حوارات عامة
د. آمال طرزان تحاور د. شرف الدين عبد الحميد حول واقع المرأة في المجتمعات الشرقية (2)
القسم الثاني من الحوار مع الهرمنيوطيقي العربي الأستاذ الدكتور شرف عبد الحميد أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج، حول: المرأة في فلسفة سقراط وواقع المرأة في المجتمعات الشرقية
***
* والآن ننتقل إلى توضيح الفارق بين وضع المرأة في المجتمع اليوناني والمجتمع الاسبراطي؟
- الرد في كلمة: أقترحُ أن المرأة في المجتمع اليوناني الأثيني: امرأة أنثى في مجتمع مدني، ولكنها لم تحصل على الحد الأدنى من حقوقها. وفي المجتمع الاسبرطي: المرأة "أنثى رجلة" في مجتمع عسكري. ولم تحصل على الحد الأدنى من حقوقها، لكنها حصلت على ما تظنه أنه بعض حقوقها تماماً مثلما المرأة في القرن الواحد والعشرين: المرأة الرجلة!
* لماذا تم تناقل الموروث اليوناني عن المرأة عبر العصور ولم يؤخذ بنموذج النساء الاسبرطيات؟
الرد: لأن للمجتمع الأسبرطي خصوصيته الحربية والعسكرية، هو مجتمع ذكوري بامتياز، وقد عاشت فيه المرأة "حقوقها الذكورية" كمحاربة رجلة، ولكنها لم تحصل- كما أقترحُ- على شيء من حقوقها الأنثوية! إذ هناك فارق بين حقوق المرأة "الذكورية" وحقوق المرأة "الأنثوية". لقد نالت المرأة كثيراً من حقوقها الذكورية التي لا حاجة لها بها (مثل المرأة الأسبرطية) وبقي عليها أن تجاهد لنيل حقوقها الأنثوية. (أقصد بحقوق المرأة الذكورية حقوقها كرجلة!) وهذا يعني أن المرأة الإسبرطية موجودة أيضاً بل التراث الإسبرطي هو الغالب في الحضارة الأوربية المعاصرة. إذاً لقد تم الأخذ بنموذج النساء الإسبرطيات أيضاً.
* من وجهة نظر حضرتك هل استطاع بعض من الفلاسفة في العصر اليوناني منح المرأة حقوقها وتحررها من ثقافة سجن الحريم؟
الرد: نعم والرمز المثالي الذي يمكن ذكره في هذه الحالة، هو المجتمع الفيثاغوري، الذي حصلت فيه المرأة على كثير من المكاسب ولا أقول الحقوق، بل لقد كانت بعض الفيثاغوريات فيلسوفات كبيرات مثل ثيانو الكروتونية Theano of Crotona زوج فيثاغورس، وأريجنوت Arignote ابنة فيثاغورس وإيزارا اللوكانية الفيلسوفة الفيثاغورية. ومع ذلك كانت الفيثاغورية جمعية سرية لا يقاس عليها حين نتحدث عن عموم النساء في بلاد اليونان (راجعي: د. شرف الدين عبد الحميد : بيثاغوراس: لاهوت الرياضيات).
* ظل معظم الفلاسفة في الفلسفة اليونانية يبرهنون على المنزلة المتدنية للمرأة بسبب خصائصها البيولوجية فهل يشكل الاختلاف البيولوجي بين الرجل والمرأة أساساً منطقياً لتبرير التفاوت في الحقوق والواجبات بينهما من وجهة نظر الهرمنيوطيقي العربي؟ وكيف يمكن التغلب على تلك النظرة النمطية؟
الرد: أرسطو هو المسئول الأول عن ذلك فهو مؤسس لعلم البيولوجيا، ولكننا حين نتحدث عن بيولوجيا أرسطو فيجب أن نعلم أننا نتحدث عن بيولوجيا فلسفية، لا بيولوجيا علمية كما نعرف من معنى العلم اليوم. كان أرسطو ينظر إلى المرأة نظرة الأساطير الهوميرية إليها: "باندورا" أول النساء، ويعني اسمها كل العطايا أو الهدايا، كانت "شراً خلاباً" قدره زيوس محنة على البشرية اليونانية! أرسطو نادى بنفس النظرية الأسطورية التي ترى المرأة مخلوقاً ليس فقط حيواناً غير عاقل، بل مصدراً للشر والخطيئة! ولكن أرسطو البارع غلَّف فلسفته المستمدة من الأساطير بغلاف بيولوجي. إن البيولوجيا العلمية المعاصرة تنصف المرأة من الظلم الأسطوري والأرسطي معاً (وهكذا يمكن التغلب على تلك النظرة البيولوجية الأرسطية النمطية).
* هل تجد أن الهيمنة الذكورية سيطرت على كتابة التاريخ الإنساني لصالح الرجل؟
الرد: نعم. لا شك ولا جدال حول هذه المسألة.
