شهادات ومذكرات
صباح شاكر العكام: العلويون (النصيريون)

هم طائفة باطنية من الشيعة سمو بالنصيرية نسبة الى محمد بن نصير النميري، وعرفوا أيضا بالخصيبية نسبة إلى الحسين بن حمدان الخصيبي، لكن تسمية “علويون” أطلقها عليهم الفرنسيون أيام احتلالهم لسوريا بعد الحرب العالمية الأولى. والعلويون في سوريا يتواجدون في الجبال الساحلية السورية، وهناك علويون في لبنان والأردن وتركيا.
بعد رحيل “النصيري”، تولي محمد بن جندب رئاسة الطائفة العلوية، والذي لم يعرف عنه الشيء الكثير، ثم أبو محمد عبد الله بن محمد الحنان الجنبلاني، ثم الحسين بن حمدان الخصيبي، وقد انتقل من حلب إلى اللاذقية، فكان للعلويين مركزين، أحدهما في بغداد والآخر في اللاذقية، أما مركز بغداد فقد انتهى مع دخول المغول إلى بغداد، واستمر مركز اللاذقية.
وفي عام 1097 إبان الحملة الصليبية، قاتل الصليبيون العلويين في بادئ الأمر، ثم هادنوهم وتحالفوا مع بعض شيوخهم، وفي عام 1120، هزم الإسماعيليون والأكراد العلويين، وبمرور ثلاث سنوات على الهزيمة، تمكنوا من هزيمة الأكراد. وفي عام 1297 حاول الإسماعيليون والعلويون الاندماج، إلا أن الاختلافات المذهبية حالت دون هذا الاندماج، ثم خضعوا لسلطة الدولة العثمانية على بلاد الشام منذ عام 1516، لكن ثارت بعض عشائرهم عليها، فأرسلت الدولة العثمانية إليهم حملات تأديبية.
بين عام 1920م وعام 1936م قام الفرنسيون بتأسيس دولة العلويين في الشمال الغربي من سوريا، واختيرت عاصمة لها مدينة اللاذقية. وفي يوم 5 كانون الأول عام 1936 تم ضمها نهائيا إلى سوريا، بعد اتفاق وُقّع في باريس، رغم اعتراضات بعض كبار وجهاء العلويين، أجابت عليهم فرنسا بأن العلويين ليسوا ناضجين كفاية لتأسيس دولتهم حينها.
عقائد العلويين:
تتفق الطائفة العلوية مع أغلب الطوائف والفرق الشيعية الاخرى، بأن الإمامة هي أصل من أصول الدين التي لا تحتمل التأويل، وبالتالي لا تخضع للاجتهاد، والقول بالنص والتعيين، أي أن اختيار الإمام يتم بالتعيين الإلهي، ومن خلال تحديد النص (القرآن والسنة) للإمام، والقول بعصمة الأئمة من الخطأ، باعتبار أن اختيارهم إلهيٌ، وإن الإمامة فرع من فروع الدين التي تحتمل التأويل فهي خاضعة للاجتهاد، وأن اختيار الإمام يجب أن يتم بانتخاب الجماعة له بالبيعة، وقصر العصمة على النبي.
ويرى العلويون أن الخلافة بعد الرسول يجب أن تكون للإمام علي بن أبي طالب (ع)، وذلك وفق القرآن كما يعتقدون، ووفق الأحاديث النبوية التي يعتقدون بها ويجدون لها مخرجًا من صحاح السنة والشيعة على حد سواء.
الظاهر والباطن عند العلويين:
يعتقد العلويون أن للدين ظاهرًا وباطنًا، وأن روح العبادات مختلفة عن كونها حركات جسمانية ينفذها الإنسان بعناية وتكرار، ويعتقدون أن بواطن الأمور تورث من الأئمة المعصومين، ويردها الله لمن يشاء من عباده المصطفين بالبصيرة والعقل.
