات جميلة، وفي يوم إصدارها، كانت المفاجأة، دعاها لحضور حفل التوقيع.
كانت النسخة الأولى مهداة لها، أصبحت فرحتها لا توصف ، حين أمسكَتْ بالكتاب وبدأت تقرأ أولى الصفحات، شعرت وكأنها تنظر في مرآة تعكس تفاصيلها، كلماتها، حتى لحظاتها الخاصة. نظرت إليه بدهشة مبتسمه اقتربت منه وهمست:
- "هل... هل هذه أنا؟"
أمسك يدها بلطف وقال بصوت خافت:
- "أردتُ أن أخبركِ بشيء، لكنني لم أجد وسيلة أفضل من أن أجعل منكِ بطلة روايتي."
سادت لحظة صمت، لمعت عيناها، ثم أغلقت الكتاب بهدوء، نظرت إليه طويلًا، وكأنها تبحث عن كلمات لم تقلها بعد. ابتسمت أخيرًا وقالت بصوت خافت:
- "لكن كيف تنتهي القصة؟"
نظر إليها، وشبح التردد مازال ماثلا أمامه، ثم إلى الكتاب بين يديها، وابتسم بدوره.
- "هذا شيء لم أكتبه بعد."
تاركا الصفحة الأخيرة مفتوحة...
***

نضال البدري – قاصة عراقية

 

في نصوص اليوم