حوارات عامة
فلسطين في السياق الدولي.. لقاء مع ريبيكا روث غولد
إعداد وتقديم: قصي الشيخ عسكر وصالح الرزوق**
الدكتورة ريبيكا روث غولد. أمريكية. تلقت علومها في جامعة كولومبيا - المنارة التي عمل فيها هشام شرابي وإدوارد سعيد وآخرون. ثم انتقلت إلى سنغافورة للتدريس. وبعد ذلك تجولت في أرجاء واسعة من المشرق، ومن بين المحطات التي توقفت وعملت فيها إيران وجورجيا - البحر الأسود وتركيا وسوريا قبل أن تحط الرحال في إسرائيل - وحسب كلامها كانت هذه المحطة هي الشمعة التي صنعت ثقبا في جدار الدعاية الغربية، ورأت من خلاله معاناة الإنسان الفلسطيني الذي سرقت منه دولة الاحتلال - ما تقول عنه حرفيا: الأرض والزمن الفلسطيني. وأثمرت هذه التجربة عن كتابها الذي صدر منذ فترة قريبة عن دار فيرسو بعنوان "إلغاء فلسطين*". أيضا للدكتورة غولد كتاب "السجن في الشعر الفارسي" و"مؤلفون وثوار" وهو عن شعر الحركات الإسلامية في القوقاز. وتعمل حاليا على كتاب عن الجنس والدولة والزواج. كما أنها تعاونت مع الإيراني الدكتور كايفن تهماسيبيان في ترجمة الشاعر الإيراني بيجان إلاهي إلى اللغة الإنكليزية. وحصلت معه مؤخرا على جائزة القلم الإنكليزي للترجمة من الفارسية. الدكتورة غولد حاليا أستاذة الحضارة الإسلامية والأدب المقارن في كلية الاستشراق ودراسات آسيا وإفريقيا في جامعة لندن. وفي هذا الحوار متابعة لمجمل القضايا التي تهتم بها، وفي المقدمة مشكلة فلسطين، وجعنا الدائم..
س: الوقت الحالي عصر الحروب الصغيرة والواسعة على ما يبدو. والنار مشتعلة من أوكرانيا حتى غزة. هل تعتقدين أنها مفتعلة لرسم حدود جديدة في المشرق؟. وكيف سيكون شكل عالمنا القادم؟ وهل ستظهر قوى إقليمية جديدة؟ وكيف استجاب الأدب لهذه التطورات وكيف تنبأ بها؟
ج: حقا نحن نعيش في وقت عصيب. الحرب لا تستعر في أوكرانيا وغزة فقط، ولكن أيضا في أثيوبيا، والسودان، والكونغو، وأماكن أخرى. وعدد من هذه الحروب تتبع نهج التطهير العرقي وتهدف لإفناء السكان أو تهجيرهم. ويبدو أن المجتمع الدولي عاجز عن إيقاف هذه الحروب. ويوجد عجز في إرادة أصحاب السلطة بالإضافة إلى مشكلة بنيوية داخل منظومة عملهم. وأعتقد أنه لدينا حل واحد لهذا الشلل الذي أصبحنا نشكو منه: أن نتجاوز مفهوم الأمة وأن لا نتعامل معه وكأنه مركز لهوية العمل السياسي، وأن نتخطى مفهوم السيادة الوطنية بحيث لا يكون الإطار الوحيد لنضمن به حقنا بالوجود.
الأنظمة التي تتذرع بدولة الأمة في استعمال قوتها تتسبب بخلل في النظام العالمي، فبعض الدول لديها القدرة لتحديد ظروف حياة غيرها. وعوضا عن إعطاء مصادر القوة لدول معينة مثل الولايات المتحدة، علينا تعزيز المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة. ويجب أن يكون في يد هذه المؤسسات آليات، بحيث يمكن لمحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية على سبيل المثال أن تحاسب فعليا من لا يحترم قراراتها. ولكن لسوء الحظ ليس هذا هو الحال الآن، ونحن نرى كيف أن إسرائيل لا تلتزم بمعايير محكمة العدل، وكيف أن المجتمع الدولي أخفق في الضغط على إسرائيل لتحترم توجيهات المحكمة وتوصياتها.
