نصوص أدبية

نضال البدري: مسبحة جدتي

لم أعرف أما لي غيرها حتى أني كنت أناديها أمي، كانت بوجه مستدير يحيط به إيشارب أبيض يغطي رأسها ويجعلها تبدو كملاك، لها ابتسامة تعكس إشراقتها أحد أسنانها المغلفة بالذهب، دفن معها حين رحلت كما يدفن الملوك سابقا بجواهرهم وحليهم الذهبية.

حين كبرت قليلا وعرفت أنها جدتي، سألتها لماذا تركتني أمي التي ولدتني!! الجميع في الصف يسخر مني ويظن أني متبناه، هل ما يقال عني صحيح؟

لم يتركك أحد ولست متبناه، أنت حفيدتي وأنا أمك، الأم الحقيقة ليست من تلد بل هي من ربت وسهرت الليالي ستفهمين ذلك حين تكبرين، لا عليك منهم ولا تشغلي رأسك الصغير بالتفكير لو كنت تحبينني بحق تفوقي في دراستك، وذلك ما يجعلني أفخر بك دوما ويوما ما سأقول تلك ابنتي التي ربيت..

بعدها تنهدت أخذت نفسا عميقا و هي تنظر إلى قائلة: أنا من تعب عليك وسهر الليالي حين كانت تأخذك نوبات الاختناق.

- كيف ذلك حدثتني!

كنت نحيفة جدا وتعانين من التهاب القصبات المزمن (الربو)، انشغلت أمك عنك بعد أن ولدت أختك فقد كانت الطفلة خارقة الجمال بعينين زرقاوين كأنهما من الزمرد، كانت بالنسبة للجميع أشبه بطفرة وراثية، تلا قفتها الأحضان واستولت على اهتمام الجميع وأولهم والديك. ثم انتقلوا بعدها للعيش في سكن آخر بعد أن ضاق بنا المكان، أنت أول أحفادي من ولدي البكر، تصدقين لو قلت لك اني أحبك أكثر من أمك التي ولدتك ! كنت اهز لها برأسي نعم.

في سري كنت أتمنى أن أعيش وأكبر مع أبواي وأختي هذا ما فكر به حين كنت أنام بجانب جدتي وأغفو على صوت شخيرها، كان فراشي أشبه بفراش الملوك ولي وسادة من الستان مطرزة بالزهور، دس داخلها حجاب مثلث الشكل ضم داخلة ورقة كتب بين سطورها حرز يحميني من العين والحسد، مع أني لا أرى في شكلي ما يبعث على الحسد، لم يكن نومي على صوت أنثوي ناعم لأم شابه تقص لطفلتها قصص الأميرة والأقزام السبعة، أو (سنو وايت)، و لم أكن أحلم بالطيور والفراشات، أو يكون لي ثوب زهري طويل كثوب الأميرات، بل كنت أنام على وقع صوت حبات مسبحة جدتي، وهي تنسدل تباعا الواحدة تلو الأخرى مع أذكار المساء وتسبيحها التي كانت ترددها بسرعة كبيرة، بالكاد كنت أفهم ما تقوله وبعد أن تنتهي منها، تحدثني عن الجنة والنار وجحيمها ثم تلقنني قبل أن أنام الشهادتين أشعر وكأنني لن أدرك الصباح بعدها وسأموت ولن أصحو ثانية، لكن ما حدث في أحد الصباحات، وماكنت أخشاه أنا دوما، حدث مع جدتي، أن نامت هي ولن تصحوا ثانية.

***

نضال البدري / العراق

 

في نصوص اليوم