نصوص أدبية

نورالدين حنيف: زنبقةٌ سوداء

قَال الشّيخُ الْمُدثَّرُ في بُرْدةٍ سوداءَ، بعدَ أن رمَى في فنْجانِ بُنِّهِ قطعةَ سكّرٍ واحدَة:

كُلُّ الْمَسَاكِينِ فِي هَذا الْبَلَدِ الْمُبَارَكِ يُعَشِّشُ فِي عُيُونِهمْ طَائِرٌ، تَشْتَهِيهِ الْكَمَائِنُ والْمَدَافِنُ، ولَا تَشِتَهِيهِ تَقَاسِيمُ الْحَلْوَى الشَّقْرَاء .

قَال أيضاً بعْدَ أنِ ارْتشَفَ مرارَةَ الوصْفِ الأوّل:

فِي عَيْنِ بَدَوِيّةِ الْجَبَلِ يَسْكُنُ طِفْلانِ، وَاحِدٌ تَعْجِنُهُ تُراباً ، يَثْقُبُ الْأَرْضَ الْبِدَائِيّةَ فِي عُنْفُوَانِ الشَّبَق. وثَانٍ تَبْرِيهِ قَلَماً يَحْفَظُ فِي صَدْرِهِ الْعَارِي مَا نَسِيَهُ التُّرَاب. وفِي الْمَسَاءِ، يُنْجِبُ الْاِبْنُ أَبَاهُ فِي فَرْحَةِ كَاْسِ شَايٍ وكِسْرَةِ خُبْزٍ دَهَنَتْهَا الْبَدَوِيّةُ بِسَمْنِ كَفَّيْنِ قُدَّتا مِنْ جَلَدٍ وحَنِين .

قالَ ثمّ سكَت:

الْعَرَقُ فِي الْأَيَادِي الْمَشْقُوقَةِ أَشْجَارٌ يَابِسَةٌ، كَانَتْ تُغَنِّي فِي أَرْدِيّةِ اللَّيْلِ ثِمَارَهَا الْمَسْرُوقَة، وفِي النَّهَارِ صَلَبُوا قَامَاتِهَا الْفَارِهَةِ عَلى مَقَاصِلِ الْوَجَع الصَّامِت فِي طَلَاءِ الْجِدَارَاتِ الْمَنْسِيّة... الْأَسْمَاءُ عَلى الْمَحَجَّاتِ والزُّقَاقَاتِ عَلَامَاتُ ذَاكِرَةٍ اقْتَلَعُوهَا مِنْ مُتُونِ الْعَرَقِ .

سادَ الْمكانَ صمْتٌ مَهِيبٌ ألْجَم المُتحلّقِين حولَ مِقصلةِ الحسْوِ الأسود المعترفِ بعضُه بثقافة السكَّر والرافضِ بعضُه لها . خرجَ عنْ سُكوتِهِ ليسْتدرِك:

آهْ... كدْتُ أنْسى: عَينُ الْفَلّاحِ شُعاعٌ ومَطَر، قَامَتُهُ قَوْسٌ مَشْدُودٌ إِلَى حَجَر. اِمْرَأَتُهُ أنهارٌ مُفْعَمةٌ بِالنَّشِيد. نَسْلُهُ  مَنَاقِيرُ، مَنَعُوهَا أَنْ تَبْلُغَ سِنَّ الْقَضِمِ، أَفْتَوا فِي رَوْعِهَا أنْ حَرَامٌ هِيَ فَرْحَةُ الْعِيد ...

