كتب واصدارات
اشكاليات المحكمة الجنائية الدولية.. عرض كتاب د. قاسم خضير عباس
صدر للكاتب العراقي الدكتور قاسم خضير عباس كتاب جديد باسم (اشكاليات المحكمة الجنائية الدولية)، من مكتبة السنهوري القانونية في شارع المتنبي. ويشرح فيه ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية، فالمجتمع الدولي قد ظل مدة طويلة تحكمه قواعد غير منصفة فيما يتعلق بالاعتداءات، التي تحصل من دولة على أخرى، والمعاملة الوحشية غير الإنسانية التي يتعرض لها المدنيون والعسكريون على حد سواء أثناء الحرب، ولذا فقد انبثق القانون الجنائي الدولي الحديث ضمن قواعد القانون الدولي العام لمكافحة الأعمال الوحشية اللا أخلاقية، ومعاقبة مرتكبيها.
إنَّ الاتجاه نحو إنشاء محكمة جنائية دولية كان انعكاساً طبيعياً لما شهده المجتمع الدولي من جرائم ومجازر وحشية، راح ضحيتها ملايين من الأبرياء دون ذنب سوى أنهم محكومون بطغاة متعطشين للدماء.
والمعروف أنَّ المادة السادسة من اتفاقية قمع ومعاقبة الإبادة الجماعية عام 1948م قد نصت بصراحة على تشكيل مثل هذه المحكمة الدولية، التي تأثرت بالتجربة العملية والتطبيقية للقضاء الجنائي الدولي المؤقت في الماضي (محكمة نورمبرغ، ومحكمة طوكيو)، والحاضر (محكمة يوغسلافيا السابقة، ومحكمة رواندا).
وهكذا فإنَّ مسألة إنشاء محكمة جنائية دولية كانت من أوائل المسائل التي كانت موضوعة على أجندة الأمم المتحدة في أول جلساتها التي أعقبت إنشائها، وقد تقدمت فرنسا بعد ذلك إلى لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة بمشروع إنشاء محكمة جنائية دولية، تمنح صلاحيات البت في الجرائم ذات الصفة الدولية.
إنَّ الغرض من إنشاء المحكمة هو حماية الشرعية الجنائية الدولية، ومعاقبة كل من يخرج عليها ، ولذا وجدنا أنَّ بعض الدول الكبرى قد حاولت أن تجد مناخاً سياسياً يخدمها أكثر مما يخدم حماية الشرعية الدولية، فيما عمدت قوى أخرى كالولايات المتحدة الأميركية إلى عقد اتفاقات ثنائية مع بلدان أخرى ، تضمن بمقتضاها عدم تسليم مواطنيها أو جنودها في حالة ارتكابهم جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، متى ارتكبت هذه الجرائم على أرض هذه الدول، بمعنى ايجاد حصانة للجناة والقتلة ضد محاكمتهم جنائياً في الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .
وأود أن أشير في هذا الصدد أنه في 31 ديسمبر/ كانون الأول عام 2000م وقع الرئيس الأميركي السابق (كلنتون) على قانون روما الأساسي، في خطوة إيجابية لمصلحة المحكمة، بيد أنَّ موقف الولايات المتحدة شهد تغيراً كبيراً منذ تسلم الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس (بوش)، ففي العام 2002م اتخذت الحكومة الأميركية قراراً غير مسبوق في التراجع عن توقيعها على قانون روما الأساسي، وبدأت حملة عالمية لإضعاف المحكمة والعمل على إفلات جميع المواطنين الأميركيين من العقاب الصادر بموجب الولاية القضائية للمحكمة الدولية.
وقد عقدت الولايات المتحدة اتفاقيات الإفلات من العقاب، حيث اتصلت بالحكومات في شتى أنحاء العالم طالبة منها إبرام اتفاقيات غير قانونية تتعلق بالحصانة من العقاب. وفي الأول من يوليو/ تموز أعلنت أميركا عن سحب المعونات العسكرية التي تقدمها إلى 35 دولة عضو في قانون روما الأساسي رفضت التوقيع على اتفاقيات الحصانة من العقاب مع الولايات المتحدة؛ وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2004م ذهبت الإدارة الأميركية إلى أبعد من ذلك بسحبها المعونات الاقتصادية من الدول التي أصرت على رفض التوقيع على هذه الاتفاقيات غير القانونية.
ومع كل ما فعلته الولايات المتحدة لعرقلة جهود انبثاق المحكمة الجنائية الدولية إلا أنَّ هذه المحكمة قد أبصرت النور، حيث بدأ السريان الفعلي لنظامها الأساسي عام 2002م بعد اكتمال النصاب القانوني لعدد الدول المصدقة، وعليه شكلت هيئة المحكمة، وعين مدع عام لها، لممارسة اختصاصها حسب النظام الأساسي.