وللأدب دور أساسي في تشكيل وبلورة نظام عالمي جديد. النظام العالمي يأمل بشيء أبعد من دولة الأمة. ويعتبر أننا كلنا معنيون بغض النظر عن قوميتنا وديننا وعرقنا. والسجادة الممدودة في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك تحمل عبارة مشهورة للشاعر الفارسي سعدي وهي bani adam بمعنى يا أبناء آدم. شيء له معنى حتما. هذا الشاعر منذ القرن الثالث عشر قال وبالحرف الواحد: "كل بني البشر أعضاء في مجموعة واحدة/ ما داموا جميعا منذ البداية أتوا من ماهية واحدة". الخلاصة إذا قرأنا مؤلفات ظهرت في أماكن وعصور متباعدة سنلاحظ أنها تلفت نظرنا لما يلي: نحن في عالم أوسع من الأمة التي ننتمي إليها. والترجمة هي الوسيلة التي تجعل الأدب عالميا. وأمام دولة الأمة فرصة لتتعلم من تبادل النتاج الأدبي فهو يعمل كصمام لضبط المشاعر القومية.
س: عن الموضوع الفلسطيني. ألا تلاحظين أن فلسطين مقسمة. كيف نجحت إسرائيل في تجزئة شعب واحد إلى أمتين، وعزلت غزة وحدها؟.
ج: تجزئة فلسطين خطوة من عملية طويلة بدأت عام 1917 مع وعد بلفور. وهي حبكة القرن العشرين كله وكانت في ذهني حينما عنونت كتابي الجديد "إلغاء فلسطين". عام 1917 أعلنت الامبراطورية البريطانية أن فلسطين هي وطن لليهود. وفي عام 1948 منح 55% من أرض فلسطين لدولة إسرائيل الناشئة، ونجم عن ذلك النكبة وما ترتب عليها من تهجير قسري. في عام 1967 تطور تجزيء فلسطين على يد الاحتلال الإسرائيلي وشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. ومنذئذ كانت السيطرة على الضفة الغربية مستمرة بقوة الأمر الواقع. وتسارعت في السنوات الأخيرة خطوات الضم والإلحاق.
وتجزيء فلسطين في العقود التالية بعد 1967 تقريبا يتم من الداخل وليس بالغزو والحروب. كل شيء جرى بطريقة مواربة ولم يلفت بنفس الدرجة السابقة انتباه الإعلام الدولي. وقبل حرب إسرائيل على غزة عام 2023 كان من المستحيل على أبناء الضفة الغربية دخول غزة والعكس صحيح. مع ذلك لم تنجح إسرائيل بصناعة شعبين. لأن فلسطينيي الضفة وغزة وأراضي 48 التابعة لفلسطين التاريخية يرون أنفسهم حزمة واحدة. ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت تساعد على رعاية إحساس الفلسطينيين أنهم شعب واحد أينما كانوا وهذا سيستمر لعدة أجيال قادمة.
س: هل تعتقدين معي، ومثل إدوارد سعيد وفيصل حوراني، أن اتفاق أوسلو لم يحقق السلام، ولكنه تسبب بمزيد من الخذلان للعرب؟.
ج: صحيح. غالبا أفكر أنه على ساسة أمريكا أولا إذا رغبوا بالسلام فعلا في الشرق الأوسط أن يعتذروا للفلسطينيين عن اتفاقيات أوسلو. ولكنهم يواصلون الاهتمام لأنها نصر لأصحاب القرار في أمريكا. وما يسمى "حل الدولتين" الذي يدعو له صناع القرار في الولايات المتحدة هو ضمنا من اتفاقيات أوسلو لأنها تفترض حل الدولتين. والأسوأ أن اتفاقيات أوسلو أعادت عملية السلام إلى الوراء كثيرا. وللتوضيح أدخلوا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة نظام رقابة حرم الفلسطينيين من حرية الحركة، وحجزهم في جيب صغير يسمى "بانتوستانات". وهو مشتق من نظام جنوب إفريقيا العنصري. وكما ذكر رشيد خالدي كان لدى الفلسطينيين قبل اتفاقيات أوسلو المزيد من الحرية، ومع ذلك لا تزال الدبلوماسية الأمريكية تعتبر أنه نصر أحرزته.
بتقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى قطاعات A و B و C هذه الاتفاقية وقعت على قرار الضم إلى اسرائيل، وأصبحت فكرة إقامة دولة فلسطينية أصعب. والنتيجة تؤكد أن ما يسمى حل الدولتين مجرد ورقة توت لحقيقة بشعة. إنه خداع وتبرير اتبعه دبلوماسيو وسياسيو الولايات المتحدة لإخفاء دعمهم المطلق لنظام الفصل العنصري والاستعماري الذي يتبعه المستوطنون الإسرائيليون. وقد حان الوقت لأصحاب القرار الأمريكي للاعتراف بدورهم الضار الذي أدوه فيما يسمى عملية السلام. وهذا يتضمن الاعتذار عن الخدعة التي مرروها عبر اتفاقيات أوسلو وعن الطريقة التي اتبعوها لشرعنة سرقة إسرائيل للأرض الفلسطينية.
