شهادات ومذكرات
عبد الرضا حمد جاسم: الشاعر الراحل شاكر مجيد سيفو
لم اعرف انه سرياني الا بعد وفاته حيث عرفت من النعي بعد اكثر من أربعة عقود من الزمن.
في النصف الأول من عام 1983 أي في ذروة الحرب القذرة الطاحنة بين العراق وايران التحق الى وحدتنا س4 ف 3 لمش506 في قاطع زرباطيه شاب هادئ نحيل جميل هو الجندي الاحتياط شاكر مجيد سيفو وبعد واجب الاستقبال المحكوم بالأمور العسكرية.. استدعاه وكيل امر السرية الملازم الأول (شاكر.. بغداد حي القاهرة) لتمتع امر السرية النقيب (سلمان اسماعيل فرحان جوهر المياحي) بالإجازة الدورية (كان محور ما نشرت تحت عنوان مذكرات جندي احتياط) ثلاثة أجزاء رابط الجزء الأول هو:
https://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=957281&catid=327&Itemid=1238
اخبره وكيل امر السرية بوجود ثلاثة اخوه من االموصل .. ان رغب ان يكون رابعهم في الموضع واخبره انهم من الاخوة الايزيديين فلم يعترض.. التحق معهم في الموضع فصاروا اربعه.
شخصياً كما اغلب افراد السرية حسبته من الأخوة الايزيديين لانسجامه السريع معهم.
بعد أيام تبين انه يكتب الشعر وكان يبحث عن صور جميلة يلتقطها بحسه المرهف في تلك البقاع القاسية والظروف الصعبة. كان حالماً وكان يردد بمناسبه وبدونها عبارة: (الجبلي فادي).. بتكرارها حسبتُ انه لها وهي له.. ان فيها منه ومنها فيه.. حتى ان امر السرية له الرحمة والذكر الطيب الدائم دوام مواقفه الطيبة كان يسميه او يناديه باسم (الشاعر الجبلي) او (المعلم فادي) حسب الموقف ويقول لا تسلموه سلاح فهذا شاعر يحتاج الى قلم ودفتر.. كان ذلك من باب التندر تارة والاعجاب تارة اخرى.. لأنه هادئ نظيف مطيع عسكرياً لا يتذمر من أي تكليف او واجب وما شكى من احد وما اشتكي منه احد طيلة مدة بقاءه في السرية وهي ليست بقصيرة حتى ان البعض حسب ان فيه هوس او مس.
توطدت علاقتي به وكنا نقضي معاً ساعات لكسر الملل والقلق والتعب وكان فيما بيننا ما يقربنا لبعضنا ولو انه عام ولم يقترب من المحظورات المقلقات الخاصات في تلك الظروف والساعات القاسيات المزعجات.
من احلامه التي تَنّدَرَ عليه فيها القوم هو مناجاته للكلمات السابحة في الفضاء كما كان يقول ويشير اليها كأنه يراها ويدعو الغير للتمتع برؤيتها فصار عند البعض فيه بعض جنون. ويمكنكم ان تتصوروا بعض تعليقات البعض.
حَلِمَ بما يعرف اليوم بثورة المعلومات او الانترنيت ربما قبل ان يحلم بها من سُجِلَتْ بأسمة.. الغريب انه وصاحب الانترنيت فكروا بها في نفس الفترة الزمنية ذاك مهندس وهذا شاعر.. وقد صاغ تلك الاحلام بكلمات اقرب الى الشعر اثارت الضحك والتندر والهمسات وبعض الاعجاب. احاول هنا ترتيبها او ترتيب معانيها و"مَوّْسقتها" وانا معذور لضعف المحاولة ولمرور ما يقرب من ثلاثة عقود وقت كتابتها الأولى
و نشرها واليوم تقترب من أربعة عقود وها انا اشهد له وهو قد غادرنا الى حياة أخرى من انه فَكَّرَ بها وصاغها وقالها في تلك الايام اي في ايام ما قبل حتى التفكير بالأنترنيت.. [قِصَتُها راسخة وتَذَّكَرْتَها عام 2010 وبحثت عنه وكتبت له عندما نشر مقالة عن ديوان الشاعر الراحل ابراهيم الخياط في الحوار المتمدن عام 2010 ولم استلم منه رد وحاولت مرة اخرى لكن دون جدوى وكتبت الى المشرفين على احد المواقع التي يكتب /ينشر فيها ولم استلم الجواب. (أعتقد عينكاوه)
