أوركسترا
متحف "أم كلثوم" في مصر
"ذاكرة غنائية ونيل"
التقيتُ مسؤول متحف "أم كلثوم"، متحف يحمل كامل السيرة الذاتية لـ "سيدة الغناء العربي" والذي يقع على ضفة نهر النيل بمصر ويستقبل الزوار من جميع أنحاء العالم . أجاب الأستاذ "حاتم البيلي" بغاية الحفاوة والترحيب مختلف الأسئلة المطروحة بشأن متحف كوكب الشرق والذي يعكس ذاكرة غنائية تصدح بالأغنيات إلى جوار نهر النيل. ثم استرسل" أ.حاتم " متحدثاً عن المتحف منذ إطلاقه، قائلاً: المتحف تم الإنتهاء من إنشائه وافتتاحه في ٢٨ ديسمبر العام ٢٠٠١، على يد السيدة "سوزان مبارك" في حضور "فاروق حسني" معالي وزير الثقافة الأسبق،ومحافظ القاهرة الأسبق "عبد الرحيم شحاتة"، وأكد أن مساحته تقارب ٣٠٠ متر، وبسؤاله أيضاً عن أقسام المتحف قال أنه عبارة عن عدة أقسام فاترينة زجاجية تضم فساتين ثمانية، بينهم فستان مطعم كله باللؤلؤ الحر، والفساتين تمتاز باختلاف الألوان ورقة الموديلات المزدحمة بتطريز أنيق وخلاب لطالما كانت تهواها " السيدة " بأذواق مزخرفة مثل الزيتي والبيج والبنفسجي والذهبي والأسود المزركش والكحلي مع مناديلها الخاصة، وكانت تنتقي أروع ملابسها من بيوت أزياء عالمية وأوروبية وفرنسية مثل "كريستيان ديور" كما تتخير أي أميرة أو برنسيسة أزيائها في ذلك العهد، وأردف.. تلك الفاترينة هي أشد ما يدير رؤوس الزوار بإعجاب ودهشة . بالإضافة إلى ذلك توجد بالمتحف فتارين المقتنيات المتنوعة مثل نظارة أم كلثوم الشهيرة المطعمة بالألماس والبروش الألماسي بكامله، وفي جانب آخر عودها الخشبي الخاص، ونوت موسيقية وخطابات مرسلة إلى أم كلثوم من سياسيين وقادة وشخصيات عامة ومنها خطاب من وزير الشؤون الإجتماعية" حافظ بدوي" كشكر وتقدير لجهود أم كلثوم القومية والإجتماعية، وعقود عمل وقعتها بنفسها وعدد من أوراق القصائد التي غنتها سيدة الغناء العربي مكتوبة بأقلام وخطوط شعرائها مثل أغنية" أنت عمري" بخط يد مؤلفها" أحمد شفيق كامل" وأغنية" ليلة حب " لنفس المؤلف على ورق من مكتب محمد عبد الوهاب، وأغنية "حيرت قلبي" بخط يد "أحمد رامي" وقصيدة "سلوا كؤوس الطلا" بخط يد أحمد شوقي، وأغنية "بالحب وحدة" بخط يد مؤلفها عبد الفتاح مصطفى، وقصيدة "هذه ليلتي " بخط يد جورج جرداق، وأغنية" الحب كدة" بخط يد بيرم التونسي.
وأيضاً قصيدة "نهج البردة"لأحمد شوقي بخط يد" سيد عبد القوي" كبير الخطاطين آنذاك، والنياشين ومنها وسام الجمهورية التونسية وقلادة لبنان ووسام نقابة الموسيقيين اللبنانيين ووسام الإمتياز الباكستاني ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، ووسام الإستحقاق السوري ووسام رابطة جمهور الإتحاد السكندري من مصر، ووسام مهدى من أحد المواطنين المصريين وقلادة النيل ومفتاح مدينة طنطا رائع المنظر ، كل ذلك محاط بباقة من الصور" بأسلوب الكولاج" تتدرج على أركان المتحف بترتيب زمني يعكس حياتها من العشرينات والأربعينات حتى السبعينات، وقال أ. حاتم البيلي ؛ لدينا عرض الصورة في قاعة بانوراما تتدرج بمراحل عمرية مختلفة للعظيمة أم كلثوم تعكس لحظاتها الخاصة مع المقربين مثل صورة نادرة لأم كلثوم مع والدتها مدتها ١٥ دقيقة، ولدينا صور مأخوذة من حفلاتها مثل صورة استقبال الشيخ زايد بالإمارات" لأم كلثوم" ولقطات ومشاهد من الأفلام الستة التي مثلتها مع أبطالها . مواكباً لذلك المسار الزمني الذي يتبناه المتحف طريقة عرض النياشين والأوسمة المتعددة والتي حصلت عليها أم كلثوم مصفوفة في فتارين ممتدة ومقابلة للصور الفوتوغرافية بطول المتحف مع إضاءة دافئة تشع برائحة المسيرة الغنائية المبهرة، إذا انعطفت مع طريق المتحف ستجد فاترية داخلية تضم جواز السفر الدبلوماسي وجواز السفر العادي،وعضوية نادي، ومفكرات صغيرة بخط يد أم كلثوم.
