حوارات عامة
أبوالحسن الجمال: مع الكاتبة رانيا عدلي وولع بالأندلس
في التاريخ عبرة وعظة وفكرة ومنهاج، البحث فيه شاق، ولابد لمن يتصدى لكتابة التاريخ أن يتسلح بأدواته التي تعينه على البحث والاستقصاء في التاريخ، وأول هذه المقومات أن يكون محايداً وموضوعياً ومتجرداً من الأهواء والعواطف والميول الذاتية، ويتميز المؤرخ باستقلال شخصيته وعدم تسليمه الكامل بكل ما يقرأ ويطلع عليه من وثائق وأوراق، والمشقة تزيد عندما يقرر المؤرخ أن يكتب لعامة المثقفين والقراء العاديين، ويبذل في هذا قصارى جهده ويضهم المادة التاريخ ويقرأها مرات ومرات حتى تستوى إليه، ثم يبرزها للمتلقي في لغة جامعة مانعة، مع الحفاظ على الصدق والحقيقة التاريخية.
وفي السطور التالية نلتقي مع الباحثة رانيا عدلي؛ التي تنتمي إلى مؤسسة عريقة هي مؤسسة الأزهر الشريف، فدرست العلوم العربية والإسلامية والتي تخّدم على مجال التاريخ، فتكّون لديها زاداً كثيراً أعانها على كتابة الفصول التاريخية فيما بعد، ووقعت في حب الأندلس، وهو حب سيطر عليها وطغى منذ أن كانت في المرحلة الثانوية وعندما التحقت بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، اختارت مجال التاريخ، ولما حصلت على الليسانس لم تكتف بهذا القدر من التعليم ولكنها أكملت دراساتها العليا في مجال التاريخ الأندلسي، وحصلت على الماجستير، وهي الآن باحثة دكتوراه، وخلال رحلتها القصيرة أمدت المكتبة العربية بالعديد من الكتب التي تماست مع شريحة كبيرة من القراء فأقبل الناس علي هذه النوعية من المؤلفات، يدفعهم شوق إلى الأندلس "الفردوس المفقود" وحاضرته الزاهرة مدينة قرطبة، مشعل التنوير في أوربا كلها في العصور الوسطى، ثم انتقلت لتحدثنا عن "رجال صنعوا التاريخ الأندلسي" على مدار ثمانية قرون في هذه الجنة الوارفة التي مازالت تعبق بعطر الحضارة الإسلامية المعطاة، رغم ما بذله الإسبان من الجهود المضنية في اقتلاعها على مدار خمسائة عام وخاب سعيهم، وختمت الثلاثية الأندلسية مع مملكة غرناطة، أخر معاقل دولة المسلمين في الأندلس والتي استمرت قرابة قرنين ونصف فكتبت "الوراقة والوراقون ومجالس الآمالي ودورها في الحياة العلمية بغرناطة"، ولم تنس المشرق الإسلامي في خضم هذه الرحلة، فكتبت كتاب "دروب ومسالك"، حيث تحدثت عن عدد من أعلام المشرق الذين كان لهم بصمة واضحة في ازدهار الآداب والعلوم الإسلامية من أمثال: الجاحظ، وابن خلدون، وفي جعبتها الكثير فهي مشعل نشاط، ولديها الكثير من المشروعات في قابل الأيام والشهور...
ولع بالأندلس..
* متى بدأت رحلتك مع الأندلس ولماذا اخترت مجال الإبداع مع انك باحثة بالأساس؟
- الولع بالتاريخ الأندلسي بدأ منذ كنت في المرحلة الثانوية، كان أحد البرامج التلفزيونية يتحدث عن التاريخ الأندلسي، من يومها أحببت القراءة والتعمق في هذا التاريخ، ولكن لم يتثنى لي القراءة والتعمق فيه إلا عقب دخولي الجامعة، حيث اخترت الانتساب لكلية الدراسات الإنسانية - قسم التاريخ، وعقب انتهاء المرحلة الجامعية اخترت الانتساب لتخصص التاريخ الإسلامي باعتبار أن التاريخ الأندلسي ينضوى تحت لواءه، ثم كانت رحلتي في رسالة الماجستير في التاريخ الأندلسي، وكذلك الدكتوراه التي ما زلت بصدد العمل عليها
*هل الإبداع والبحث العلمي وجهان لعملة واحدة أم بينهما تضاد؟
- الكتابة الأدبية أو ما تطلق عليه حضرتك الإبداع يختلف بكل تأكيد عن الكتابة الأكاديمية ممثلة في منهج كتابة البحث العلمي، ووجه الاختلاف بينهما أن الدراسات الأكاديمية والبحوث العلمية غالبا لا يقرأها إلا المتخصص أو من يرغب أن يتخصص في التاريخ، وذلك نظرا لصعوبة أسلوبها بالنسبة القارئ العادي وغير المتخصص، أما الكتابة الأدبية فالهدف منها أن يستطيع كل شخص أيا كان تخصصه قراءة التاريخ والاستفادة منه والاستمتاع بالتعمق فيه، ونظرا لذلك تأتي الكتابة الأدبية مبسطة قدر المستطاع مع عدم إغفال ربطها بالواقع الذي نعيشه، لأن في النهاية إن لم يكن الهدف من قراءة التاريخ: الاستفادة والتعلم من تجارب من سبقونا فهذا يعني أننا نضيع وقتنا وجهدنا فيما ليس منه فائدة ولا من ورائه طائل..