قالَ مُحدّثُهُ وهو في الآنِ ذاتِهِ مُرِيدُه، متكوِّماً في بذلةِ عصرِيةٍ زرقاءَ أفصَحتْ شديداً عن كتلتهِ اللحمِية الموغِلَة في السّمنة، بعدَ أنْ طوَى جرِيدة اليومِ الثّامِنِ بيْن يديْه:

كم يكفِينِي من الوقْتِ لأصعدَ قمّة الكلامِ فيكم؟ وأنا أرغَبُ في القولِ فتحاصِرُني حِكْمَةُ المساكِين. أَراضِينَا لَا تُنْجِبُ سِوى نَبْتاتِ الْمَوت، وسوى صَهِيلٍ، لا يَنْمُو فِيهِ إِلَّا جُمُوحُ الْحُفَر. كذا صاغَتْ حِكْمَةُ السّنابِل رأيَها في المشْكِلَة وهِيَ تُعَرِّجُ فِي أَشْواقِ جَلالِ الْغَيْمِ ... كُلّما دَاخَتْ عَنِ التُّرْبِ شَقائِقُ النُّعْمانِ، وأوْراقُ النّعْناع، كُلَّما رَكَضَتِ الْمَنازِلُ ضِدّ رَغْبَةِ الرّيح فِي حَصائِدِ الْأشْلاء ... وَحْدَهُ  وَشْمُ الْماءِ يُدْرِكُ مَوْتَها بِغَيْرِ بَراهِين، وبِغَيْرِ فَضِيحَةٍ  لِأَناشِيدِ الرَّحِمِ الْمَوْجُوعِ فِي مَديحِ السَّراب.

قالَ عاشِقٌ يلمّهُ الجمعُ معهُما وعيْنُهُ على اليومِ الثّامِن، تسكُنُه رغْبَةٌ قدِيمةٌ في مداعَبَةِ جناحِ الكلماتِ المُتقاطِعة:

هَذِهِ الرِّيحُ الْغَرِيبَةُ، تَنْجُرُ رِيشَ الْحَمامَة، كَيْ لَا تُحَلِّقَ فِي انْتِشَاءِ الْغَيْمِ،  يَراعاً يَلْبَسُ الضَّوْءَ، ويَمْشِي عَلى صَفِيحِ النَّهْر... وَلَمّا خَطَفَتِ الْحَمامَةُ رَبِيعَها السّادِسَ بَعْدَ الْعَقْدِ الْعَاشِرِ مِنْ أَزْمِنَةِ الْخَوْفِ، دَثَّرُوها بِوَرَقٍ ذَابِلٍ ثُمَّ فَتَحُوا أَمامَها بابَ التَّكاثُر.  

أمّا أنا، ولمْ أكنْ بعيداً عن أصداءِ الحلقَة، فقد صدّعَني هؤلاء المُنْتشُونَ في أرائِكِ الوصفِ، يشخّصُونَ ويصِفون. ويكادُ الْكلامُ منهمُ أنْ يسخطَ على الْكلام. كانتْ عقِيراتُهم مُرْتفِعة، وكأنّني بهم يَرومُونَ تسْمِيع الحُضورِ شجْبَهمُ الحرِيريّ... أصخْتُ السّمع تأهّباً لمغادَرةِ الْمقْهى إذا ما شطّ هؤلاءِ في مسلْسَل رسْم لوحاتِ الكآبَة بمجازاتٍ باذِخَةٍ في التّجرِيد.

سمع الشيخُ عبارَتِي الأخيرَة، مع العلْمِ أنني همستُ بها لنفْسِي، ولولا أنّني على يقينٍ شديد بأنني الوحيد الذي سمع مقالتي لقلتُ إن في الأمرِ سِرّاً . وقد قلتُ إنّ في الأمر سرّا... فها شكّي يتبخّرُ عندما ابتسم لي هذا الشيخ في مكرٍ مُعلِّم. وأدركتُ بعد حين قصيرة أنّهُ  لم يسْتسِغْ رفْضِي الواصِف لحضُورِهم. باغَتَنِي وأنا اللّامُنتمي لجلْستِهِم بدعوتِهِ الهادِئة كيْ ألْتحقَ بمائِدتهِم الدّسِمة بالمعْرِفَة والكلام.

استَجبْتُ خشيَةَ أن يشْمَلَنِي الشّيخُ بلمزِه وغمْزه. وأصبحتُ في لمحِ البصرِ رابعَهُم. وقد رحّبُوا بي بابتِساماتٍ اختَزَنتْ أكثرَ من مَكْر.