ويوجد جرامافون بمكبر صوتي على الطراز الكلاسيكي بديع المنظر أهدته شركة الإنتاج "هيزماسترفويس" لأم كلثوم،كما أن هناك فاترينة مميزة تعرض كل مذياع وراديو احتفظت به أم كلثوم في بيتها بأشكال مختلفة واسطوانات غنائية وتسجيلات نادرة لها، ومكتبة تحوي مجلدات لأهم كتابات صحفية عنها منذ ١٩٢٤ ودراسات معاهد الفنون والموسيقى التي ناقشت صوت وإنتاج أم كلثوم الغنائي. بالإضافة إلى قاعة عرض سينما تعرض أفلاماً وثائقية وتسجيلية عن حفلاتها وأفلامها وحياتها منذ ولادتها وطفولتها وحتى وفاتها وتعرض جنازتها وهي مصنفة ضمن أكبر ثلاث جنازات في التاريخ في حدود ٢٥ دقيقة من إنتاج صندوق التنمية الثقافية مترجمة إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية، والمكتبة "السمع بصرية" والمزودة بالكثير من الكتب الموسيقية الهامة وشاشات كمبيوتر تعمل باللمس، وبسؤال ا. حاتم عن كيفية جمع مقتنيات المتحف العامر بما يخص سيدة الغناء العربي، أجاب بأن أم كلثوم توفيت ٣ فبراير سنة ١٩٧٥ بقصور في القلب عن عمر يناهز ٧٦ عاماَ، فبدأ التفكير في إنشاء متحف يعكس تاريخها الغنائي ومشوارها الفني الثري،وكان ذلك بعد وفاتها بعشرين عاماً،أي في أواخر التسعينات وبتوجيه من الفنان "فاروق حسني" بدأت آنذاك مجموعة من العاملين بوزارة الثقافة بخطوة جمع المقتنيات منذ عام ١٩٩٨،وما ساعد في ذلك الهدف هو التواصل المثمر بين مجتمع المثقفين ؛ فمن كان يملك شيئاً ذو صلة بسيدة الغناء أم كلثوم لم يضن بالمشاركة والإهداء إلى المتحف بامتنان وتعاون مع فكرة المشروع من عائلتها ومحبيها ! مما سهل كثيراً الوصول لمقتنيات من الماضي تملكها العائلة والأصدقاء والمعارف والمعجبين بها. وبسؤاله عن سبب اختيار متحف أم كلثوم ليجاور قصر المانسترلي ومقياس ونهر النيل، برغم أن الولادة والمنشأ لأم كلثوم في "طماي الزهايرة" أجاب بأن السبب يكمن في الرؤية العامة لأم كلثوم "كهرم رابع" يليق به النيل هذا الموقع البهي والجذاب للسائحين إلى جوار قصر المانسترلي ليكتمل المشهد المصري الجليل في هذا المكان على جانب من نهر النيل. حيث أن بيتها الأصلي كما نعلم تم بيعه منذ زمن وتحول إلى فندق حالياً،ومن الصعوبة أيضاً الانتقال إلى "طماي الزهايرة " لإقامة المتحف، فأخذنا بالإعتبار أن الجنسيات المهتمة بأم كلثوم عالمية ومختلفة مثل شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والأرجنتين والبرازيل واليابان ومختلف الدول العربية والدارسين من المصريين أو الأجانب الحاضرين بتواجد أسبوعي لعمل المشاريع.. لذلك كان اختياراً صائباً لذلك الموقع الممتاز بروضة المنيل،وفي نهاية الحوار أكد المسؤول عن المتحف" أ. حاتم البيلي" أن الحياة دبت في هذه البقعة الهامة فقبل إنشاء المتحف كانت بقعة المانسترلي قبل قرار ترميمها بفترة التسعينات قلما تستخدم إلا كمخازن لوزارة التربية والتعليم وقبلها كانت مبيتاً للجيش، أما الآن فقد جمع متحف" أم كلثوم " كل شيء جنباً إلى جنب، جمع الفن والنيل والماضي الجميل ..!
سارة فؤاد شرارة