* قرطبة.. لماذا قرطبة بالذات؟
- لم يكن كتاب "قرطبة عروس الأندلس" هو العمل الوحيد عن الأندلس، بل سبقه كتاب "رجال صنعوا التاريخ" وهو يتحدث عن مجموعة من حكام الأندلس الذين كان لهم بصمة واضحة في صناعة التاريخ الأندلسي، وشمل الكتاب الإشارة إلى إيجابيات وسلبيات كل شخصية من شخصيات هؤلاء الحكام .. أما كتاب "قرطبة عروس الأندلس" فهو بداية للحديث عن المدن الأندلسية باعتبار إن قرطبة كانت عاصمة الخلافة في الأندلس، بمعنى هذا لا يمنع أن كان في العمر بقية سيكون لي بإذن الله جل وعلا أعمال تتحدث عن المدن الأندلسية الأخرى، مثل غرناطة، وإشبيلية، وطليطلة وغيرها.
* من قدوتك في هذا المجال؟
- أساتذتنا الأفاضل الذين تتلمذنا على مؤلفاتهم مثل د. محمد عبد الله عنان صاحب الموسوعة الزاخرة دولة الإسلام في الأندلس وغيرها من الدراسات الأندلسية الرائدة ود. حسين مؤنس صاحب المؤلفات القيمة والتي لا زلنا وسنظل لا غنى لنا عنها في أي دراسة أندلسية، مثل "فجر الأندلس"، و"معالم تاريخ المغرب والأندلس" وغيرها من المؤلفات ود. الطاهر مكي، ود. أحمد مختار العبادي، و د. عبد الرحمن الحجي وغيرهم من القامات العلمية التي كانت لها بصمة واضحة وبارزة ولا زالت بصمتها موجودة عن طريق ما سطرته يداها في التعريف بدقائق التاريخ الأندلس.
* اقصد من مبدعي الرواية التاريخية؟
- أنا لم أكتب في الرواية التاريخية، أعمالي كتب تاريخية بصياغة أدبية وليست أكاديمية حتى يستطيع فهمها واستيعابها ومن ثَمَٰ يستفيد منها أي شخص أيا كان مجال تخصصه، بمعنى الهدف من أعمالي هو انزال التاريخ لأرض الواقع، وذلك عن طريق ربطه بالواقع الذي نعيشه، حتى لا تكون قراءة التاريخ مجرد المباهاة بأننا نعرف قصة هذا الأمير أو ذاك، أو نعلم تاريخ هذه البلدة أو تلك، كما أنه ليس الهدف من قراءة التاريخ هو البكاء على اطلال ماضي عفى عليه الزمان، وإنما الهدف من دراسة الماضي بالدرجة الأولى هو فهم واستيعاب الحاضر ومن ثَمَٰ استشراف المستقبل
*هل تنوين الكتابة عن جغرافيا أخرى من حقب التاريخ؟
- نعم وبدأت ذلك بالفعل، حيث أن كتابي "دروب ومسالك" الصادر عن دار كتوبيا للنشر والتوزيع في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021 أول عمل لي يحلق بعيدًا عن الأندلس، حيث يتحدث عن عدد من أعلام المشرق الذين كان لهم بصمة واضحة في ازدهار الآداب والعلوم الإسلامية مثل، الجاحظ، وابن خلدون، وسيكون هذا العمل بداية لسلسلة تتحدث عن أعلام المسلمين في المشرق بإذن الله جل وعلا.
أبوالحسن الجمال