شهادات ومذكرات

عبد الأمير كاظم زاهد: الشيخ محمد كاظم الخراساني (الاخوند)

قراءة في عقل مفكر التحرر من الاستبداد

انجب الوسط الديني والمعرفي الشيعي شخصيات مهمة وفاعلة وصانعة للتاريخ، وقد حفل كل عصر بنموذج خاص له إنجازه التاريخي ومن ذلك – للمثال فقط – العلامة ابن المطهر الحلي(726هج) والشيخ محمد اكمل البهبهاني (1206)الذي اسقط الخيار الاخباري والاتجاه السلفي الشيعي فقد خلص الفكر الشيعي من أي نزعة سلفية واذا حصلت فهي لاتحمل في ثنياها عنفا تكفيريا

والخراساني من هؤلاء الافذاذ الذين افرزتهم التجربة الشيعية وهو من اصل أفغاني من هرات ولد عام 1839 م في مدينة مشهد الإيرانية وفيها درس المقدمات الأولى للعلوم الشرعية وبعد اتمامها توجه الى النجف الاشرف حاضرة التشيع التاريخية الكبرى عام 1861 م وانخرط في حلقات درسها ثم انتقل الى سامراء وبقي فيها وتتلمذ على افذاذ كثيرون مثل العالم المميز هادي السبزواري ومحمد حسن الشيرازي ومرتضى الانصاري وغيرهم من العلماء المجددين

وبعد وفاة استاذه الشيرازي – صاحب فتوى التنباك – تسلم كرسي التدريس وتفوق في حقل دراسات المنهج – أصول الفقه – وقد قام بالتدريس أربعين عاما وتخرج من تحت يده عشرات الفقهاء والمجتهدين ومن أبرزهم: المنظر الكبير محمد حسين النائيني، وأبو الحسن الأصفهاني، وضياء الدين العراقي، وعبد الكريم الحائري اليزدي، وحسين الطباطبائي البروجردي، ومحمد حسين كاشف الغطاء. ومحسن الحكيم ومحمد جواد البلاغي ومحمد حسين الاصفهاني ومحسن الأمين العاملي واخرون كلهم ذو شان وقد كتب متنا درسيا اسماه كفاية الأصول – وصار متنا للتدريس في حلقات االاجتهاد وتمتعت الكفاية بعدة شروح وعلق عليها عدد اكبر من الشراح ولايزال كتاب الكفاية متنا درسيا ومقررا علميا لا ينافسه كتاب وكانت الكفاية الى جانب كتب أخرى كلها مهمة منها

 حواشي على "الرسائل" و"المكاسب" للشيخ الأنصاري، وعلى "الأسفار" و"المنظومة" للعلامة الشيرازي والسبزواري على التوالي. ومن مؤلفاته "تكملة التبصرة" و"رسالة في الطلاق" و"رسالة في العدالة" و"رسالة في الوقف" و"رسالة في الرضاع" و"روح المعاني في تلخيص نجاة العباد" و"روح الحياة في تلخيص نجاة العباد" و"اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة" و"الفوائد الأصولية والفقهية". وقد تقلد مهام المرجعية الشيعية كان الآخوند حامياً البلاد الاسلامية من الغزو الاجبني الاستعماري، ففي عام 1911م أصدر فتوى بالجهاد ضد الجيوش الايطالية الزاحفة على طرابلس الغرب وحينما اقتحمت القوات الروسية ولاية خراسان (مشهد) إنتفض الخراساني في وجه الغزاة فأبرق قائلاً: " لئن لم تنسحب جيوشكم من خراسان لأصرخن في العالم الإسلامي صرخة" .وما أن وصلت هذه البرقية إلى الغزاة حتى سحب الروس جيوشهم من خراسان.

  ويعد الشيخ الخراساني اصلب من دافع عن إقامة الدولة الدستورية البرلمانية (المشروطة) ولا يعاب على من يقول بانه المفكر المؤسس للمدرسة الفقهية المميزة في مجال الفقه السياسي الذي كان مغيبا لقرون ومؤسس مدرسة أصولية لها منهجها وتلاميذها الذي صاروا فيما بعد مراجع تقليد ومجتهدون بارزون لكن المؤسف انه وتلاميذه لم ينظموا اراءه على وفق سياق فكري ممنهج وربما ساعد على ضياع بعض جهده موقف المحافظين من الحركة الدستورية وتمكن الاستبداد وذلك فاني اعتقد بانه لا يمكن ان نفهم الثورة الدستورية في الفقه الشيعي والاحاطة بها من دون التعرف على مدرسة الخراساني الأصولية والفكرية

بعض اراء الخراساني

1-  يرى الخراساني ان الولاية العامة المطلقة لله فقط اما ولاية النبي والائمة فهي مقيدة بالكليات، وسيرتهم تنبيء انهم جميعا كانوا يراعون دوما الحدود الشرعية ومن ذلك شانهم الشخصي وهذا يعني ان الحاكمية للتصور الإسلامي للسلطة وضرورة الالتزام بالقواعد القرانية الدستورية (1) بخلاف الانصاري الذي يقر بالولاية المطلقة للنبي والائمة ولا يرى استقلال غيرهم بها الا باذنهم ولكن الاذن يجب ان يكون بدليل قطعي وقد تابعه النائيني مخافا استاذه الخراساني

2-  وعليه فان أي حكومة بعد حكومة النبي والامام علي لم تكن حكومة شرعية بحكومة بعد الائمة فان شرط الشرعية العدالة وعنده ان العدالة تتحقق بالعقل الجمعي والرقابة وفصل السلطات

3-  لا يرى الخراساني اية مشروعية اصلية او تنزلية للمتغلب ذي الشوكة ولو اذن له الفقيه وهنا يخالفه تلميذه النائيني

4-  لا يرى ترتب اثر على الخبر الواحد ليس فقط في القضايا الشرعية الكلية انما حتى في القضايا التاريخية

5- اعطى تنظيرا في جواز الجمع بين القيادة المجتمعية والامامه الفقهية

6-  حصر التقليد بالمرجع الحي

7-  أجاز منهجية الجمع بين العقل والعرفان وطالب ان يدرس الفقه من خلال الفلسفة وعرفانيات الايمان

8-  شجع الاهتمام بالمسائل الاجتماعية واهم شرط للمقلد ان يفهم في القضايا المعاصرة ولديه القدرة للإفادة من عموم المعرفة

9-  المجتهد اذا بذل جهده ولم يصل الى نتيجة فعليه التوقف

10- ان الشهرة الفتوائية ليست حجة مستقلة بل هي قرينة على دليل معتبر

11- اختار في مجال التعارض التخيير فيما لم يقم دليل على الراجح

12- الاجماع المنقول ليس حجة مستقلة بل هو أيضا قرينة معززة

***

ا. د. عبد الأمير كاظم زاهد

 

في المثقف اليوم