حوارات عامة
عمر الصّالح يحاور الروائي التّركماني فهمي سعيد الشيخو
نواجه الواقع بالكتابة ونهرب منه أحياناً.. الرّوائي التّركماني فهمي سعيد الشيخو: من الصّعب جدّاً على الكتّاب الجدد الإتيان بالجّديد أو خلق اضافة نوعية
لم يقتصر ابداعه على مجاله الهندسي، بل كان صاحب قلم وقضية وانموذجا للسعي والمشاركة في إشاعة ثقافة الإبداع في مشهد القراءة من خلال تنظيم مهرجان القراءة الأول والثاني في مدينة تلعفر، فهمي سعيد الشيخو من مواليد محافظة نينوى تحديداً قضاء تلغفر 1992، الحاصل على بكالوريوس في الهندسة جامعة الموصل 2014، وعلى الماجستير في الميكانيك التطبيقي جامعة تكريت 2021، كاتب وروائي وعضوا في الأكاديمية الدولية للقيادة والتنمية في اسطنبول، صدر له روايتين أولى بعنوان "كل ذكرى ذائقة الموت" عن دار سطور للنشر والتوزيع في بغداد سنة 2017، والثانية بعنوان "جينوسايد" عن دار ماشكي في الموصل سنة 2020.
عن بداياتك بمن تأثرت من الأدباء وكانوا يعيشون في مكتبك؟
- في الحقيقة بداياتي كانت بالتأثر في اللغة نفسها، لأن اللغة العربية ليست لغتي الأم .. فسحرتني هذه اللغة وسحرني جمالها وعمقها وغناها المفرداتي ومدلولاتها الواجدانية التي تمكن الانسان في ايصال ما لا يمكن ايصاله بأي لغة اخرى باعتقادي ..
بعد تعلمها كتابةً وقراءة بدأت اتأثر ببلاغة شعراء الجاهلية والاسلام كأُمرؤ القيس وزهير بن ابي سلمى والمتنبي والحطيئة وقيس بن الملوح وغيرهم الكثير .. ومن ثم بدأ التأثر بالكتّاب منهم بالتأكيد إليف شافاق و نجيب الكيلاني ورضوى عاشور وعلي الوردي و غيرهم ..
هل الكتابة هروب من الواقع ام مواجهة الواقع؟ ماذا يقول للعالم فهمي سعيد الشيخو عندما يكتب؟
- باعتقادي لا يمكن تحديد غاية الكتابة.. فاحياناً تكون هروباً من الواقع واحياناً اخرى مواجهة له وكذلك لربما تكون لغايات اخرى، كأن تكون اصلاح الافكار الخاطئة الشائعة بين الناس او توضيحها او محاولة التركيز على الجوانب المظلمة للمجتمع او البيئة او حتى الانسان نفسه.
بصفتك كاتب رواية أيهما الأقرب إليك الرواية العربية اما الغربية ولماذا؟
- الحقيقة هنالك نوع من الظلم للرواية العربية عند مقارنتها بالرواية الاجنبية، لعدة اسباب يمكن اختصارها بالتالي: يجب ان ندرك ان الروايات الغربية لا يتم ترجمتها الا اذا كانت روايات لها صيتها وتأثيرها على مستوى بلدانها لأن المترجمين لا يصرفون اوقاتهم لترجمة الروايات الرديئة وبالتالي نحن عندما نتكلم عن الرواية الغربية فنحن نتكلم عن الروايات الجيدة التي استحقت الترجمة ومن ثم نأتي لنقارنها مع الروايات العربية التي تداخلت فيها الرديئة مع الجيدة او كست الاولى على الثانية فنرى هذا الفارق الكبير بين الرواية العربية والرواية الغربية بالتالي المقياس غير عادل كأننا نقوم بمقارنة بضاعة مختارة بعناية مع بضاعة مختارة بعشوائية فنقع في الاشكال ونظلم الرواية العربية.. هذا جانب، في الجانب الآخر الروايات الغربية هي نتاج بيئات ولغات وثقافات مختلفة كالادب الانكليزي والروسي والاسباني والياباني والامريكي بمقابل الروايات العربية التي تتشابه بيئاتها وثقافاتها تشابهاً كبيراً .. بالنهاية لابد ان تتميز الروايات الغربية على العربية وتشد القارئ اكثر وانا منهم بالتأكيد لكنني اقرأ الروايات العربية ايضاً دون مقارنتها مع غيرها..
كل ذكرى ذائقة الموت الرواية الاولى التي صدرت عام 2017،كانت وليد المعاناة والحروب، هل استطاعت ان تنقل في روايتك ماحدث في مدينك؟
هي كانت محاولة لنقل المعاناة جراء الحرب ضمن قصة حقيقية حدثت قبل داعش وتأثرت بالاحداث المصاحبة له وتداخلت فيه. كما حاولت فيها طرح و معالجة الافكار الاجتماعية الخاطئة كالطبقية والمناطقية والقومية ونظرة المجتمع لبعضها البعض اعتماداً على مكان الولادة او اللغة المختلفة او الثقافة المغايرة.. وكذلك تطرقت الى فكر داعش والمغالطة الكبيرة بين احكامها المنسوبة للاسلام وتطبيق تلك الاحكام تطبيقا خاطئاً في اصولها وغاياتها، وكذلك الموقف الحرج لابناء الموصل في تلك الفترة الذين عاشوا ما بين المطرقة والسندان فهم في نظر داعش خونة ومرتدين ومنافقين لانهم لم ينضموا اليهم وفي نظر آخرين هم دواعش!!
