حوارات عامة
علي محمد حسن: يحاور الكاتبة والروائية الاماراتية: إيمان اليوسف
ربما لم يأتِ الاهتمام أو التركيز على علاقة المرأة والكتابة بشكل مباشر في البدء، لكنه فرض نفسه. بمعنى، حين بدأت الكتابة (ولا زلت) كان أكثر ما يشغلني هو الانسان. القضايا التي تهز الإنسان، التي تؤثر فيه ويتأثر بها والتي تبنيه ويبنيها. العالم قائم في تاريخه وجغرافيته على وحدة أو قطعة الموزاييك الأعظم فيه وهو الإنسان. هذا ما صرحت به الكاتبة إيمان اليوسف في الحوار الذي اجريته معها كما اخبرتنا عن تأثرها الكبير بالثقافات الغربية بدرجة كبيرة . كما اعربت إيمان عن ايمانها بعدالة الأدوار للجنسين وبانها فلسفة أعمق وأصدق من المساواة. بالاضافة الى انها اخبرتنا برأيها عن ماذا تحتاج المرأة لتكتب.
ولدت الكاتبة في عام ١٩٨٧ في دولة الامارات العربية المتحدة. مدربة جرافولوجي ومهندسة كيميائية. درست في الجامعة الأمريكية في الشارقة وحصلت على دبلوم في الدبلوماسية الثقافية في عام ٢٠١٧ في برلين. وهي أيضاً عضو إداري في إتحاد كُتاب وأُدباء الأمارات.
صدرت لها روايتين (النافذة التي أبصرت) و(حارس الشمس) بالإضافة إلى ثلاث مجموعات قصصية. وقد فازت روايتها (حارس الشمس) على جائزة الإمارات للرواية لعام ٢٠١٦ والتي ترجمت الى سبع لغات. ومن الجدير بالذكر أن إيمان اليوسف أول إماراتية إختارتها جامعة آيوا في الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على الزمالة في الكتابة الإبداعية.
الحوار:
يقال أن "الكتابة نوع من الترجمة والنص الذي يجب ترجمته هو أنت" ويقال أيضا أن " الكتابة ليست الا حلما موجها"
1- ماذا تعني لك الكتابة؟
- مررت مع الكتابة بأكثر من مرحلة مختلفة. جاءت في البداية كنوع من أنواع البحث عن الذات. إذ حين بدأت القراءة في عمر مبكرة جدًا كنتُ من خلالها أبحث عن إجابات للكثير من الأسئلة التي لم يكن بإمكان الأسرة أو المنظومة التعليمية الرد عليها. كنت طفلة شديدة الفضول، أتساءل عن كل شيء طوال الوقت. ومن حسن حظي اكتشفت المكتبة العامة التي يفصلها عن بيتنا شارعان فقط.
لم آتِ من أسرة توفر مكتبة في بيتها ولا شغوفة بالقراءة، لذا قضيت الكثير من الوقت في المكتبة أقرأ كل ما يطيب لي. في فترة مبكرة أيضًا وجدتني أبحث عن ملاذ. أحببت أن أصنع عالمًا أغرق فيه كما العوالم المختلفة التي كانت تسحبني كحفرة أليس في بلاد العجائب من الروايات التي قرأتها في المكتبة. أردتُ أن أصنع عالمًا من اختياري. أصب فيه جنوني كله. اكتشفت لاحقًا مع تتابع إصداراتي الأدبية، أن الكتابة بالقدر الذي كانت فيه الملاذ والمأوى والمهرب، كانت الرحلة إلى الذات. وجدتني أكثر وعرفتني عن قرب مع كل سطر خطه قلمي.
الكتابة بالنسبة لي أساسية، كما المأكل والمشرب. طوال مسيرتي المهنية قدمت الكثير من التضحيات، لأتمكن من الاستمرار بالكتابة. وحين كُنت أُخير بين الكتابة وأي شيء آخر على مختلف مراحل عمري، كانت الكتابة تفوز دائمًا.
