نصوص أدبية

حيدر عبدالرضا: جندي الأنابيب

قصة قصيرة جدا

كنت في آخر مقاعد الصف، ترمقني الوجوه شزرا، تتلاطف معي بعض الفتيات في مثل سني ... وعند إستراحة ما بعد الفصل، تنطلق أقدامنا خارج غفة الفصل الدراسي، ننطلق طوابير نحو ساحة المدرسة. كان الكل ينعتني بطفل الأنابيب رغم أني كنت ﻻ أنقص شيئا عنهم، يداي سليمتان و رجلي نشيطتان، بل أطولهم في القامة ... عندما تنتهي كل الفصول الدراسية كنت أحمل حقيبتي المدرسية عنوة عني، ادفع بقدمي دفعا عابثا، اجرجر حقيبتي خلفي، وعندما تلتقي عيون الاولاد في الشارع بموضع وجودي، يهتف بي احدهم دون شك : - هذا ولد الأنابيب ؟ كانوا يضحكون مني تهكما و سخرية ﻻذعة المذاق و المزاج ... اقترب من البيت، ادفع الباب الخشبي منزعجا و أنا اجرجر حقيبتي المدرسية خلفي إلى حين رميها وسط البيت، تلمحني امي من خلف نافذة المطبخ، حيث تتناهى لي رائحة مرق الباميا اللذيذة،و لكني كنت أشعر برغبة حارقة إلى دفن راسي في الوسادة و النوم طويلا دون استيقاظ، شعرت و أنا مطروح الجسد فوق سريري ثمة يدان تعابث بعض من خصلات شعري :- ها ماما منو زعلك حبيبي اليوم ؟ كنت اتظاهر بعدم الاكتراث للوهلة الاولى تحت مؤثر الخدر اللذيذ الذي احدثته أصابع أمي و هي تمسح على جبهتي، كنت أحب أمي لدرجة الجنون، فهي التي أصبحت لي كل شيء بعد ممات والدي في ذلك الحادث المؤسف ... فتحت عيناي في وجه أمي قائلا :- ماما متى أصبح جندياً كبيراً وأذهب للحرب كي اتخلص من نعوت الأولاد لي بالمدرسة بطفل الأنابيب، السنون تمضي مسرعة و الحرب تتضاعف في عجلتها الطاحنة، لم أشعر إلا و أنا لك الجندي الهزيل وسط مجموعة من الجنود ... تنداح الأمر بالهجوم على مواضع العدو خلال هذا اليوم، السحب سوداء مثقلة بالمطر المغموم، فجأة تداهمنا قذائف العدو من كل جانب بعد ساعة من ظهيرة هذا اليوم، لم أكن اهجس بشيء سوى انقذاف جسدي خلف الكواليس ... الكواليس، حيث كنت نطفة لزجة داخل الدوارق الزجاجية، كنت شبه قطرة مائية تندلق عبر فتحات الأنابيب ... كنت طفلا عندما وضعوا جثتي في التابوت الذي يغطيه العلم من كل جانب ... اختفت صرخات الأولاد في المدرسة، غاب الكل جنودا في الحرب، وحتى أمي لم تستقبل جثماني، لكونها ماتت قبلي بعدة أعوام، لذا بقيت وحدي داخل الأنابيب منذ سنوات والآن أنا وحدي داخل التابوت الذي لم يستقبله أحد، لعلهم كانوا يعلمون بي أني طفل الأنابيب، رغم مت شهيدا في الحرب رجلا كاملا، وها أنا الآن وحدي داخل النعش تجرجر كفني تيارات من رياح متسللة من أحدى ثقوب التابوت؟.

***

حيدر عبد الرضا

 

في نصوص اليوم