جينوسايد مصطلح يطلق على الإبادة الجماعية بكافة مسمياتها، مالذي أردت توظفه في روايتك التي أطلقت عليها (جينوسايد)؟
جينوسايد هي رواية ثلاثية تتحدث عن مجازرٍ ثلاث وقعت في النصف الاول من القرن الماضي، الاولى مجازر الارمن على يد العثمانيين سنة ١٩١٥ والثانية الهولوكوست المحرقة اليهودية على يد النازيين ابان الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩- ١٩٤٥ والاخيرة مجزرة دير ياسين على يد المجاميع الصهيونية سنة ١٩٤٨.. حاولت في هذه الرواية توظيف مسألة ان المسلمين والمسيحيين واليهود قاموا بهذه المجازر ضد بعضهم البعض والكل اصبح ظالم ومظلوم ومهجِّر ومهجَّر ومجرم وضحية في الآن نفسه، وآن للاطراف اجمع ان يتوقفوا عن المجازر والقتل ويعيشوا حياتهم مع بعضهم البعض بسلام و وئام.
برأيك ساهمت الرواية العراقية بالتسليط الضوء على الواقع المزري الذي عاشه الإنسان العراقي؟
- الى حدٍ ما الروائيين العراقيين قد كتبوا كثيراً عن معاناة الانسان العراقي منذ بداية الثمانينات اي بداية الحرب الايرانية العراقية الى السقوط والاحتلال وايام الطائفية ولربما لا أبالغ ان قلت لا يوجد كاتب عراقي معروف إلا وقد كتب عملاً واحداً على الأقل عن هذه الحقبة، بالتالي نستطيع القول انهم ساهموا كثيرا بتسليط الضوء على معاناة الانسان العراقي لكن في حقبة معينة بتركيز كبير ..
الروائي العراقي يعيش ليكتب ولا يكتب ليعيش، هل تؤيد هذه المقولة ولماذا؟
- لا يمكن الجزم ان الروائي العراقي يعيش ليكتب او العكس لأن الروائيون من مشارب مختلفة وثقافات واراء متنوعة تجد فيهم النوعين وهذا حسب نظرة كل منهم على ما يقدم من نتاجات ادبية وكذلك على الهدف او الغاية من الكتابة لديه سواءً كانت مادية بانواعها او معنوية بتشعباتها ..
مواقع التواصل الاجتماعي اتاحت للمثقف والكاتب زاوية واسعة من التنقل في نقل ابداعاته، مالذي إضافته هذه المواقع لنتاجتك الأدبية وعلاقاتك مع الأدباء والمثقفين؟
- بالتأكيد المساحة التي توفرها هذه الوسائل تعطي فرصة للكاتب بتسويق كتاباته ونتاجاته الادبية التي لولاها لربما واجه الكثير من الصعوبات في الوصول الى القارئ، وكذلك وفرت للكاتب والقارئ على حد سواء معرفة الطرفين فالقارئ يطرح اراءه عن الكتاب الذي قرأه ويقدم العمل باختصار مفيد للقراء الاخرين وهذا مما يعطي عادة دوافع كبيرة للكاتب بالاستمرار وتجعله ايضا قريباً منهم يعرف معاناتهم واهتماماتهم ومشاكلهم ثم يعكسها في كتاباته فيحصل التجانس الجميل بينهما..
ما الدوافع التي تعجل الروائي يكتب ويبحر في الرواية؟ مالطابع الذي يغلب عليه في رواياته؟
الدوافع كثيرة لا حصر لها، احيانا تكون عاطفية واحيانا فكرية او عقائدية دينية او فلسفية او حتى مادية كما يُذكر عن الكاتب الروسي الشهير ديستوفيسكي عندما كتب احدى رواياته في غضون اشهر قليلة لانه كان في ضائقة مادية ..
كذلك الطابع لا حصر له، ويعتمد على فكرة الرواية واحيانا على الراوي نفسه ..
ما الذي أضافهُ كتّاب الرواية الجدد في رواياتهم وهم بين يقطنون في فوضى الحروب والصراعات؟ وهل استطاعو خلق تجربة جديدة؟.
- الحقيقة من الصعب جداً ان الكاتب الجديد يكون قادراً على الاضافة او خلق مجال جديد الا ما ندر، هم بالعادة يحاولون قدر الامكان الوصول الى مستوى الكتّاب المؤثرين في الساحة الثقافية ومن ثم يكونوا باعتقادي قادرين على أن يضيفوا شيئاً او يخلقوا تجربة يحتدى بها .. الكتّاب الجدد يواجهون عادة صعوبات في تقبل القراء لكتاباتهم فترى اغلب القرّاء يبتعدون عن قراءة نتاجات الكتاب الجدد ويرون في ذلك مضيعة للوقت؟! وعبور هذه المرحلة وكسب ثقة القراء لمهمة صعبة يحتاج فيها الكاتب الى الكثير من الصبر والاصرار والتحمل والاستمرار دون ان يُحبط من التجربة الاولى عندما يتكدس النسخ لديه ولا يجد من يقرأ له!
حاوره عمر الصالح