س: في كتابك "إلغاء فلسطين" توقفت مطولا مع ظاهرة العداء للسامية. ألا تعتقدين أن المسألة دفنت منذ عهد طويل مع موت هتلر. وأنها أجندا سياسية وإحدى نتائج الحرب الباردة. وما هي العبارة التي تقترحينها بدل هذا الكلام الذي لا رصيد له؟.
ج: سؤال مهم. طبعا كره اليهود مستمر. وحتى ما يسمى محبة اليهود - ويعني تعويم اليهود بالصور الشائعة - بحمل امكانية التعبير عن الكره لهم، لأن جذوره موجودة في الفكر العنصري والمتعالي على اليهود. وكما ترى في كلامي نكون بحال أفضل إذا استبدلنا عبارة العداء للسامية بمصطلح أفضل. العداء للسامية كما تعلم وضعه فيلهلم مار وكان هو معاد للساميين، والكلمة نفسها تمثل وجهة نظر دولية عنصرية.
وأفضل عبارة "العنصرية المضادة لليهود" لأنها تعبر بدقة عن الظاهرة. اليهود عانوا من العنصرية مثل المسلمين: تمت المبالغة بصفاتهم الفيزيائية وتم اختزالهم ليمثلوا جماعة محددة. وهذه عنصرية، ويجب ربطها بأنواع أخرى من العنصرية كي لا تبقى ظاهرة معزولة. في نفس الوقت اللغة تجعل تبديل الأفكار مهمة صعبة. وعبارة العداء للسامية متغلغلة جدا في الثقافة الأوروبية والأمريكية ولست متاكدة أنه يمكن استبدالها باصطلاح أدق في المستقبل القريب.
س: برأيك ماهو سبب اهتمام إيران بمشكلة فلسطين؟ هل دافع التحالف بين جمهورية إيران الإسلامية وحماس الدين أو المذهب أو السياسة؟.
ج: للإجابة على السؤال علينا التمييز بين الدولة وشعبها. في دول لا تتبع الديمقراطية الغربية مثل إيران يكون رأي القادة معزولا وحتى أنه يأخذ الجهة المعاكسة لرأي المواطن. من المؤكد أن زعماء الديمقراطيات الليبرالية في الغرب غالبا ما لا يمثلون رأي الشعب الذي يحكمونه، وبالأخص فيما يتعلق بالدعم العسكري لإيران، ولكن بشكل عام، تبذل الديمقراطيات وسعها لتمثيل آراء مواطنيها. إيران ليست ديمقراطية، والعلاقة مفصولة تماما بين آراء عامة الإيرانيين وكلام القادة السياسيين. وهذا أيضا حال رأي الشعب الأمريكي الذي يدعم وقف الحرب في غزة منذ شهور، ولكن بايدن يصر على تأييد إسرائيل.
الجواب على سبب دعم إيران للمقاومة الفلسطينية سهل. هذا يخدم مصالحهم. ويسهل مهمة تقديمهم كزعماء لحلف يعادي الغرب وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة. ويجب أن نلاحظ في هذا السياق أن الخطاب الموالي للفلسطينيين يسلح إيران من ناحية السياسة الداخلية، ويساعدهم بقمع أي عصيان داخل الجمهورية الإسلامية. مثلا الجماعة البهائية الممنوعة تلوث سمعتها في إيران وتتهم أنها "صهيونية". بالمثل نشطاء البيئة الإيرانيين يتهمون بالصهيونية وهذا الاتهام يستعمل كمبرر لسجنهم، مثلما سجن المعارضون السوفييت وأحيانا أعدموا بعد حفلة اتهموا فيها أنهم جواسيس أمريكيون. يجب رفض هذه الاتهامات وكشف أنها كاذبة لأنها كذلك. هذا لا علاقة له بإسرائيل ولا فلسطين وكل ما يهم الدولة الايرانية هو منع الثورات في الداخل.