ان صياغتها التالية محاولة اكيد فيها قصور فأعتذر (الموضوع منشور في 28.03.2012)
ستقتحم الكلمات السماء
وتزاحم القصائد النجوم
وتلتقي الافكار هناك بعيدا عن الرقيب
في فضاء لا يسيطر عليه
سعادتي ستكون في حيرة هذا الحاجب
اضحك.. لان كلماتي تتقافز من بين فَكّيهْ وفَكّيْ المقص
ستضج الاجواء بالهمسات وتفور المشاعر
لألتقي من لا أراه اليوم
ويلطم الرقيب.. ونضحك
سيصرعه طنين كلماتي
سيكون العالم اصغر من قبر من يقتل هنا
ليس فيه ارض حرام مشبعة بالألغام
قبل شهيقي الثاني سأتدفأ بزفير من يتوارى في كوكب اخر
خلف تلك الهضاب يا صاحبي
انعكاس ضياء ودماء
سيزدحم الفضاء
بالأغاني والضوضاء
لكن الشر مع الشر
سيدنسه
ويأخذنا ربما الى فناء]
كان الجندي الاحتياط شاكر مجيد سيفو هكذا كنا نناديه يرفض ان يُقال على من يسقط قتيلا في تلك الحرب الملعونة شهيدا.. لآن الشهيد في زحمة افكاره هو من يسقط في المعمل او في الحقل او وهو يلقي قصيده او بين اذرع حبيبته. نحن كلنا جبناء كان يقول ويفسر ذلك بأن الشجاع من يرفض الحرب ويتقدم لعقوبة الاعدام غير نادم. كلنا جبناء لأننا نرفض الحرب ونشارك فيها ونطرب لسماع الاغاني التي تمجدها ونهتف لمن اشعلها ويديم اوارها. كلنا جبناء لأننا نلم اجزاء اجساد رفاقنا ونصلي عليهم وربما نزغرد نفاقا ونحن مرعوبين من القصف.
قال انا أُعلن لك اني جبان لأني أولاً هنا وثانياً أخاف ان اقول ذلك بصوت عالي ولكن لي طلب وهو من جبان ذليل يريد ان يكون شجاع بعد ان يقتل هنا.. طلبي هو: [ان لا تنقلوني من المكان الذي أُقتل فيه ولا تطلقوا عليّ اسم شهيد ولا ترسلوا بقايا جسدي الى اهلي أريد ان اتعفن هنا او تأكلني الجوارح عسى ان تُزكم جيفتي انوف مشعلي الحرب فيهربون وتتوقف او يرعبهم منظر نهش الجوارح لما تتفضل به القذيفة وتتركه من جسدي النحيل فيعتكفوا وتتوقف الحرب وبذلك سأكون انا سيد السلام.. بطل السلام ويقام لي مزاراً هنا تقام فيه مهرجانات الفرح والحب والشعر.
يا صديقي قال لي: جيفتي وجيفتك وجيف الأحبه الاخرين ربما تكون/ستكون السلاح الذي سندمر به الحرب.. لماذا لا نجرب ذلك؟
احذرك يا صديقي من نقلي الى اهلي بعد ان أُقتلْ لأن لعنتي ستطاردك وستطارد كل من سيساهم في ذلك او يتأسف على موتي.. ستدفعكم لعنتي الى الجنون او الانتحار.
سألته في احدى المرات: ما قصة ما يردده (الجبل فادي)؟.. قال انا لا اردد انا أُنشِدْ ولكن هل تَرَكَتْ فيك شيء يختلف عن الاخرين؟ فأجبته انها حيَّرَتْني .. أفردتُ الكلمتين وسرَدتُ معانيهما وحاولتُ الربط بينهما وكان سهلاً فالجبلي من الجبل وهو من سَكَنَهُ او بالقرب منه وتعلم منه فصار متمرس صابر محب قاسي دقيق حريص على ما بين يديه شجاع هذا ما تفرضه علية قساوة الجبل وجماليته.
والفادي من الفداء والبذل والتضحية والايمان وهو من يعرف ما يريد ولمن يضحي وكيف يقدم التضحية فالجبل هو فادي يتحمل القصف والبرد ويحمي من يلجا اليه ويمده بما يتيسر من ماء وغذاء والفادي جبل صامد يقابل فداء الجبل بفداء ويحاول حماية الجبل ليتبادلا الحماية فالجبل يفدي الفادي والفادي يفدي الجبل.