كانَ المكانُ عبارَة عنْ فضاءٍ واسِعٍ في حيٍّ شعبِيّ، يتّسعُ لكلّ الراغِبينَ في الفتْكِ بجسَدِ الْوقتِ حينَ الوقْتُ يُصبحُ أرْخص مادّة وأوفَرَها وأوجَدها في سوقِ المُمتلَكات. وقد وسمَ صاحِبُ الْمقْهى مقْهاهُ باسمٍ عجَمِيّ لا يتناغَمُ والمحِيطَ الاجتماعيّ الذي يحيطُ بها la tulipe noire. ولعلّ صاحِبَها عاشَ مُغْترِباً بعضَ أزْمِنَتِه بالْبِلاد المنْخفِضة، أو لعلّه حظيَ ببعضِ النّصيبِ من ثقافةِ الرّوايةِ الغربية، أو لعلّ الأمر لا يعْدو أن يكونَ محضَ صُدفَة. فما أكثرَ الصّدف الّتي تحوّل المجْرى عن طريقِه الطّبيعي، إلى مجارٍ أخرى، وما أكثَرَها وهيَ تصنعُ تمثّلاتِنا المغْلوطة خارجَ نيّاتِ الماء في قراره الأول بالانسياب...

قالَ الشّيخُ مُرطِّباً أجواءَ المجلِس بعدما اكتشفَ توتّرِي الزائِد عن المظنون: مرحباً بكَ في هذيانِنا الّذي نرجوه يكتملُ بحضورِك المُضِيف والمُثْرِي.

ركّز الحاضرون نظراتِهم على شخصِي المُقحَم في تناغُمهم. وكأنّني بابٌ يُخلِّصُهُم من التّشابُهِ والشّبَه الّذي طال محاوراتهم. قالوا جميعاً وبصوتٍ واحدٍ وبنبرَة هيَ أقْربُ إلى العتابِ منها إلى السّؤال والمساءلة: لقدْ سمعْنا وصفكَ إيّانا بالتّجِرِيد، فهل توضّحُ لنا أينَ ومتى  وكيف جرّدْنا ولمْ نُشَيّئْ؟ وكيفَ شطَحْنا في سماء الْخيال ولم نُنِخْ أرضاً وأديما؟

هنا وبالذّاتِ سُقِط في يدي، وارتفَع منسوبُ عجبِي واستغْرابِي من حالِهم. فكيف أستسيغُ سماعَهم مقالتِي وأنا الّذي حدّتْثُني سرّاً دون أن أحرك شفتيّ. كيفَ أفهمُ توغّلهم في خاصّتِي؟ كيف أستوعِبُ علمَهُم بنِيّتي؟ لم أشأ أن يُدْرِكوا حيرتِي، فقلتُ مرْتبِكاً أشدّ الارتباك:

الأمر في حقيقَتِهِ... قاطَعَني الشّيخُ ذكاءً منهُ وتقديراً لحال التوتّر الذي أنا فيه... قال: أطلُبْ مشروبكَ أولاً من النّادل قبل الحديث والمحاورة. قلتُ: قدْ استهْلكتُ قهوَتي توّاً وأشكركم. قال: قهوةٌ عنْ قهوةٍ تختلِف، والمرءُ لا يعومُ في البنّ مرّتين. لاحظتُ إصرارَ نظرتِه الحادّة، فطلبتُ أخرى، ثمّ كانتْ بين يديّ... قال ثالثُهمْ: هاتِ ما عِندك. وقد كانتْ هذه الـ(هات) أشدّ مضاءً من خنجر، إذ تستبطِنُ تحدّياً ملحوظاً لِذي لمحٍ ورؤيا. استجمعتُ قوايَ الوجدانية وقلتُ:

وصفتُم العالمَ القرويّ، سواءٌ ما تعلّق بنسائه أو رجالهِ أو أبنائهِ أو بناتهِ في تلويحاتٍ مأساويةٍ موغِلة في الوصفِ المُنزاحِ والتشخيصِ البلاغِي والشّاعِرِية البعيدة والدلالة الغامِضة... ونحنُ لسنا في حاجةٍ لهذا التحْلِيقِ النّاعِمِ والْحرِيريّ بالقضايا الشائكة والّتي تمسّ المجتمع في صميمِ وجوده ومستقْبَلِه، بقدرِ ما نحنُ في حاجةٍ إلى البدائل الْمُمكِنة والْقرِيبة من تخومِ الأجرأة والتّفعيل. همُّنا تجاوزَ البكاءَ إلى التّغيير، وقد حانَ وقتُ استبدالِ لغةَ الهروبِ والنكوصية بِلغةِ الانخِراط والمواجَهَة...