هي ببساطة غايتي وهدفي ورسالتي في الحياة.
2- من هو/ هي مصدر الالهام لإيمان اليوسف؟
- تُلهمني التفاصيل التي يغفل عن رؤيتها الناس. في روايتي الأولى "النافذة التي أبصرت" ألهمني لكتابة مدخل الرواية رجلٌ يحمل باقة من الزهور البرية. كان يعبر الشارع. تساءلت يومها، هل هذه الباقة بداية العلاقة أم نهايتها؟ أعني، هل هي لمصارحة امرأة بحبه، هدية لزوجته؟ أم أنها اعتذارٌ لها ورحيل؟ وأدركت أن في التفاصيل الكثير مما لا يُقال. في التفاصيل، كل الحكاية. في الوقت ذاته، أُصاب بالإلهام حين يستفزني أمرٌ ما كما حدث معي قبل كتابة روايتي الثانية والحائزة على المركز الأول لجائزة الإمارات للرواية "حارس الشمس"، إذ كنت حينها أتابع الأخبار، واستفزني بل وأغضبني بشدة ما يحدث في الموصل على يد الجماعات الإرهابية خاصة حين أقدموا على تفجير جامع النبي يونس عليه السلام. ضياع الأثر الذي يشكل ثروة للإنسانية جمعاء، القصة التي تقف شاهدًا تاريخياً، الظلم الذي يتجرعه العراق كله أحزنني جدًا حتى لم أتمكن من النوم جيدًا لمدة أسابيع بعدها.
بحثتُ في أمر الكنوز التي توجد مدفونة تحت جامع النبي يونس كما توضح بعض رحلات التنقيب البريطانية في العراق قديمًا. كنوز تعود إلى سرجون الأكديوسنحاريب. ثيران مجنحة ضخمة بعيون من ياقوت وزمرد. حدائق بابل المعلقة المدفونة تحت هذه الأرض المباركة. كله دفعني للكتابة. أردت للعالم أن يعرف الحقيقة. وبالفعل فازت الرواية بالجائزة وتمت ترجمتها إلى ما يقارب السبع لغات عالمية.
إذًا، فإن ما يُلهمني ليس بالأشخاص تحديدًا بقدر ما تُلهمني التفاصيل والقضايا الإنسانية والوجع البشري بالدرجة الأولى.
3- هل حققت المرأة الاماراتية كل أو بعض من طموحاتها فيما يخص دورها الاجتماعي؟
- المرأة الإماراتية امرأة قوية بطبيعة تكوينها وبما جادت عليه بيئتها وتاريخها. كانت تتولى مهام التجارة والأسرة كاملة حين غياب الرجل في رحلات الصيد والغوص من أجل اللؤلؤ قديمًا والتي كانت تمتد شهورًا طوال. اليوم، وبفضل هذه القوة بالإضافة إلى دور الحكومة الرشيدة والداعمة للمرأة بكل قضاياها وشؤونها، تطورت حقوق المرأة ووضعها سواء الاجتماعي أو المهني من التمكين إلى تمكين المجتمع من خلالها.
أصغر وزيرة في العالم هي من وزيرة الشباب الإماراتية، الوزيرة شما المزروعي. وزارة السعادة تقودها وزيرة هي معالي عهود الرومي. بالإضافة إلى تولي وزيرة العلوم المتقدمة معالي سارة الأميري مهمة مسبار الأمل الذي تم إطلاقه إلى كوكب المريخ منذ عدة شهور ويُعد الوصول الأول للعرب جميعًا إلى الفضاء. إن الإمارات تثق بالمرأة، توليها الحكومة والقيادة الحكيمة مهام عظيمة. تعمل المرأة بشكلٍ مساوٍ للرجل في شتى الميادين مع الحفاظ على حقوقها من إجازة للوضع وتسهيلاتٍ في حضانة الطفل وتسهيلات حديثة فرضتها مهامهن برعاية وتدريس أطفالهن بعد تحول التدريس من الحضور الشخصي في المدارس إلى الدراسة عن بُعد تحت الظروف الصحية الاستثنائية التي يشهدها العالم.