باطنية العلويين:
يتصف المذهب العلوي عمومًا بالغموض والسرية، فعلى عكس مذاهب أخرى تسعى لجذب الأفراد وحثهم على التحول إليها، نجد المذهب العلوي يرتبط بمنطقة جبال العلويين بمنطقة محددة على الساحل السوري، ولا توجد مؤسسة رسمية تعمل على نشر المذهب والتبشير به، ويقوم مجموعة من الرجال على حفظ الأدبيات العلوية ومنعها من التداول بين غير العلويين، وعندما يبلغ الصبيان الخامسة عشرة، أو السادسة عشرة، يخصصون سويعات من اليوم لتعليمهم العقيدة العلوية، ويترك الاختيار للصبيان، إن أرادوا الاستمرار في التعمق بالأمور الدينية والارتباط مع أحد المشايخ للتوغل في أمور الدين.
ومن أهم البُنى التركيبية للمجتمع العلوي، هو أن العلويّين لا يقبلون المتحوّلين إليهم من الأديان الأخرى، ولا يسمحون بنشر كتبهم المقدّسة، فيما عدا فئة محدودة تتمتع بالثقة، فإنّ معظم أبناء الطائفة لا يعرفون الكثير عن مضامين تلك الكتابات أو عن العقيدة العلويّة.
العلويون والدولة الحمدانية:
في عهد الدولة الحمدانية عاشت الطائفة العلوية بسلام كامل، وأمِنَ الساحل السوري من الحملات الصليبية، ففي عهد سيف الدولة الحمداني، يتمتع العلويون بكل حرية في ممارسة طقوس مذهبهم، وما يُميّز دولة آل حمدان أنهم كانوا ضالعين في علوم الدين، درسوا وتخرجوا على يد كبار علماء الدين المسلمين. وعندما زالت الدولة الحمدانية، واستولى المرداسيون على مدينة حلب يتزعمهم صالح بن مرداس وبنوا دولتهم، ضَعُفَ شأنُ العلويين وغاب ذكرهم وسَلبتهم تلك الدولة سُلطانهم الشامخ ومَجدهم الباذخ.
العلويون والحُكم الأيوبي:
وعقب سقوط الدولة الفاطمية، أسس صلاح الدين الأيوبي، الدولة الأيوبية سنة 567هـ عقب انتزاع السلطة من يد العاضد لدين الله آخر خلفاء الفاطميين، عاش العلويون في بلاد الشام عصرًا من التضييق عليهم في ممارسة عملهم، فقد أمر صلاح الدين الأيوبي ان لا تُقبل شهادة أحد ولا يقدّم للخطابة ولا للتدريس إلا إذا كان مقلداً لأحد المذاهب السنية الأربعة، وقد عزل أيضاً قضاة الشيعة واستناب عنهم قضاة شافعية في أرجاء دولته بمصر وسوريا.
وقام صلاح الدين الأيوبي بحَبَس بقايا العلويين في مصر، وفرّق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا، وقد أبادَ المكتبات العلمية وأتى على محتوياتها وقد ضمّ الشام إلى ملكه سنة 569 هـ، فساءت في عصره حالة العلويين، وذلك لحرمانهم إعلان حرية اعتقادهم فخلدوا حينها إلى السكينة والهدوء حفاظًا على أنفسهم من الإبادة والتنكيل.
العلويون وحكم المماليك:
عند قيام عند قيام دولة المماليك سنة 657هـ، تنفّس العلويون الصعداء لإعلانها قبول مذهب التشيّع لكنّهم بقوا بمعزَلٍ عن الحُكم باستثناء تَسَلُّم بعض الإمارات في لبنان من قِبَل أحفاد التنوخيين الذين هاجروا إليها وقد دافعوا عنها ضد غارات الإفرنج. وفي سنة 705هـ، سارت حملة عسكرية إلى كسروان في لبنان، بأمرٍ من السلطان محمد بن قلاوون سلطان مصر لإبادة العلويين لاعتبارهم كفرة ووجوب قتلهم، فأبادوا كثيراً منهم، ولجأ من نجا منهم الى اللاذقية وأنطاكية واعتصموا في جبالها وبقيَ القليل منهم في لبنان.
العلويون والحُكم العثماني:
عند سيطرة الدولة العثمانية على بلاد الشام والعراق ومصر والحجاز، بدأ فصل جديد من معاناة العلويين، فقد عانوا الويلات إبّان الحكم العثماني الذي امتد لأربعة قرون، وقام السلطان سليم الأول العثماني بشن حملات ضد العلويين في محاولة لاستئصالهم من جذورهم وقطع دابرهم، وذلك بمُبَرّرات بعض الفتاوى الجائرة البعيدة عن الدين والاخلاق، ما أدى إلى مذابح كثيرة في حق العلويين.