اكملت كلامي برجاء ان يُسِمعُني شيءً منها وكنتُ أعتقد انها قصيده بهذا العنوان لما فيها من موسيقى ومعاني واكيد انها تحكي عن الجبل والفداء.. قاطعني طالبا رايي بالاثنين (عمو وخديدا) (وهما الاثنين المتميزين من الثلاثة الايزيديه في السرية) الذين يشاركهم الموضع.. قلت له:
عمو: منافق يبحث عن المشاكل ويتربص بالجنود وهو غير محبوب.(بالمناسبة فان عمو كان برتبة عريف احتياط وهو من سنجار ايضاً ذو لحية طويله نحيف ويظهر من تعامل الاخرين معه انه اما ابن شيخ قبيلة او رجل دين)
خديدا: طيب هادئ متعاون محبوب قليل الكلام ملتزم حسن المعاملة محترم من الاخرين يحترم الجميع كان من المتميزين في اصابة الهدف بالبندقية الاليه كلاشنكوف حيث كنا وفي بعض الأحيان نتسلى بإقامة مثل هذه المسابقات).
ثم قال لي: جوابا على استفسارك عن (الجبلي فادي)
خديدا جبلي فادي
عمو جبلي فاضي
انا جبلي ضادي
تبسم لاستغرابي وقال:
خديدا: ترك الجبل وهو فادي
عمو: ترك الجبل وهو فاضي وسيبقى
وانا: تركته حالما بالضاد اي الكتابة
خديدا: ثائر صلب محب نزل لزيارة اهله كما فعلها في مرات سابقه ولكن هذه المرة وشيّ به من القريبين عليه ومنهم من على شاكلة (عمو) وحشروه بين الابلاغ عنه او اعلانه الندم وكان شرطه عليهم ان يترك ولا يتم استجوابه فاقترحوا التحاقه بخدمة الاحتياط
عمو:.. هذه افعاله وهو فارغ الا من الخرافة ولم يصعد الجبل كثائر وانما كأحد الجحوش*
انا: لم احمل السلاح في الجبل ولم اطلق اطلاقه واحده.. نزلت حالماً في ان اساهم في اقتلاع الأميه التي تنخر الاطفال واعلمهم القراءة والكتابة ليكون في المستقبل آلاف الشباب مثلي واحسن وحلمت ان اكتب قصائد للأطفال ليرددوها في افراحهم ومدارسهم واعيادهم واقنعت نفسي ان هذا نضال وواجب مهم. فشلت لأني وجدت نفسي مُجبر على تعليمهم الكذب والتصفيق وتمجيد القائد الرئيس والحزب وان اردد ما حشروه في الكتب المدرسية وأكون اول المصفقين في رفعة العلم.
(فادي) عند (خديدا ) ومن هم على حميد خصاله: فائها من فداء.. الفها من أعلى.. دالها من درجات.. ويائها من يقين.
(فاضي) عند (عمو) ورهطه: فائها من فضيحه او فراغ.. الفها من أرعن وضادها من (ض.. ).. وياءها من يُتْم
و (ضادي )عندي ومن هم على شاكلتي: ضادها من ضياع.. والفها من ألم.. ودالها من دجن.. ويائها من يأس.
فانا ضادي عندما فكرت بالكتابة بلغة الضاد واعتبرت ذلك نضالا لأشعر الان ان راسي تحت (بسطال)*خديدا وتحت(بسطال) عمو.. انا من يضع راسه تحت بسطال خديدا وهو يرفض ذلك ويعتذر وعمو يضع بسطاله فوق راسي وهو شامت شاتم.
كانت تلك المواقف والكلمات راكده في الذاكرة ولم اتطرق لتفاصيلها في ما كتبت سابقا تحت عنوان مذكرات جندي احتياط لكني ذكرت شيء عن (عمو). ونشرت بعضها تحت عنوان ""فادي الجبلي""
راكده الى ان صُدمتُ وانا اقراء اسم الشاعر( شاكر مجيد سيفو) في احدى الحملات التي تبناها موقع الحوار المتمدن عام 2010 فهرعت الى موقعه الفرعي لأجد انه نشر موضوعين فأرسلت له رساله على خدمة راسل الكاتب على اخر موضوع نشره ولم استلم الجواب ولكني سُعدت حينها لسلامته من تلك الحرب القذرة.