في المشهد الأدبي والثقافي، تتصدر المشهد المرأة من خلال غزارة الإصدار والنتاج وصولًا إلى الجوائز وحتى ريادة حركة النشر والترجمة.
4- أغلب وسائل الاعلام تسلط الضوء على البناء العمراني في دولة الامارات. جئت الى هنا لأسلط الضوء على دور الدولة في بناء شخصية المرأة الاماراتية.كيف ساهمت الدولة في هذا الامر؟
- تم الرد على هذا السؤال ضمن إجابتي على السؤال قبله (سؤال 3)
5- عندما أطلعت على سيرتك الذاتية، كما نقول باللهجة العراقية " عين الحاسود بيها عود" لاحظت انك قطعتي اشواطا طويلة في البحث والدراسة عن دور الكتابة وعلاقته بالمرأة والطفل. ما أهمية هذه العلاقة؟
- ربما لم يأتِ الاهتمام أو التركيز على علاقة المرأة والكتابة بشكل مباشر في البدء، لكنه فرض نفسه. بمعنى، حين بدأت الكتابة (ولا زلت) كان أكثر ما يشغلني هو الانسان. القضايا التي تهز الإنسان، التي تؤثر فيه ويتأثر بها والتي تبنيه ويبنيها. العالم قائم في تاريخه وجغرافيته على وحدة أو قطعة الموزاييك الأعظم فيه وهو الإنسان. حين أكتب فأنا آتي بالأحداث السياسية (كما في رواية حارس الشمس)، التاريخية (كما في رواية النافذة التي أبصرت) أو النفسية والسايكولوجية والميثولوجية (كما في قيامة الآخرين) أو حتى السوريالية والفانتازية كما في مجموعتيّ القصصيتين _طائر غي حوض الأسماك وبيض عيون) ثم أسلط الضوء على الحلقة الفاصلة والنقطة الأهم في هذا كله، الإنسان. ولأن بذرة الإنسانية الأكثر خطورة وحساسية والتي تحمل في جوفها الطاقة الأكبر هي الطفل، ولأن المرأة عانت وتعاني بصورة أكبر في كل المتغيرات من حولنا وغالبًا هي العنصر الذي لا يملك أن يقرر كما يحدث للرجل، فإن علاقة المرأة والطفل بالإنسانية وبالتالي الكتابة والأدب أقوى.
لكل من يكتب لإيصال صوت الضعيف أو لمن يود نقل القضايا الإنسانية الأعمق سيجد نفسه في مواجهة صريحة مع قضايا المرأة والطفل بالصورة الأكبر وهذا ما حدث معي.
أيضًا، فقد درست الكتابة كعلاج وجزء كبير منها قائم على نشأة الإنسان وبدايته في مراحل الطفولة المتقدمة بالإضافة إلى دول المربي الذي غالبًا يكون الأم أي المرأة وهنا نفتح بوابة قضايا المرأة والطفل من جديد.
6- من خلال دراستك في أميركا، هل تأثرت بالثقافة الغربية وكيف؟
- كلنا متأثرون بالثقافات الغربية بدرجة كبيرة. كلنا كقراء وكتاب نقرأ وقرأنا كلاسيكيات الأدب والكثير من الأدب المترجم هذا بالإضافة إلى تأثر الفرد في الوقت الراهن بالثقافات وخاصة الغربية لانفتاح العالم وقربه الشديد. كل ما يحدث حولنا إنما يقربنا أكثر من بعضنا البعض، أكبر مثال على ذلك الظروف الاستثنائية التي عشناها منذ عام 2020 والتي سهلت تقارب العقول وقصرت سبل الحوارات والنقاشات وتبادل الأفكار من خلال عدم الاحتياج للسفر لحضور ندوة ما أو لدخول متحف أو معرض بعد أن قدمت الكثير من الصروح الثقافية والفنية والأدبية فرصة التجوال الافتراضي داخلها متاحة للجميع.