وأيضا الإجابة على هذا السؤال تتطلب نظرة على معنى فلسطين في حياة الإيرانيين اليومية، فالاجابة معقدة. معظم الإيرانيين في الشتات يؤيدون فلسطين، ولا سيما الجيل الثاني الذي يعيش في شمال أمريكا وأوروبا. وينظرون لأزمة إسرائيل/ فلسطين من داخل صيغة عمل الإمبريالية الأمريكية. الإيرانيون في إيران يواجهون نوعا آخر من القمع فرضه زعماء الجمهورية الإسلامية ولذلك هم أقل حظا بدعم الكفاح الفلسطيني، وهم غير مقتنعين بتوظيف حكومة الداخل لهذا الموضوع في ضرب المعارضة الداخلية. بشكل عام هذه السياسة تفيد شعار "فرق تسد" والذي تفهمه جيدا الدول القوية. فهو يهم الإمبريالية الأمريكية وسلطات الجمهورية الإسلامية. بهذا المنطق يكون الكفاح من أجل السلام والعدل موزعا على جانبي الخطوط الوطنية. نحن المؤمنين بالتضامن مع الشعوب المظلومة علينا أن نجد طريقة لمقاومة التقسيم السياسي المسموم والذي يتسبب لنا بالشلل والعجز. س: هل من كلمة عن نشاط مركز البحوث الفلسطينية في كلية الدراسات الاستشراقية والآسيوية والأفريقية في جامعة لندن، مكان عملك، أي شيء عن الكادر والطلبة وبرامج التدريس. وهل يقدم المركز رؤية مختلفة للنزاع؟.
ج: مركز الدراسات الفلسطينية في "سواس" واحد من مركزين منخصصين بالشأن الفلسطيني في المملكة المتحدة. الثاني موجود في جامعة إكستر. تركز الدراسات الفلسطينية في "سواس"، أساسا ولكن ليس حصريا، على النقاط السياسية والقانونية. والمدير الحالي البروفيسورة دينا مطر باحثة معروفة في مجال الإعلام، وكانت مراسلة للشؤون الخارجية. بقية الاعضاء يشمل البروفيسور غيلبرت أشقر وهو معروف بكتابه "العرب والهولوكوست" 2010، الدكتور نمر سلطاني وهو باحث قانوني متخصص بالدستور والثورات العربية، البروفيسور لين ويلشمان باحث قانوني نشر مؤخرا كتابه عن جماعة حقوق الإنسان الفلسطينية "الحق". بالإضافة لاهتمام المركز بدراسة القانون ووسائل الإعلام والسياسة، يوجد أعضاء من كلية اللغات والثقافة واللسانيات ولهم علاقة بالمركز وأنا واحدة منهم.
أما ما يميز الدراسات الفلسطينية في "سواس" عن بقية المعاهد، أن موقعنا في لندن يسهل علينا الاتصال بمؤسسات أخرى في المدينة، ومنها كلية لندن الجامعية، وكينغز كوليج لندن، ومدرسة لندن للاقتصاد، وجامعة مدينة لندن. كل هذه الجامعات جزء من فيدرالية تضم سبع عشرة جامعة تسمى جامعة لندن. "سواس" - كلية الدراسات الاستشراقية والآسيوية والإفريقية - الجامعة الوحيدة بينها المتخصصة بالشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. ولذلك من المهم أن يكون مركز الدراسات الفلسطينية في لندن داخل "سواس". ونحن لدينا طاقم عمل وطلبة يمكنهم رؤية فلسطين من خلال نشاط ثقافة إقليمية مثل سوريا ومصر وإيران. وقيمة هذا التعاون المؤسساتي يظهر في سلسلة نشاطات نظمتها عدة جامعات ضمن فيدرالية جامعة لندن سميناها "ما عدا فلسطين Except Palestine".
وبانضمامي للمركز آمل إضافة جانب أدبي لبقية الدراسات. وهذا يشمل التذكير بأعمال أدباء فلسطينيين هامين مثل غسان كنفاني، وإبراهيم نصر الله، وفدوى وإبراهيم طوقان، وإلياس خوري. وهذا يعني أيضا إعادة النظر بالصهيونية والأدب الصهيوني انطلاقا مما يسميه إدوارد سعيد "موقع الضحية". وأعتقد أنه يجب التركيز على وجهة النظر الفلسطينية أثناء دراسة الصهيونية كما نفعل ونحن ندرس التجربة الفلسطينية ذاتها.