العلويون والاحتلال الفرنسي:
بعد انهيار الدولة العثمانية واحتلال الجيش الفرنسي لشواطئ سوريا سنة 1918، عانى العلويون ما عانوه من الاحتلال، فكانت أوّل معركة خاضها الشيخ صالح العلي قائد الثورة العلوية ضد الاحتلال الفرنسي في منطقة “وطى النيحة”، الواقعة غربي وادي العيون، وأسفرت عن استشهاد الكثير من الثوّار العلويين ومقتل وجرح عدد من الجنود الفرنسيين، والحصول على الكثير من الغنائم الحربية. ثم توغل الجيش الفرنسي الى داخل سوريا، وبدعم من الملك فيصل بن الحسين الذي أمدهم بالمال والعتاد، وبعد معركة "وادي ورور" كثرت جموعه فاحتل "القدموس". ثم أغار الفرنسيون سنة 1920م على دمشق وأخرجوا فيصل بن الحسين منها، فقلت ذخيرة الثوار فاستولى الفرنسيون على أكثر معاقلهم واستسلم الكثير منهم.
العلويون السوريون:
يشكّل العلويّون نحو 12% من مجموع سكّان سوريا، أي أكثر من مليون ونصف المليون شخص، يتجمّع معظمهم أكثر من 70% في جبال العلويّين، وهي سلسلة جبال تقابل الساحل السوري ومعروفة أيضًا باسم جبال النصيريّة، وهناك تجمّعات علويّة أخرى تقطن مناطق وقرى حول المدن حماة وحمص، ويعيش نحو ربع مليون علويّ، وربّما أكثر، في دمشق وفي حلب.
يوجد بين العلويين مثقفون وفنانون وكتاب وأكاديميون يعيشون ضمن النسيج السوري العام، ولا يعتدّ معظم العلويين بمرجعيات دينية معينة، بل إن نظام حافظ الأسد، قام بتفتيت أي مرجعيات قائمة أو ممكنة للعلويين، وتحويل رجال الدين إلى رجال زكاة وحسبة، من المتقاعدين من الخدمة العسكرية، بدلًا من العلماء الذين كانوا ينتشرون في جبال الساحل السوري، كالشيخ أحمد سليمان الأحمد وابنه فيما بعد بدوي الجيل، والشيخ أحمد حيدر المؤلف الكبير، وكذلك الشيخ محمد علي إسبر.
من أشهر العلويين في سوريا قائد ثورة جبال الساحل السوري ضد الفرنسيين الشيخ صالح العلي، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بالإضافة إلى عدد من الكتاب والمفكرين كالشاعر أدونيس والشاعر بدوي الجبل والشاعر سليمان العيسى والشاعر والمسرحي الراحل ممدوح عدوان، والمرشح لجائزة نوبل سعد الله ونوس وغيرهم الكثير من المفكرين السوريين.
***
صباح شاكر العكام
.................
المصادر:
1- أبو موسى الحريري – العلويون النصيريون – سلسلة الحقيقة الصعبة / بيروت، 1980م.
2- جرجي زيدان – تاريخ التمدن الإسلامي – مؤسسة هنداوي / القاهرة، 2012م.
3- الذهبي – سير اعلام النبلاء - دار الكتاب العربي / بيروت 1997م.
4- رشيد الخيون – النصيرية العلوية في سوريا – دار مدارك / الرياض 2014م.
5- الزركلي – الاعلام – دار العلم للملايين / بيروت، ط5 2002م.
6- عباس العزاوي – عشائر العراق – الدار العربية للموسوعات، 2004م.
7- علي جابر العاني - تاريخ الطائفة العلوية النصيرية في العراق – دار المدينة المدورة / بغداد، 2019م.
8- فيصل السامر – الدولة الحمدانية في الموصل وحلب – مطبعة الايمان / بغداد، 1970م.
9- محمد سهيل طقوش – تاريخ العثمانيين – دار النفائس / عمان،2013م.
10- يارون فريدمان – العلويون النصيريون الهوية والمعتقدات – دار سطور/ بيروت، 2023م.