سادَ صمتٌ غريبٌ خيّمَ على (الزنبقة السوداءla tulipe noire) فيما تحَوّلت كل الوجوهِ إلى مجلِسِنا ترشُقُه بوابِلٍ من النظرِ والانتظار، وتترقّبُ ردّاتِ فعل الشيخِ ومُرِيديهِ، وتنتظِرُ بشغفٍ عارِمٍ تفضَحُهُ نظراتُهُم العاشقة لمعرِفةِ النّهاية، وكأنّهمُ أعضاءُ فرِيقٍ لِكرة القدمِ يستعْجلونَ ضرْبَةَ جزاءٍ حاسمَة تفصل فريقَهم عن الفوزِ بالكأس أو إهدارِهِ قابَ قوسيْنِ أو أدنى... وحتّى النادل تجمّدَ في موْقِفِه حبّاً في اجتِناءِ عسلِ هذه اللحظة. ثمّ تحوّل الفضاءُ في سمتْهِ وصمتِه وخشوعِهِ إلى أجواءِ مناظرةٍ يقْتلِعُها الوصفُ من أزْمِنَةٍ غابِرةٍ في تراثٍ عريق.

لم يحتكرِ الشيخُ شرفَ الردّ بقدر ما تركَ الحبْلَ على غاربِ مريديه، فانبرى العاشق لهما إلى القول: هذا حديثُ السيّاسيّ الحالِم. وقال المريدُ السّمين: هذا حديث الثورِي المكتئِب في لبوسِ الحركيّ. قال الشيخُ: هذا حديثُ من لا حَديثَ له...

أدركتُ حجمَ الورْطةِ الّتي وضعتُ ذاتِي في شباكِها، خاصّةً وأنّ الحاضرين ارْتطَم توقّعُهم بجدارٍ أصمّ وقد كانوا ينتظرونَ منّي الغلبَةَ بحكمِ تجانسِ طرْحِي مع انتِظاراتهم، وبحكمِ بساطَةِ عرْضِي الذي لم يشطّ في التحليق والتجْنيح البلاغييْن. كنتُ قرِيباً من وجدانِهم وربّما كنتُ الشّارحَ الأفضلَ لانتظاراتهم. فيما الشيخُ ومرِيدوه سكنوا في قلعةٍ عاجيةٍ بعيدة... قرّرتُ بعد ذلك مضاعفَة الهجوم، فليس لديّ ما أخسره مقارَنةً بهيبةِ الشيخِ الّذي ورّط ذاتَه في جدل المقارنَة والمُفاضلَة مع كائنٍ مغمورٍ وعابرٍ ونكرة مثلِي أنا. قلتُ في يقينِ المحاورِ المالِكِ لشرْطِ اليقِين:

لستُ سياسياً كما وصفتم، ولستُ ثورياً كما شخّصتم، ولست سديماً أحفرُ في ضبابِ الكلامِ. أنا مجرّدُ مُكْتوٍ بشررِ التهميشِ الذي يطالُ الباديةَ والْحاضِرةَ معاً. واكْتِوائِي لم يُلْقِ بي في أتونِ المسافة العاجية، ولم يحوّلْنِي إلى يائسٍ يطرقُ أبوابَ الأحلام في سذاجةِ الراغِبِ في التغيير وهو مستلْقٍ على أريكةٍ مخملية. أنا وبكلّ بساطةٍ مواطِنٌ لا أعيشُ خارِج المشهد.

