تقارير وتحقيقات
محمد سهيل احمد: هل البصريون طيبون؟!
تساؤل يطرحه د. محمد عطوان باتحاد أدباء البصرة
تساؤل قد يبدو صادما تكفل المحاضر د. محمد عطوان بطرحه في حضرة جمهور احتشد بقاعة اتحاد أدباء البصرة. هذا النوع من التساؤلات يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والصراحة والموضوعية وهي خصال لا نشك في مقدرة المحاضر على توفيرها من واقع معرفتنا بوعي المحاضر وثقافته:
في مطلع محاضرته أشار الى ان ما تعانيه الشعوب هو الإنكار مضيفا: " بقدر تعلق الأمر بالورقة التي اقرؤها الان جاء عنوانها بصيغة سؤال افضى الى مزيج من الاختبار والتحدي. شعرت ان المطلوب هو الاشتغال على منهجية تختلف عن المنهجية السائدة لقراءة واقعنا البصري. فمنذ امد بعيد لم اسمع وصفا للبصريين سوى القول بانهم طيبون ما جعلني اشكك في ماهية الطيبة المقصودة نفسها هل هي سمة ذات جانب تطويبي ام تبخيسي؟! هذه التساؤلات قادتني الى البحث عن جينولوجيا الظاهرة ببعديها الفردي والمجتمعي. هل ان هذا التوصيف ذو صلة بالاختزال ام هو نوع من أنواع المديح؟ اذن نحن في صدد التوصيف الذي اشار اليه ميشال فوكو في كتابه (تاريخ الجنون) قاصدا ان مديح الجنون يتعلق بالكرم الغامض للمجانين الذي لا يعرضهم في واقع الحال الى النبذ انما الى ما هو ابعد.. الى الرفض !ومن الواضح ان تشخيص فوكو كان ذا طابع مرضي. بينما ننطلق من مفاهيم لا تتقاطع مع وجهة نظر فوكو لنجد انفسنا ملزمين بطرح اشكالية (المركز والأطراف) الشائكة.فالى أي حد كانت البصرة طيبة في ازمنة طغيان المركز: الاستانة، وبغداد؟ اشكالية معظم الدراسات التقليدية ان عنصر الطيبة لدى منظريها يراد به ان يكون وصفا نهائيا بعيدا عن الاسباب الطبقية والتاريخانية التي ينبغي توظيفها ضمن منهجية تحليلية موضوعية تسبر كوامن الحدث وتبحث في اصول الظواهر.
فلو فحصنا المجتمع البصري لانجد صفات تعميمية تنطبق على جميع جهاته الأربع. اين التماثل بين عشائر ابي الخصيب جنوبا والمعدان شمالا وبدو نجد غربا؟ ! لايمكن لمدينة متنوعة الشرائح والأمزجة ان تعرف بلون واحد. ومن غير الممكن اسباغ النظرة الرومانسية على البصرة وكأنها خالية من الميليشيات والبعثيين والقوميين والشيوعيين والسراق وتجار الحروب وتجار المخدرات وأرباب الفساد بشتى اصنافه.
وهي النماذج التي تتوفر في اية مدينة من مدن العالم مع ادراكنا لارتفاع وانخفاض الأعداد بين مدينة ومدينة. كيف أذن يمكن تطبيق شكل من اشكال الدراسات المؤمثلة التي تحمل جرعات عالية من الطوباوية؟ ! ان قول البعض بأن البصرة للبصريين يذكرنا بمقولة طه حسين الذي يذهب الى ان مصر للمصريين الفراعنة. ان التوصيفات التي تشير الى سمو شريحة او ابناء مدينة ما ينطوي على ممايزة طبقية توحي بأن النخب البصرية الموصوفة بالطيبة هي اسمي من عامة اهلها ! هذه الطروحات التحليلية ستجد طريقها في كتاب قادم لي عنونته بـ (تأويل الطيبة عند البصريين).