لكن، من خلال تجربتي في البرنامج الدولي للكتاب والذي تقيمه جامعة آيوا في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يعد أعرق وأقوى برنامج كتابة إبداعية في العالم حيث تأسس وبدأ نشاطه منذ عام 1967 وأُعد أول كاتبة إماراتية وخليجية يتم اختيارها في هذا البرنامج عام 2018، من خلاله تمكنت من الاطلاع على أعمال ونتاج وفكر ثلاثين كاتبة وكاتب من مختلف دول العالم. تعد هذه التجربة ثرية بشتى المقاييس. تعرفت من خلال تدريسي للغة العربية في جامعة وسترن كنتاكي في الولايات المتحدة الأمريكية بموجب منحة الفلبرايت العريقة للعام الدراسي 2020 – 2021 أيضًا على الكثير حول الثقافة الأمريكية والأدب الأمريكية، الأمر الذي يعد استفادة عظيمة لي كأديبة وكمتخصصة وباحثة في مجال الدبلوماسية الثقافية. أيضًا، فإن التأثر يخالطه التأثير، أي أنني أثرت في طلابي وفي الكتاب والأدباء والأكاديميين ونقلت لهم تجربتي وثقافة وطني وهويتي، وهذه هي القوة الناعمة في أبهى صورها.
7- ما هو رأيك بالروائيات العربيات واسهاماتهن؟
- لست بموضع النقد والتقييم ولا أملك حق ذلك. لكن، كأديبة وقارئة أعبر عن ذائقتي الشخصية ورأيي الشخصي ببساطة، فمن الصعب حصر تجارب الكاتبات العربيات جميعهن. المرأة حين تكون كاتبة فهي انعكاس لقضيتها وقضية بيئتها وهويتها، والوطن العربي يتسع ليشمل العراق من شرقه إلى دول الخليج العربي والشام ومصر والسودان ودول المغرب العربي. يمكنني الحديث عن الكاتبة الإماراتية، التي أثبتت بجهودها وقلمها ما أثبتته سابقًا بدورها في غياب الرجل من تحمل للمسؤولية المجتمعية والاقتصادية وتكيف مع بيئة صعبة وشاقة كبيئة الإمارات. هناك عدد من الأقلام القوية الإماراتية التي ترجمت أعمالهن لمختلف لغات العالم وتستحق إصداراتهن الاطلاع والقراءة منهن نادية النجار والتي غطت الكثير من القضايا الإنسانية في رواياتها كما تحدثت عن قضية غرق السفينة دارا في ستينات القرن الماضي في روايتها ثلاثة الدال وتعد من أروع من كتب للطفل. أيضًا الكاتبة ريم الكمالي والتي كتبت في مجال الرواية التاريخية وأبدعت مثل رواياتها: سلطنة هرمز وتمثال دلما وصدر لها مؤخرًا يوميات روز. بدرية الشامسي من أروع الكاتبات خاصة في خط الكتابة للطفل وفي أدب اليافعين الكاتبة أميرة بوكدرة. هناك أيضًا، الكاتبة عفراء البنا والتي نشرت مجموعة قصصية فيها سلطت الضوء على الكثير من القضايا الإنسانية المسكوت عنها في مجموعتها القصصية "سرير أبيض" كما وتملك دار نشر ومكتبة باسم "غاف". هناك من القاصات الجيدات الكاتبة مريم الساعدي وباسمة يونس ومن الروائيات المتمكنات من قلمهن الكاتبة لولوة المنصوري وزهراء موسى وصالحة عبيد وميسون صقر ووداد خليفة لرائعتها زمن السيداف ومن الكاتبات من جيل الرواد مريم جمعة فرج رحمها الله وشيخة الناخي وغيرهن كثيرات، ومن الرائدات والمتفردات في أدب الخيال العلمي نورة النومان. القائمة تطول وهناك الكثير من الكاتبات الإماراتيات اللاتي تركن بصمات متفردة في خارطة الأدب العربي والعالمي.