قلت له مرة.. لماذا وانت الساخط المتذمر لا تهرب من الجيش وهناك ما يمكن ان تحتمي به او يحميك؟
ضحك وقال : تقصد الجبل.. واستمر يقول.. ربما انت مجبر على تواجدك هنا.. انما انا جئت باختياري.. تركت الجبل ونزلت حالما ان أسمع ترديد الاطفال لكلماتي التي اكتبها او ما أُعَلِمُهمْ.. لكني اصبحت مُهْمِلاً بعد ان صرتُ مُهْمَلاً.. لأصبح انا من يعلم الاطفال حب القائد واغاني تمجيد القائد.. وفي اللحظة التي قرر فيها القائد( رائد العدالة الاول والمعلم الاول)* ان يكرمنا.. فكانت مكرمته لنا هي قبولنا في الجيش كمكلفين او احتياط.. يعني سمح لنا ان ندافع عن الوطن وهذه خطوة مهمه عنده في طريق اعتبارنا مواطنين من اي درجه لم يقرر بعد.. فَرِحَ لذلك بعض كبارنا وباركوا ذلك وهللوا وصفقوا ولم يعرفوا أنَ نزعت القائد المريضة أوحت له بان يقتل الكفار بالكفار حسب اعتقاده.. اي يتقاتل الكفار نحن مع الكفار المجوس عبدة النار الايرانيين كما يؤمن هو وفي النتيجة مهما كانت فهو قد تخلص من الكفار.
قلت له مستفزا اياه وماذا كنت تفعل في الجبل غير قتلنا نحن الابرياء؟
قال: رجال الجبل لم ينزلوا يوما ليقتلوا الابرياء وكانوا يتحاشون ذلك وقدموا في ذلك دماء زكيه .. كانوا ينزلون ليقنصوا اتباع النظام وجلاوزته وعملاءه من رجال امن ومخابرات واستخبارات وحزبيين ومتعاونين معه من المجرمين الذين يذلون الشعب ويحاولون قتلنا .. ولكن عندما تَهِبّونْ انتم(الابرياء.. قالها بتهكم) للدفاع عنهم وانتم تعرفون انهم مجرمون وقتله وتفتحون النار على ثوار الجبل فما كان الا ان يرد ثوار الجبل دفاعا عن انفسهم وقتلاً لكم لأنكم تدافعون عن من يذلكم ويهينكم .
قلت له عود الى الجبل حتى لا تهب للدفاع عن القتلة وعن النظام في حربه علينا وعلى الاخرين..
قال انت لا تعرف الجبل ولو انك قلت قد قضيت بعض خدمتك العسكرية فيه او في محيطه
الجبل يا صديقي لا يعرفه الا من يعاشره او يعيش معه.. الجبل لا يحب من يتركه.. ولن يسمح لمن نزل من دون تكليف او واجب ان يعود اليه مهما قدم من اعذار او اسباب لنزوله حتى لو قَبِلَ بعض رفاقه او أصدقاءه بتلك الاعذار او الاسباب.. سيلفظه الجبل او يدفعه الى الانتحار لأنه يشك بالعائد كل من في الجبل سواء كان بشر او حجر او شجر.
قلت له مره كيف تعيشون في موضع واحد وانتم بهذه التناقضات ومع تعسف عمو.. هل هناك ما يجمعكم أو تجمعكم؟
قال : انا وخديدا نلتقي في الكثير من الامور لكن المشكلة مع عريف عمو.. ثم سألني :هل هناك ما بين خديدا وعمو ما يجمعهم غير يزيديتهم؟.. وقال: إنَ ما يجمعنا هو رفضكم لنا وابتعادكم عنا وهنا لا اقصدك انت..