* اريدك أن توضح لنا ما أكثر العوامل المؤدية لقهر المرأة وتهميشها في مجتمعاتنا الشرقية؟
الرد: ذكر المختصون بالنِسْوية عوامل كثيرة مؤثرة، ولكني سأخبرك عن اقتراحي فيما يخص العقل العربي: توارث العرب ذهنيتين مسئولتين عن قهر المرأة العربية في القرن الواحد والعشرين: ذهنية العصر الجاهلي، وذهنية العصر اليوناني. وكلتا الذهنيتين تدثرتا بدثار روائي ديني يهودي مسيحي إسلامي. ولكن هذا الدثار لم يفلح في حجب الذهنية الأصلية: الجاهلية اليونانية.
* هل استطاعت الحركات النسوية أن تدافع عن حقوق المرأة وحصلت على حقوقها القانونية والسياسية والثقافية اليوم؟
الرد: حاولت وتحاول وستحاول ما بقى على وجه الأرض ذكر وأنثى.
* فلماذا أصبحت الحركة النسوية لها دلالات سلبية في مجتمعاتنا العربية خاصة؟
الرد: لسبب بالغ البساطة: النسوية العربية- في الغالب الأعم- تسير على خطى النسوية الغربية الراديكالية، وخصوصاً النسوية التي تحارب للحصول على "حقوق الذكور ومنحها للنساء"، فكل ما يفعله الرجال من حماقات وتفاهات تريد المرأة الحصول عليه وتسمي ذلك "حق المساواة بين الذكور والإناث"، وأسميه أنا "حق المساواة في التفاهة".
* للأسف د. شرف مع تعالى صيحات التيارات الراديكالية المتطرفة فيها بفضل استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة والدعوة للمثلية والكوير أثر على تشوه الحركة النسوية.
فهل بإمكاننا أن ننشئ حركة نسوية شرقية تعد امتداداً لجهود الحركات العربية السابقة ذات أهداف مشتركة ليعلو صوتها تجاه الحركات النسوية الغربية؟ وما السبيل لتحقيق ذلك الأمر من وجهة نظر حضرتك؟
الرد: للأسف! تخيلي معي أن تكون البشرية كلها تمارس المثلية (اللواط والسحاق) هل سيبقى بعد ذلك بشرً أصلاً إناثاً أو ذكوراً؟! قال أحد الفلسفة لشاب أنثى: يا بني كن ذكراً ولا تعمل ضد ما اختارته لك الطبيعة، فإن الطبيعة لا تختار إلا ما هو أصلح لك. ويمكن توجيه النصيحة ذاتها للشابة الذكر: يا بنيتي كوني أنثى ولا تعملي ضد ما اختارته لك الطبيعة، فإن الطبيعة لا تختار إلا ما هو أصلح لكِ.
ونعم بإمكاننا أن ننشئ حركة نسوية شرقية، بل هو واجب الوقت والعصر والزمان. واقتراحي يقول: لننظر إلى النِسْوية العربية أو الشرقية من منظور أعم هو: منظور الأسرة، وليس منظور الذكر وحده، أو الأنثى وحدها؛ ذلك المنظور الأحادي الذي يغفل العنصر الأكثر أهمية في المعادلة الذكورية الأنثوية: عنصر الأطفال: ذكوراً وإناثاً. يمكن أن نطلق على هذه النسوية المقترحة اسم: "النِسْوية الأسرية". ولدينا في التراث مفكرين وفلاسفة وفقهاء انتصروا لحقوق المرأة مثل الفقيه الفيلسوف ابن حزم الأندلسي. ولعل أوسع بحث عن "فقه المرأة"- من منظور النسوية الأسرية المعاصرة- هو بحث العلاَّمة السيد كمال الحيدري، الذي عالج هذا المنظور في أكثر من 250 حلقة، وكذلك بعض أبحاث العلاَّمة عدنان إبراهيم. إن أول انتصار للمرأة هو ذلك الذي قام به حَبْرُ الأمة وترجمان القران: ابن عباس، الذي فسر الآية المباركة: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة". فسر ابن عباس هذه الدرجة للرجال على النساء بأنها "درجة التسامح" والعفو إذا أخطأت المرأة، لا درجة التسلط والاستعلاء، بل درجة التسامح والتواضع والمسئولية. ويمكن أن نتخذ من هذه الآية الكريمة قاعدةً كلية نُؤسس عليها "النِسْوية الأسرية": "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" التسامح لا الاستعلاء والاستعباد.
* "في ختام، أود أن اتقدم بجزيل الشكر والعرفان إلى الهرمنيوطيقي العربي الأستاذ الدكتور شرف الدين عبدالحميد أستاذ الفلسفة اليونانية كلية الآداب بجامعة سوهاج، على مشاركته القيّمة خلال هذا الحوار الثري بآرائه وتحليلاته المتميزة حول هذا الموضوع على أمل بمزيد من الحوارات والأعمال المتميزة مع الهرمنيوطيقي العرب.
- الشكر لله ثم لك ولأسئلتك الذكية.
***
حاورته: د. آمال طرزان