8- كيف واجهت إيمان اليوسف التحديات الاجتماعية والاعراف لتصبح كاتبة لها صدى واسع؟
- كنت موفقة ومحظوظة بأسرة داعمة ومتفهمة وبدولة ذات قيادة تدعم الكاتبة والمرأة في شتى الميادين وتذلل له العقبات والصعوبات، ولولا دعم قيادتنا الرشيدة وثم وأسرتي المتمثلة بشكلٍ أكبر بوالدتي لما كنت الكاتبة التي أنا عليها اليوم. لكن، لا يخلو الأمر من التحديات والصعوبات التي يجدها كل من يختار أن يمتهن الكتابة. الكتابة والأدب للأسف لا تُعد وظيفة، لذلك فإن إيجاد الوقت والتفرغ للعمل الأدبي باهظ ومكلف وصعب، هذا بالإضافة إلى عدم وجود فكرة الوكيل الأدبي في عالمنا العربي، وبالتالي على الكاتب الخوض وحيدًا في هذه المياه الصعبة للمشهد الأدبي والثقافي بالإضافة إلى حمل مسؤولية عمله ونتاجه الأدبي منفردّا، بمعنى آخر أنا حين أكتب مسؤولة عن تسويق عملي الأدبي والمتابعة بحفلات التوقيع والندوات والأمسيات والتي غالبًا لا توفي الكاتب والأديب حقه وقد تحدثت عن هذا بشكل مباشر ومستفيض في سلسلة فيديوات أقدمها عبر قناتي على اليوتيوب.
أملك في شخصيتي الكثير من الإصرار والمواظبة على العمل الدؤوب والبحث والكفاح. ولو لا هذه الصفات، لما تمكنت من النجاح ولله الحمد. مهنة الكتابة شاقة ومجال الأدب صعب والتحديات فيه متواصلة.
9- يقول الراحل نزار قباني: أريد أن اسأل " لماذا في بلادنا تقف النساء ضد حرية النساء؟" . هل تؤمن إيمان اليوسف بمناصفة الادوار الاجتماعية والسياسية مع الرجل؟
- أؤمن بعدالة الأدوار للجنسين وهي فلسفة أعمق وأصدق من المساواة. للمرأة حقوق وواجبات ودور لا يمكن لغيرها أن يلعبه ويقوم به، كما أن لها حرية الاختيار وتقرير ما تريده. لا يمكن لأي مجتمع أن يقوم إلا بتكامل دوريّ الجنسين معًا. هما يكملان بعضهما البعض في أدوارهما الاجتماعية كذلك، إذ لكل منهما تكوينه ومساحته وتناغمه والدور الذي لا يمكن للآخر أن يلعبه بالطرق أو الكيفية ذاتها.
10- دولة الامارات العربية المتحدة منفتحة على العالم وتمتاز بتنوع الثقافات أي ان هناك تلاقي بين الثقافات الغربية والافريقية والاسيوية والعربية، كيف ترى إيمان اليوسف تأثير هذا التنوع على شخصية المرأة العربية بصورة عامة؟
- دولة الإمارات تتصدر وفقًا للمؤشرات العالمية المراتب الأولى في القوة الناعمة والسعادة. من استراتيجيات ودعائم القوة الناعمة التي تقوم عليها هي التسامح وقد خصصت عامًا لذلك ومبادرات منها البيت الإبراهيمي. تعيش وتتعايش في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 220 جنسية مختلفة بانسجام وتسامح وهذه معادلة صعبة التحقيق في كثير من دول العالم.