قلت له حقا انه سبب رئيسي.. ولكنك تلاحظ احترام الكثيرين لك وللعزيز خديدا.. قال هذا صحيح لكنه لا يكفي لان هناك الكثير من الامور التي تباعد بيننا انها امور عميقه تحتاج الى وعي ووقت وشجاعة لتجاوزها حينها لن تجد مثلي من يرغم على العيش مع شخص مثل عمو لا تربطه به اي علاقه سوى انهم يؤمنون بخرافة واحده .. انا اقدر صعوبة ذلك الان واتمنى مستقبلاً ان نلتقي دون حساسية دينيه او قوميه او غيرها .. تجمعنا الانسانية واحترامها
قلت له مره يبدو ان (عمو) مستأنس لرتبة العريف وربما مستفيد منها هنا او هناك.. قال هذا ما تعلمه وما تربى عليه وما سيبقى عليه ولكنه من ضمن ما سيبقى عليه ايضاً وسيلازمه طويلاً هو كُره الناس واحتقارهم له
كان الشاعر الجندي الاحتياط شاكر مجيد سيفو يلتقط صور جميله ويتدخل مرات ليضيف عليها ونحن في تلك الايام الكالحة منها:
كان السائق البديل للنقيب امر السرية.. الجندي احتياط (ارشد) من اهالي بلد يصلي ثلاثة مرات حسب المواعيد وكانت صلاة الظهر والعصر متميزة وهو يؤديها في العراء ويكثر من التسبيح فيها والدعاء باللسان واليدين والشفاه .. في احد الايام وهو فاردا يديه في الدعاء حط على كفه عصفور واطال الوقوف لعدة دقائق اثار انتباه الجميع.. كان ارشد قد تسمر اكثر ولا يستطيع انزال يديه الى ان طار العصفور وكنا انا وصاحبي من ضمن من شاهد الموقف.. هب ارشد مستفسرا معتقداً ان هناك بلاغ رباني جاء به هذا العصفور ويريد منا نحن ""آيات الله"" انا وصديقي شاكر سيفو التفسير فقاطعه صديقي قائلاً له اهرب اليوم من الجيش هذه رسالة العصفور لك.. ارتبك ارشد وهو الناجي للتو بفضل امر السرية من الاعتقال وفقا للأوامر التي نصت على اعتقال كل عسكري من اهالي الدجيل او بلد كان يتمتع باجازته الدورية خلال محاولة اغتيال صدام الفاشلة في ناحية الدجيل.
ثم قال لي صاحبي ان ارشد طيب وصافي لذلك اختاره العصفور وفعلا كان ارشد من انقى البشر فلا يعرف الكذب ولا الحيلة ولا الغش ولا التلفظ بكلمه واحده بذيئة يثق بالجميع لحد البلادة حتى اننا كنا نضحك وهو خلف مقود سيارة امر السرية العسكرية حيث نقول له وهو خلف مقودها انها احترقت يقول( ب لله) بلهجة اهالي بلد الكرام..
اللقطة الثانية: كان معنا الأخ ( علي عناد عبد) من اهالي كربلاء وهو شاب نحيف قصير متزوج وله طفل حديث الولادة.. في احد الايام نهض (علي) وهو يردد اغنية شاعت في وقتها للمطرب سعدون جابر تقول:
(ابو حسين علي يكرار علي
يا سيف الاسلام سيفك امانه
بيدين صدام سيف بمكانه)
تصاعد صوته وهو يرددها وخرج عن الموضع ليزيد عليها وهو يتحرك بعنف:
(علي عناد عبد.. يكَواد عبد
نعله عله ابيك تقبل مهانه
ابنك يكَلك مو ابنك انه
يكَواد عبد)
خر صاحبي شاكر سيفو على الارض ضاحكا مقهقها وهو يقول(همزين مو بس انه مخبل) وقال له بعد أن هداء الاثنين علي من الهيجان وهو من الضحك
(فيك ثائر يصرخ اما ان تسكته او يقتلك)
وقال وهو ينشد:
( علي عناد علي
يمغوار علي
الجبل فادي
يذل الاعادي
على عناد علي)
كنت اتصور حتى لحظة فراقنا ان (الجبلي فادي) هو عنوان قصيده لم تكتمل وانها تحكي قصة شاب ثائر ترعرع في الجبل او محيطة وتبادل مع الجبل المشاعر والمواقف وتعانقا كثيرا.. وفي القصيدة شيء عمن عاش معهم من اصدقاء وزملاء ورفاق.. وما تركوا وبالذات من غادروا سواء الحياة او الجبل.. ويمكن ان اتخيله وهو النحيل المحب الطيب في ليلة عاصفه جبليه وهو يتدثر من البرد بما تركه المغادرين من ملابس او افرشه ومع عصف الريح يسمع اهاتهم واحلامهم واناتهم وقصصهم.. واتصور انها تتضمن ما كتبه المغادرين من ذكريات على الصخور سواء بالحراب او العلب المعدنية الفارغة او حتى بأظافرهم وقد يفرد فيها موقع لمآسي الحرب وعني وعن ارشد وخديدا وعلي عناد والراحل الطيب امر السرية.. لا ازال اتمنى سماعها بصوت صاحبي الذي غادرنا قبل اشهر.
لروحك السلام أيها الشاعر الجميل شاكر مجيد سيفو
***
عبد الرضا حمد جاسم
.....................
* س 4 ف 3 لمش506: السرية الرابعة الفوج الثالث لواء المشاة506
* الجحش: تطلق على المتعاونين مع السلطة.
* زرباطيه: منطقه حدودية في القاطع الاوسط من الحدود مع ايران حصلت فيها معركه كبيره سميت بمعركة شرق زرباطيه