والسبب في اختيار الدكتور قاسم خضير لهذا البحث هو تفشي ظاهرة الدكتاتورية في المجتمعات العربية والإسلامية، وضرورة وضع حد لإفلات مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
ويمكن القول في هذا الإطار: إنَّ الدول الإسلامية التي ابتعدت عن منهج الإسلام العادل فأصبحت في آخر ركاب الحضارة، تستطيع أن تستفيد من مبادئ المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة)، لإعادة حقوق الإنسان إلى موقعها الصحيح، ومعالجة ظاهرة الدكتاتورية، ومعاقبة مرتكبي جرائم القتل الجماعي، وجرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي.
والاستفادة من المحكمة الجنائية الدولية من المفترض أن تتم على أسس حضارية، تبتعد عن التقليد الأعمى، والوصاية الخارجية، وذلك بمواءمة القواعد القانونية الدولية مع القواعد القانونية المحلية (الوطنية)، بصورة واعية لا تتناقض مع الشريعة الإسلامية، وهذا يقتضي وجود مجمعات قانونية دولية مؤهلة لاستنباط قواعد إسلامية دولية على ضوء التطورات الجديدة للقانون الدولي العام وبضمنه القانون الجنائي الدولي.
وقد شرح المؤلف الكثير من الاشكاليات في المحكمة الجنائية الدولية، ومنها نص الفقرة (8/أ/1) من المادة (36) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فهو غير ملائم لخلق قاعدة ثقة يجتمع عليها كل المجتمع الدولي، لأنها تؤكد على : مراعاة الدول الأطراف عند اختيار القضاة في إطار عضوية المحكمة الحاجة إلى (تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم). ومثل هذا النص يُبعد بعنصرية نظم قانونية معتبرة في دول كثيرة عن المساهمة الجدية في تفعيل عمل المحكمة وفعاليتها، خصوصاً وأنَّ ديباجة النظام الأساسي للمحكمة تؤكد على: الروابط المشتركة، التي توحد جميع الشعوب، وأنَّ ثقافات الشعوب تشكل معاً تراثاً مشتركاً.
لقد انتهج الدكتور قاسم خضير عباس في هذا البحث المنهج العلمي الاستقرائي في تتبع النصوص، وفرزها، وتبويبها، للوصول بالبحث إلى غاياته العلمية المرجوة. كما اتبع في التبويب الأسلوب الأكاديمي، الذي دأب عليه أساتذة القانون الدولي العام، وأساتذة القانون الجنائي الدولي في بحوثهم واستنتاجاتهم وتحليلاتهم، لكي يخرج البحث عصرياً ومقبولاً.
تقسيم البحث: الكتاب مقسم إلى مبحث تمهيدي يتناول: تطور القانون الجنائي الدولي العام، وتعريف المحكمة الجنائية الدولية، وإشكاليات المحكمة الجنائية الدولية، واستفادة الدول الإسلامية والعربية من المحكمة الجنائية الدولية.
وتناول المؤلف في الباب الأول: الأسس القانونية لتشكيل المحكمة الجنائية الدولية، وخصص له فصلين:
الفصل الأول: الخلاف الفقهي بشأن تشكيل المحكمة الجنائية الدولية، وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: رأي المعارضين والمؤيدين لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
المبحث الثاني: موقف الأمم المتحدة من تشكيل المحكمة الجنائية الدولية.
المبحث الثالث: رأي الفقه الإسلامي بشأن تشكيل المحكمة الجنائية الدولية.
وفي الفصل الثاني: تناول الدكتور قاسم خضير عباس اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأجهزتها والمبادئ التي تتبعها، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأجهزتها.
المبحث الثاني: إجراءات المحكمة الجنائية الدولية.
المبحث الثالث: مبادئ المحكمة الجنائية الدولية.
أما في الباب الثاني: فقد تحدث عن مدى إلزامية مبادئ المحكمة الجنائية الدولية، في فصلين:
الفصل الأول: نفاذ قواعد المحكمة الجنائية الدولية في التشريع الوطني، وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: نفاذ مبادئ وقواعد المحكمة الجنائية الدولية.
المبحث الثاني: دور الدول العربية في محاربة الجرائم الدولية.
المبحث الثالث: اهتمام الفقه الإسلامي بالقواعد الجنائية.
وقد خصص الفصل الثاني: لتطبيقات المحكمة الجنائية الدولية، وتحديداً حول المحكمة الجنائية العراقية العليا لمحاكمة مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الشعب العراقي، وقسمه لثلاث مباحث:
المبحث الأول: اختصاص المحكمة الجنائية العراقية العليا وأجهزتها.
المبحث الثاني: إجراءات المحكمة الجنائية العراقية العليا وقواعدها.
المبحث الثالث: الفرق بين المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) والمحكمة الجنائية العراقية العليا.
ثم تناول في الخاتمة أهمية وجود المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة)، التي أدركت دول العالم ضرورة ووجودها، بسبب توفر روابط مشتركة توحد جميع الشعوب، وأنَّ الثقافات المختلفة تشكل معاً تراثاً مشتركاً للقضاء على الجرائم الدولية الأشد خطورة على المجتمع الدولي.