هذا يشكل ثراءً للكاتب والأديب والمبدع خاصة في ظل الاهتمام المتزايد للدولة في هذا المجال بعد العمل على الإقامة الذهبية والاقتصاد الإبداعي. أثناء نشأتي ومن خلال مسيرتي التعليمية والأكاديميةوثم المجال الوظيفي والأدبي والثقافي، كنتُ محظوظة بالاختلاط والاحتكاك بالعديد من الجنسيات المختلفة والثقافات من مختلف دول العالم مما لعب دورًا فاعلًا وهامًا سواء في مقدرة قلمي على رؤية "الآخر" وفهم "المختلف" والقدرة على رؤية القضايا الإنسانية على تعددها واختلافها وتنوعها. كما وقد أسهم في مقدرتي على البحث في مجال الدبلوماسية الثقافية الذي أتخصص فيه.
11- تقول الراحلة فيرجينيا وولف" لكي يكتبن،النساء بحاجة الى دخل مادي خاص بهن وغرفة مستقلة ينعزلن بها للكتابة". إيمان اليوسف مختصة في الكتابة الابداعية " Creative Writing"، وهنالك الكثير من النساء اللاتي يحملن فلسفة خاصة ورغبة في كتابة الرواية. برأيك ماذا تحتاج المرأة لتكتب؟
- هذه المقولة الخاصة بالكاتبة فيرجينيا وولف والمقتبسة عن مقالة لها، هي من أقرب الاقتباسات الأدبية إلى قلبي وأصدقها إلى اليوم. للأسف، لا تزال الكتابة وهي من أنبل وأهم ما قد يُمارس، لا تزال لا تُعد وظيفة بمعنى أنها لا تُوفر الاستقرار المادي لصاحبها وهذا ينطبق على الجنسين ممن يرغب في امتهان الكتابة.
الكاتب الجيد بحاجة للكثير من الوقت والتفرغ والانقطاع ليتمكن من البحث والكتابة وإعادة الكتابة والتدقيق، كما ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد بعد صدور مُنتجه الأدبي للعمل عليه ومناقشته وتسويقه وذلك لغياب الوكيل الأدبي وضبابية دور الناشر في أغلب الحالات. في الوقت ذاته فإن الكتابة والكاتب والفن من الدعائم الهامة والمحورية التي يقوم عليها المجتمع والدولة. أدركت هذه الحقيقة الدول العظمى اليوم، لذلك تخصص ميزانية ومبادرات وجهود خاصة للعمل على زيادة الناتج المحلي العام الخاص بقطاع الأدب والفن. بالإضافة إلى أن الآداب والفنون توثق وتسوق وتخلد ثقافة وهوية الشعوب وتلعب دورًا حساسًا جدًا وهامًا في الكثير من القضايا العالمية وفقًا لتخصصي في مجال التسويق الأممي والدبلوماسية الثقافية. بعد هذا كله، فإن الكاتب وإلى اليوم بحاجة إلى الاستقرار المادي ولا أعني الوظيفي، ليتمكن من الإنتاج بفاعلية وجودة وبحاجة إلى مساحته الشخصية المخصصة له وهو ما تعنيه فيرجينيا وولف بقولها "غرفة" خاصة. بالطبع، فإن الوضع في حالة المرأة أكثر صعوبة وتحديًا لكي يتحقق، فنحن نعرف الكثير من الشعراء والكتاب ممن وقفت زوجاتهم معهم لدعمهم وتوفير المساحة الخاصة والوقت الخاص للكتابة، لكن لا نسمع عن المثل في حالة المرأة.
على النساء المبدعات من فنانات وأديبات حمل مسؤولية بيوتهن وأبنائهن وأزواجهن، مسؤولية اجتماعية شاقة دون دعم مما يصعب عليهن مهمة التفرغ للإنتاج الأدبي. قليل منهن من يحصلن على دعم معنوي واجتماعي ومادي مع الأسف.
أذكر كاتبة بدأت مدخل مسرحيتها التي فازت بالمركز الأول لجائزة مجلة دبي الثقافية خلال سنوات صدورها بـالشكر لزوجها وولديها "على كل ما فعلوه بها، كلما أمسكت بالقلم لتكتب" وهي عبارة ساخرة ومؤلمة في الوقت ذاته.
