شهادات ومذكرات

علي حسين: رحيل العراقي الحالم عبد الله حبه

يغيب عن دنيانا  الكاتب والمترجم والشخصية الوطنية عبد الله حبه، الذي خاض تجربة طويلة مع التأليف والترجمة اتحف من خلالها المكتبة العربية باكثر من 80 كتابا وسط صمت ثقافي، فلم نقرأ شيئا عن الراحل إلا في صفحات معدودة لبعض معارفه .. اما المثقف العراقي فمشغول بتحليل شخصية " ممثل" تمكن فيسبوكيا ان يزيل من ذاكرة الفن عراب مارلون براندو، وقدم دانيال دي لويس اليسرى، وطيران جاك نيكلسون فوق عش الوقواق، وعصفور محمود مرسي، وبخيل خليل شوقي . لا يهم لم يكن ولن يكون عبد الله حبه اول وآخر المنسين في هذه البلاد التي لايزال البعض فيها مصراً ان يعيش في الماضي، والغريب ان المؤسسات الثقافية الرسمية  في العراق لم تتذكر عبد الله حبه ولك تلتفت اليه، بينما منحته دولة قطر جائزة  الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عام 2018، وكرمه اتحاد اتحاد الكتاب الروس بان منحه جائزته عام 2020 .

ولد عبد الله محمد حسن عبد الهادي حبه، في الحادي والثلاثين من آذارعام  1936 في بغداد لعائلة يسارية ابرز اعلامها اشقاءه، المناضل والكاتب عادل حبه والطبيب الجراح فيصل حبه ، درس في مدارس بغداد الابتدائية والثانوية، دخل كلية الاداب عام 1956 فرع اللغة الانكليزية بتحريض من علي الشوك  وكان قبلها قد درس في  معهد الفنون الجميلة  قسم المسرح ، وهناك ارتبط بعلاقة صداقة مع يوسف العاني وسامي عبد الحميد، في معهد الفنون سيتعلق باستاذه حاسم العبودي الذي كمحه اول فرصة لصعود خشبة المسرح في مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم " شهرزاد " لتوفيق الحكيم على مسرح معهد الفنون الجميلة. حيث بدور شهريار الفنان وجيه عبدالغني وبدور قمر الفنان كارلو هارتيون، وادى عبد الله حبه دور مرجان، سيصبح هذا الفتى اقرب الطلبة الى قلب استاذه العبودي، وليصبح مترجما لزوجة العبودي " ام نبيل " الايرلندية الاصل، وليقضي مع الاستاذ وزوجته معظم وقته في شقتهم الصغيرة في منطقة السعدون، وليمنحه العبودي فرصة العمل مساعدا للمخرج في مسرحية "الحقيقة ماتت" لعمانوئيل روبلز التي قدمت على قاعة مسرح الفنون الجميلة عام 1955، ومن ثم " ثمن الحرية " للمؤلف نفسه في عام 1959،  تكشفت لدي الجوانب الاساسية في ابداع العبودي كمخرج وكمرب. وسيضمه العبودي الى فرقة مسرح الحر التي تاسست في منتصف الخمسينات، بعدها سينتقل عبد الله حبه الى فرقة المسرح الفني الحديث، هناك ستتوطد وشائج العلاقة مع قاسم محمد وخليل شوقي وزينب . في كلية الاداب التي دخلها بعد معهد الفنون الجميلة ينجز  اول ترجمه له وكانت مسرحية " غاليلو غاليلي " للكاتب المسرحي الشهير برتولد بريشت وقد نشر فصل من المسرحية في مجلة الثقافة الجديدة، ينهي دراسته عام 1960، يسافر في بعثة الى موسكو لدراسة المسرح في معهد الفن المسرحي الشهير في موسكو مع نخبة من الشباب ابرزهم قاسم محمد بينهم قاسم محمد ومحسن السعدون وفاضل قزاز، في موسكو يعمل مترجما في وكالة تاس للانباء، بعدها يجد نفسه راغبا في ترجمة الادب الروسي الى العربية، فقام بترجمة مسرحيات بوشكين التي صدر بكتاب بعنوان " مآس صغيرة " قام بمراجعته الدكتور صلاح خالص الذي كان يعمل آنذاك استاذا في جامعة موسكو 

كنت  اعرف عبد الله حبه من خلال ترجماته المتميزة لتولستوي وتشيخوف وبونين وبولغاكوف وبوشكين،  ولم أكن اتوقع انني ساسمع صوته يوما من الايام، فقد شاءت الاقدار ان اعد رواية الراحل الكبير غائب طعمة فرمان " النخلة والجيران " الى التلفزيون  عام 2005، وعندما قررت احدى القنوات انتاجها حدث اشكال مع قناة اخرى،  فطلبوا مني ان احصل على موافقة عائلة الراحل غائب طعمة فرمان، وقبل ان اصاب بخيبة امل لصعوبة الاتصال بعائلة الراحل، اخبرني الفنان الراحل الكبير سامي عبد الحميد انه سيستعين بصديقه المترجم عبد الله حبه فهو على علاقة وطيدة بعائلة غائب التي كانت تتكون من زوجته وابنه سمير، جلست في بيت الفنان سامي الذي اخذ يجرب حظه مع الاتصال وبعد محاولات جاءنا صوت عبد الله حبه، الذي ما ان اخبرته باعدادي لرواية غائب طعمة فرمان حتى تحمس لمساعدتي، وبعد ايام وصلنا تخويل موقع من زوجة غائب توافق فيه على تقديم الرواية ومن دون مقابل، واذا كان هناك مقابل تدفعه القناة فانها تتبرع به لشقيق غائب طعمة فرمان الذي كان يسكن في محلة المربعة . بعدها  ساتواصل مع عبد الله حبه عن طريق الرسائل، حيث كنت اجد في البريد بين الحين والآخر رسالة من الراحل الكبير،  وفيها جواهر من المقالات عن الادب والثقافة .

يرحل عبد الله حبه وفي نفسه احلام لم تتحقق منها،  اقامة نصب للروائي الكبير غائب طعمة فرمان وسط بغداد، ويخبرنا في مقال نشره قبل عشرة اعوام، عن فكرة اقامة التمثال، وكيف انه طرح المسألة على ابراهيم الجعفري عندما كان وزيرا للخارجية اثناء زيارته لموسكو ولقاءه مع الجالية العراقية، ولان " سنسكريتية " الجعفري لا تعرف من هو غائب طعمة فرمان، فقد ابلغه السفير ان وزير الخارجية قال انهم لا يملكون الاموال لاقامة النصب، وعلى عبد الله حبه ان يجد رجل اعمال عراقي يتبرع بالمبلغ . اما الحلم الأهم فقد كان يتلخص باهمية تعزيز الهوية الوطنية، حيث كان يرى  أن "  نقيم في كل مدينة وبلدة وقرية شواهد تذكر المواطن بتأريخه وحضارته، ونحتفل بالمناسبات الوطنية على نطاق شعبي عام. وان تصبح الفكرة الوطنية هاجس كل مسؤول وكل مواطن عراقي، وألا يكون تابعا لهذه الشريحة القومية او الدينية او تلك " .

***

علي حسين

في المثقف اليوم