تقارير وتحقيقات
عبد السلام فاروق: ايام ثقافية في عروس الصعيد
لا يسعني إلا أن أسجل إعجابي واندهاشي من النشاط المكثف لوزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو منذ تولَّي مسئولية تلك الوزارة المثقلة بالأعباء، والتي ورثَت عهوداً من الركود والتيبس فإذا به قد جاء وفي نيته أن يحيي مواتها، ويعيد جريان ما جف من نهرها..
فكم من معارض للكتاب خارج الحدود شرفها بالحضور، وكم من فعاليات داخل الحدود أجراها وافتتحها، وكم من ضيوف أجانب استقبلهم، فى إطار العمل الثقافي المشترك مع مختلف دول العالم.
غير أنه لم ينسَ الصعيد وسط انشغالاته المتعددة. هذه المرة يفتتح (المؤتمر العام لأدباء مصر) فى دورته السادسة والثلاثين بعروس الصعيد محافظة المنيا فى جامعة المنيا.
عندما دُعيت لحضور هذا المؤتمر، على الفور تذكرت مشاركتي فيه بدورات سابقة بالتسعينيات؛ بصحبة صبري موسي وعبد الله الطوخي وسمير عبدالباقي وعبد الرحمن أبو عوف، وكثير من أدباء مصر الرائعين. وكم أسعدني أن تقام دورة هذا العام بالمحافظة التي شهدت مولدي ونشأتي الأولي، هكذا تسنح الفرصة لاستعادة ذكرياتي الخاصة والعامة فى ملتقي أدبي واحد يضم أحبائي وأصدقائي القدامَي، مع شهود فعاليات الثقافة فى ثوبها الجديد، برعاية وزارة الثقافة وعلى رأسها الوزير النشيط الرائع د. أحمد فؤاد هنو..
(مؤتمر الأدباء السادس والثلاثون) تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، تحت عنوان: (أدب الانتصار والأمن الثقافي. خمسون عاماً من العبور)، وينعقد برئاسة الفنان الدكتور أحمد نوار، ومعه الشاعر ياسر خليل أميناً عاماً للمؤتمر.
اليوم الأول شهد عرضاً فنياً افتتاحياً بعنوان: (منيا الخصيب. عروس النيل)، ثم فيلم وثائقي عن المؤتمر العام لأدباء مصر. وألقي كلمة الافتتاح الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، ثم محافظ المنيا: اللواء عماد كدواني. فكلمة رئيس جامعة المنيا الدكتور عصام فرحات. ثم تتابعت كلمات رعاة المؤتمر من هيئة قصور الثقافة: الكاتب محمد ناصف، والدكتور أحمد نوار، والشاعر ياسر خليل. كما شهد حفل الافتتاح عرضاً فنياً لفرقة ملوي للفنون الشعبية، من تقديم الكاتبة الدكتورة صفاء النجار، ومن إخراج أسامة عبد الرؤوف.
يوم الإثنين هو اليوم الثاني للمؤتمر، حيث بدأت فعالياته منذ العاشرة صباحاً؛ مع انعقاد الجلسة البحثية الأولي بعنوان: (الأمن الثقافي ومكتسبات أكتوبر). والتي تم خلالها بحث عدة قضايا: كقضية الأمن الثقافي بين الوطنية الواقعية والافتراضية، والفكاهة الشعبية السياسية خلال فترة حرب أكتوبر وعلاقتها بالأمن الثقافي، وأثر الثقافة فى هوية الحدود وأمنها من خلال قراءة لسيميائية الثقافة.
بالتوازي مع الجلسة البحثية، انعقدت المائدة المستديرة الأولي بعنوان: (طه حسين، العبور بالبصيرة). بمشاركة لفيف من الأدباء والمفكرين، وبحضور عدد من المراسلين والصحفيين لنقل فعاليات المؤتمر فى يومه الثاني.
اليوم الثالث للمؤتمر، يوم الثلاثاء، الموافق 26 نوفمبر. فقد شهد جلسات بحثية مكثفة حول حرب أكتوبر، وناقشت "كتابات من واقع حرب 73". والتي ضمت طائفة من الرسائل والشهادات الواقعية والسير الذاتية لعدد ممن شاركوا فى حرب أكتوبر المجيدة. بحثاً عن مخرجات قيمية من واقع روايات المعركة.
وجاء ختام المؤتمر صبيحة يوم الأربعاء 27 نوفمبر. حيث بدأت فعاليات الحفل الختامي فى التاسعة والنصف صباحاً، وتضمنت الجلسة الختامية للمؤتمر، وإعلان التوصيات. هذا ويجدر الذكر أن مؤتمر هذا العام صدر عنه عدداً من المطبوعات المتعلقة بموضوعه وفعالياته، وهي تشمل:
- كتاب أبحاث المؤتمر
- المكرمون من الأدباء
- كتاب بحثي عن المنيا، البلد المضيف
- كتاب عن إبداعات أبناء محافظة المنيا
- كتاب عن ذاكرة النشر الإقليمي.
كم يشرفني أن أكون جزءاً فاعلاً فى هذا المؤتمر العريق ذي الرسالة الممتدة عبر تاريخه مؤكدةً أن مصر لا تعدم المبدعين والأدباء والمؤثرين والمفكرين فى كل عصورها، وأن حركة الثقافة جزء لا يتجزأ من نشاطها الإبداعي الراقي الباقي عبر الأزمان. أحب أن أشير إلي أن فعاليات المؤتمر في عروس الصعيد، شهدت تنظيما وحضورا على أفضل ما يكون، كما هو دأب محافظة المنيا، ممثلةً فى محافظها اللواء عماد كدواني، ورئيس جامعتها الدكتور عصام فرحات. وإني أدعو كل مشارك من الحاضرين والمدعوين للمؤتمر ألا يألوا جهداً لزيارة المعالم السياحية فى المنيا، وأؤكد لهم أنهم سيستمتعون بتلك الجولة أيما استمتاع..
فمحافظة المنيا زاخرة بمعالمها السياحية التي يأتي إليها الأجانب خصيصاً من كل حدب وصوب. تكفي زيارة لتل العمارنة مكمن مملكة الشمس على عهد إخناتون وزوجته نفرتيتي. ولو واتتهم الفرصة فليزوروا آثار البهنسا وجبل الطير ومقابر بني حسن المنحوتة فى الصخر. ناهيك عن الآثار اليونانية والرومانية وآثار تونة الجبل، سراديب تحوت، ولوحة الحدود، والساقية الرومانية.
ليس من المستحيل، وإن كان الأمر به بعض مشقة، أن يزوروا آثار الأشمونين، أو بني مزار. فهناك قصور من العهد المملوكي والعثمانلي لا تزال محتفظة برونقها البهي: كقصر فورتنييه، وقصر الشريعي، والقصر الذي عاش فيه الشيخ مصطفي عبد الرازق ابن محافظة المنيا.
تلك فرصة لا تتكرر لمثقفي مصر أن يشاهدوا فى محافظة المنيا ما لم يشاهدوه، ويتعرفوا على بقعة من بقاع مصر، تكاد تكون كتاباً حياً لتاريخها العريق.
***
د. عبد السلام فاروق