شهادات ومذكرات
رنا فخري جاسم: الموريسكيين المعذبون بصيامهم
في إحدى ليالي صيف عام 1567 م، كانت الساعة بُعيد منتصف الليل حين شرع السيد خيرونيمو، عضو محكمة التفتيش الاسباني في تفقد شوارع مملكة فالنسيا، وبينما كان يتجول متخفيا في الشوارع والازقة، سَرت إلى إذنيه كلمات عجيبة خرجت من منزل السيد المسيحي كوسمي بن عامر، سليل عائلة محمد بن أبي عامر، أحد أعظم من حكموا الاندلس، والذي وصل بفتوحاته إلى أراض لم يصلها حاكم مسلم قبله أو بعده، لكن أمجاده إنتهت عقب سقوط الحكم الاسلامي بتنصير عائلته وتعميد كل أحفاده.
لم تمض سوى دقائق حتى إندفع خيرونيمو بحذر، وهو يحبس أنفاسه أمام النوافذ المغلقة لترتعد عيناه مما شاهده بين الثغور: (إستفاقت الاسرة للسحور، ثم صلوا الصلاة المحمدية، وتهامسوا بينهم باللغة العربية الفصيحة)، وبعد أيام مَثَل السيد كوسمي بن عامر وعائلته للمحاكمة ، في أشهر قضية عرفتها محاكم التفتيشفي إسبانيا.
هذا التقرير يعود بك إلى أزمان بعيدة واوطان غابرة، حيث قصص الموريسكيين الذين حافظوا على صيام رمضان حتى بعد قرن من سقوط الاندلس.
تذكر المصادر التاريخية الاسبانية، أن الموريسكيين واجهوا صعوبات في إستطلاع هلال شهر رمضان نظرا لإنتشار الوشاة فوق المرتفعات، وكان مندوبو محاكم التفتيش يُلقون القبض علي أي أحد يتواجد في المساء بالقرب من التلال، وفي حالة عجز الموريسكيين عن إستطلاع الهلال، فإن حساباتهم الفلكية تتكفل بالأمر.
وقامت الكنيسة بنشر لائحة لمظاهر وشعائر إسلامية لتسهيل الوشاية بالصائمين! وتذكر الشهادات أن أعضاء محاكم التفتيش كانوا يطوفون بالخمر ولحم الخنزير على الموريسكيين ويجبرونهم على تناولها في النهار، للتأكد بانهم مسيحيون مخلصون.
وحتى ينجو الموريسكيون بصيامهم، لجأوا للعمل في المناطق النائية في المزارع والبلدات البعيدة، أو الاعمال الشاقة التي تجبرهم على البقاء في منازلهم طول النهار، والعودة للاكل بعد المغرب ليبدو ان موعد الغداء غير مرتبط بخصوصية الافطار عند المسلمين.
وأمام الاعداد الكبيرة التي قُبض عليها بتهمة الصوم، منحت المحاكمة للمتهمين صكوك العفو مقابل ألا يعود ثانية، لكن السجلات أشارت إلى ان معظمهم قبض عليه مرة أخرى، وحوكموا بتهمة (ساقط في الالحاد لمرة ثانية) والتي كانت عقوبتها القتل حرقا.
رنا فخري جاسم
كلية اللغات/ جامعة بغداد