وبعد ان اختتم المحاضر جلسته السوسيوـ فلسفية على حد تعبير المقدم الاستاذ حازم رعد، فتح مقدم الجلسة الاستاذ حازم رعد الباب للنقاش والتحاور وقد اسهم في الحوار والتعقيب كل من محمد سهيل احمد، باسم القطراني، خالد خضير، ناصر لعيبي، احمد طه حاجو، طالب هاشم بدن، خولة الناهي، رافع بندر، حسين الركابي وآخرون.
تميزت الجلسة بالمغايرة في الطرح والمقدرة التحليلية للمحاضر وبراعة المقدم بانتظار كتاب المحاضر الذي سيصدرمستقبلا والذي سيتناول اشكالية الطيبة واشكالها.. الطيبة الحقيقية، الطيبة المفبركة من لدن عنصر خارجي، ضمن منظور سايكولوجي وفلسفي وتاريخي.
***
محمد سهيل احمد
..................
اشارة
نص المداخلة التي ألقاها كاتب المادة محمد سهيل احمد والذي لم يسعف وقت الجلسة طرحها كاملة:
تعمدت ان ادون هذه الأصداء قبل يوم من انعقاد المحاضرة. هذه الأصداء ادرجها على النحو التالي:
هل ان البصريون طيبون؟ وتتوالى الأسئلة تباعا.. من هم البصريون وفي أي زمان وأي مكان؟ نحن لا نختلف في كونهم طيبين ولكن بمنأى عن المنظور التقليدي الذي دأبنا على التماس معه. في روايتي (ثقوب في الشاشة) قدمت لأحد اقسامها تضمينا مقتبسا فيما يلي نصه: " تقول أسطورة اغريقية ان زيوس رب الأرباب جمع الفضائل في كف والرذائل في كف فنثر الأولى على البشر وعمد الى الرذائل فأمطر بها البشر وبالطريقة نفسها. وبمشيئة زيوس تلك لم يعد للفضائل ولا للرذائل وطن. ولم تعد الفضائل حكرا على قوم دون قوم ولا الرذائل حكرا على شعب دون شعب. وبتلك الطريقة حقق رب الأرباب العدالة على الأرض "
ان معظمنا مغرق بالذاتية منذ بدء الخليقة وليس من المعتقد ان تنجو فئة من هذه السجية او تلك الرذيلة. لقد جبل الانسان وبالأخص انسان المجتمعات التي ــ بحكم وقوعها ضحية لقلة الوعي ــ على استمراء الوهم واتخاذه أسلوبا من أساليب العيش. نحن مثلا بحاجة لتوظيف آلية اسميتها (ميكانيزم تجزئة المعايير).. فمثلا (س) من الناس طيب. لابأس ولكن طيب في أي مسلك او في أي ملمح؟ متى يكون طيبا ومتى يصبح شريرا؟
منذ زمن بعيد عرف المجتمع البصري بكونه مجتمعا ثلاثي العقلية فهو يمتلك روحية البدوي والفلاح القروي والكومبرادوري (التجاري) في آن معا. ولديه خصيصة قد تصب او لا تصب في صالحه هي انه ــ قياسا بمجتمعات المدن العراقية البعيدة او المجاورة ــ لاينجب قادة سياسيين لعبوا ادوارا محورية في صنع تاريخ البلد او هدمه نستذكر في هذا المضمار امثلة كنوري السعيد وصالح جبر ومزاحم الباججي وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وصدام حسين ومصطفى البرزاني وفاضل الجمالي ومحسن السعدون والشيخ ضاري وجعفر ابو التمن وعبد الحسن الحكيم وفؤاد الركابي والقائمة تطول. في الوقت الذي عرفت البصرة بانجاب رموز كبرى في مجالات الشعر والنحو والفلسفة والفقه. لا تنفي هذه الظاهرة ان البصريين عرفوا بالشجاعة في المعارك التي خاضوها على مر الأزمان. هذه الظاهرة شأنها شأن الطيبة بحاجة الى دراسات تحليلية تتميز بالموضوعية متمنيا على الدكتور محمد عطوان تسليط الضوء عليها ضمن اهتماماته التحليلية بالواقع الجينولوجي للمدينة.