أحسستُ أن فضاءَ المقهى صفّقَ كاملاً بأكفّ صامتة لعرضِي الثّاقِب وهشّ لهجومي الموزون والعابِرِ لوجدانِ الحضور بلا استثْناء. فيما النّادلُ يبينُ عنْ فمٍ افترّ مسروراً حتّى بدتْ نواجده... استوى الشيخُ في جلستِه وكأنّه يُزيحُ عن جسدِهِ ثقْلاً زائداً لا مسوِّغَ لترْكِهِ يقضّ راحته. قال في حكمةٍ وسمتٍ مشهُوديْنِ لمثلِه في مقامٍ عالٍ ووقور: أنت يا ولدي تذكّرُني بشَبابِي حيثُ كان شِبابِي أشدّ اشْتِعالاً وأُوارا. ولستُ ألومُك على هذا أو أعاتِب، بقدرِ ما أريدُ أن أوجّهكَ إلى بابٍ لا تلتفِتونَ إليه أنتم معشرَ المثقّفين، ألا وهو بابُ الرّضا بالقدر. فدعِ المقادير تجرِي بما شاءَتْ ونمْ على جنبِ الرّاحةِ.  فالّذي خلق القريةَ لا ينسَى القرية وأهلَها. رُفِعتِ الجلسَةُ يا ولدي بعدما طوِيتِ الصّحفُ وجفّتِ الْأقْلام.

كانَ الشيخُ يتكلّمُ من زاويةِ اليقينِ. فيما مريدوه فضّلوا الصمتَ الملغومَ بألف رغبةٍ في الهجوم. وربّما كانتِ الإشارةُ من شيخهِم أن ينْهُوا المحفلَ قبلَ أن يستفْحِل. وقد كانَ هذا السياقُ السّانِحُ فرصةً لي كيْ أكمِلَ أطروحَتي وأنا أعلمُ أن أحدهم لن يجرؤَ على مقاطعَتي حفاظاً على سمتِهم ووقارِهم. قلت في تعقّل واضح: سيدي وأسيادي، وأنتم العارِفون والعارف لا يُعرّف... إن المسألة لا تعدو أن تكون تارِيخاً يتكرّر، سواءٌ في مسارِ حضارتنا العربية والإسلامية، أو في مسارِ حضارة الآخر. الأمر موكولٌ لفكرةِ التّدافُعِ لا لفكرةِ التسْلِيم. والتّدافعُ هنا فرضُ عين لا فرض كفاية. والكلّ، وأقصدُ أطياف المجتمع الفاعلة وغير الفاعلة مطالَبَةٌ بالفعل والانخراط والتأثير. وأداء الواجب هنا واجبٌ، سواءٌ تعلّق الأمر بالفرد أم بالجماعة، وسواءٌ ارتبط البديل بالأحزاب أم بالجمعيات والهيئات المدنية أم بالمؤسسات المالكة للقدرة على صناعة القرار...

قامَ الشيخُ في هدوءِ الريحِ الهادئة والحاملة لمشروع العصف الشّديد، ثم قام معه مرِيدوهُ في انسجام كاملٍ يشي بالسّمتِ المضغوطِ عليه. استأذنوا ثمّ غادروا المقهى  تتقدّمهم بردةٌ سوداءُ سقطتْ منْها قبل الدلَفِ إلى الخارِج زنبَقَةٌ أشدّ سوادا. سارعتُ إلى التِقاطها، ثمّ دسستُها في ذاكرتي.

التَفتُّ إلى الحاضِرِين فإذا أعينُهم التي كانت تخترِقُني لم تعد تفعل. كل ما أذكرهُ من هذا الحادِث أن كلّ مجلسٍ في فضاء المقهى عاد إلى شأنِهِ الخاص وبدا كأن شيئاً لم يحدث. وعوضَ البخورِ المعبوقِ الّذي كان يخيّمُ على المكانِ، خيّمَ دخانٌ آخرُ تنفثه سجائرُ المدخّنين في خليطٍ غريبٍ من أنفاسٍ غريبة.

***

قصّة قصيرة

نورالدين حنيف أبوشامة - المغرب

 

في نصوص اليوم