12- هل من الممكن ان تخبرينا عن طقوسك في الكتابة؟
- أنا كاتبة ليلية. حاولت الكتابة في فترات مختلفة من اليوم، لاكتشف أنه لا شيء يضاهي عندي سكون الليل والاحساس اللذيذ الذي يعطينيه بملكية الذات والوقت. فكرة أني استيقظ وحدي مع النجوم والسماء والظُلمة والناس نيام.
أيضًا، فأنا أخاف أثناء الكتابة، خاصة في المراحل الأولى من كل عمل أدبي، لذلك من طقوسي تشغيل التلفاز وكتم صوته، إذ أكتفي بالصور التي تُشعرني بالاطمئنان.
13- تقول أحلام مستغانمي: " ما نريده من الرجال لا يباع ولا يمكن للصين تقليده وإغراق الاسواق العربية ببضاعة رجالية تفي بحاجة النساء العربيات". من خلال تأثير الحركات النسوية،هل بدأ الرجل العربي يدعم المرأة في تحقيق اهدافها؟
- هناك تزايد في وعي الرجل والمرأة بأهمية المشاركة في نجاحات بعضهما البعض وفي الدور الهام الذي يلعبه كليهما في تكامل الآخر وتكامل العلاقة وفي مسيرتهما معًا مما يعود بالنفع على الطرفين وعلى الأسرة ككيان. لذلك، فاليوم نجد نسبة الرجال الداعمين لزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم في ازدياد. مع ذلك، وحتى نكون منصفين وواقعيين، هذا الوعي المتزايد والنماذج الإيجابية لا تزال قليلة ولا تزال أغلبية النساء تعاني من ضعف دعم الرجل لها، خاصة في مجالات الإبداع من كتابة وفنون وسينما.
14- لو لم تكن ايمان اليوسف روائية، ماذا ستكون؟
- شاعرة. بدأت مجال الأدب بكتابة القصائد بالفعل، ثم انتقلت إلى كتابة القصص القصيرة والرواية وهي التي حظيت بالنشر بينما بقي الشعر مساحة حميمة وخاصة بيني وبين نفسي. أجد نفسي بين الحبر والأوراق والكلمات. تفتنني وتُلهمني اللغات والشعر والحكايات ولا يمكن أن أتخيل نفسي في مجالٍ آخر أبدًا.
15- هل انت مشغولة الان بكتابة شيء ما؟
- أنا في مرحلة البحث حاليًا والتي تسبق الكتابة. أبحث في حقبة زمنية محددة بصدد الكتابة عنها وهي فترة وجغرافيا قليل جدًا من تناولها أدبيًا. أيضًا، أعمل وبشكلٍ حصري على ملف الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة في صحيفة البيان وأحضر لكتاب متخصص في هذا المجال بالإضافة إلى مجال التسويق الثقافي.
16- في الختام،ما هي الرسالة التي توجهها إيمان اليوسف للمرأة العربية؟
- أنتِ الحكاءة الأولى، منذ شهرزاد، وأنتِ المُلهِمة والقوية. لا تنتظري دعمًا أو تشجيعًا من أحد. كوني كل شيء لكِ وآمني بنفسكِ وستنجحين. أنتِ قادرة على تحقيق كل ما تتمنين، أثق بذلك. لا تفقدي الإيمان بقوتكِ أبدًا مهما حصل، ولا تسمحي لأحد مهما كان بتقييمكِ أو بالحط من عزيمتكِ أو بالتقليل من أحلامكِ. أيضًا، لا تخشي المجازفة. لو لا تضحيتي وشجاعتي في التخلي واقتحام الصعب والإصرار على ما أريد، لما وصلتُ إلى ما وصلتُ له اليوم من تفوق ونجاح – بالطبع بعد توفيق الله ورعايته- - ، له الحمد والفضل.
أنتِ تستطيعين.
إعداد المُحاور- : د. علي محمد حسن