س: كتبت عن الأدب الفلسطيني المعاصر، مثل وسام الرفيدي وروايته "الأقانيم الثلاثة". ما رأيك بأدب المقاومة بشكل عام؟. وهل أدباء المقاومة حالات منفردة أم أنهم جزء من حركة أوسع تشمل أمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط؟
ج: لدي اهتمام عميق بأدب السجون في العالم. وأهتم بأدب المقاومة من هذه الزاوية. منذ الخمسينيات وما بعد أصبح أدب المقاومة ظاهرة عابرة للقوميات دعمها المترجمون والنقاد وكذلك الناشرون الراديكاليون. وألهمني بشكل خاص العلاقة بين الكتاب السود الثوريين مثل جيمس بالدوين وأنجيلا دافيس وروبن د. ج. كيلي والكتاب الفلسطينيين. وشارك كتاب أمريكا السوداء في فهمي للعنصرية وأنا أنظر لقمع الفلسطينيين بهذا المنظار. أدب المقاومة ليس دائما ظاهرة ضمير حي. للفلسطينيين عدة أساليب في المقاومة، سواء كان ذلك جزءا من التزام مبدئي بإيديولوجيا معينة أو لا. أو أنه ببساطة ممارسة لحرياتهم في الكتابة والمقاومة. وأنا أفكر بأدب المقاومة بهذا المعنى وأرى أنه مقاربة أدبية تتعالى على الظروف الاجتماع تاريخية. وهو موجود قبل ظهور الاستعمار وسيستمر لفترة طويلة بعد موت الاستعمار. بكلمات سوداء مخطوطة على جدار الفصل العنصري في بيت لحم حيث كنت أعيش تقرأ: "أنا موجود إذا أنا أقاوم". كتبت عن هذا الشعار الذي ألهمني مقالة بعنوان "تبلور المقاومة"
س: ما رأيك بانتقال مبدأ الكفاح المسلح من يد الشباب اليساريين العلمانيين إلى الشباب الإسلاميين المحافظين؟. هل هذا يبدل الأدوات الأدبية المعروفة؟ أين اختفى شعار "السلاح بيد والكتاب بيد"؟. هل تعتقدين أنه تلاشى مع صدام والقذافي وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي؟.
ج: الاصطفافات السياسية المتحولة والتحالفات كانت أوضح في الخمسينيات والستينيات مما هو حالها اليوم بعد عام 2020. وما ذكرته عن إيران سابقا يصح هنا. لسوء الحظ عدد من الحركات المعادية للإمبريالية والتي ألهمت الكتاب في الخمسينيات والستينيات تحولت الى أشكال دكتاتورية تخلت عمليا إن لم يكن نظريا أيضا عن التزامها اليساري السابق. وقد تنبأ المنظر المعروف فرانز فانون المعادي للاستعماربهذه النتيجة التي توقعها للحركات الناشطة في عصره. وحذر من مخاطر التقارب الشديد بين حركات التحرر والطموحات الدينية الراديكالية. وتوقع أن هؤلاء الثوريين الذين كسبوا أتباعهم من نقدهم للإمبراطوريات قد يكونوا ضحية لنفس الغواية التي أدانوا بها زعماء العالم الإمبريالي. وربما كانت إيران المثال الواضح على هذا المصير، ولكن ليس إيران وحدها.
في نفس الوقت، لدينا صدع في اليسار، ويدعونا لنتخيل خطأ أن إدانة إمبريالية الولايات المتحدة لا يتطلب إدانة القسوة التي يرتكبها السياسيون في سوريا، وإيران وروسيا. بالإضافة للتعقيد المتزايد والازدواجية الآنية في تحول حركة اليسار، علينا أن ننظر لأثر وسائط التواصل الاجتماعي.
بعد تسهيل وسائل التواصل للكفاح السياسي ضد الإمبريالية وجذب جمهور عريض بالمقارنة مع أجيال سابقة، تم تهميش معنى التضامن وتحول إلى مجرد كلام، وليس فعلا يتطلب التضحية. بالنسبة للصيغ الأدبية ربما أنا مخطئة، لكن أعتقد أنها كما هي بكل أشكالها الهامة. باستثناء إحداث أنواع جديدة، ولا سيما بعد تداول هذا الأدب بوسائل غير مسبوقة. ونحن لسنا بحاجة بعد الآن للاتكال على القنوات التقليدية في الانتشار.
هذه هي التحديات التي نواجهها اليوم. كل عصر وله تحدياته الجديدة في النضال ضد الشر الذي يرتكبه الحكام. بمعونة من الأدب والشعر سنجد طريقنا.
***
................
*عنوان الكتاب Erasing Palestine. الناشر دار Verso. الولايات المتحدة ولندن 2023.
** ملاحظة: قد لا تعبر مجمل الأجوبة والآراء الواردة عن رأي معدي الحوار. ولا سيما فيما يخص شؤون الشرق الأوسط ومعنى السلام. اقتضى التنويه.