كتب واصدارات
إصلاح النظام القانوني أول شروط النهضة.. عرض كتاب
صدر للكاتب العراقي الدكتور قاسم خضير عباس كتاباً جديداً بعنوان (إصلاح النظام القانوني أول شروط النهضة) عام 2021 من دار الأضواء في بيروت. وقد شرح فيه بأنَّ التنظيم والتقيّد بالقوانين النافذة من المباني الأساسية للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا يمكن أن يظهر المجتمع المتحضر دون وجود القانون وسيادته على الجميع، بظل ثقافة قانونية في المجتمع.
وعند الحديث عن ارتباط الثقافة والحضارة بالقانون، لا بد أن نعرف طبيعة هذا الارتباط وغايته الفلسفية، التي تريد نشر العدل والمساواة، وتنمية الفرد والمجتمع وتثقيفهما باتجاه التحضر والتقدم والمدنية.
وعملية البحث عن الغاية أو (الغرض) من وجود الحضارة والثقافة والقانون، هي عملية استراتيجية تؤدي إلى منهجية واقعية صحيحة للتقدم والتحديث، والبحث عن الأطر الأخلاقية والانسانية، التي تجمع بين الجانب المادي من الحضارة والجوانب الأخرى غير المادية.
إنَّ طبيعة العلاقة والروابط بين الثقافة الحضارية والقانون، تجعلنا نفهم طبيعة القيم الاخلاقية، ومشكلات الفرد والمجتمع. وبهذا التصور فلا حضارة بدون قانون؛ ولكن يمكن أن نجد القانون بدون حضارة، لأنه يمكن أن يفتقر إلى العدالة والنزاهة والمساواة، وقد يصل الظلم به إلى درجة لا يمكن تحمله.
وبفهم منطق التاريخ نعرف أنَّ الشعوب تتقدم وتتحضر إذا امتلكت القيادات السياسية الصالحة، والأخلاق الإنسانية الحميدة، والثقافة الواقعية، والقانون الإنساني المشرع لحل مشاكل الناس واحتياجاتهم.
لقد أصبح للقانون أهمية في النهوض والتحضر منذ القدم، لكنه اكتسب أهمية استراتيجية منذ ظهور مصطلح (التطور التاريخي للتحضر) في فرنسا- وهو مصطلح ثقافي حضاري- حيث أصبح القانون أكثر أهمية، لأنه أساس ترتيب المجتمع ونواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض وعلاقاتهم مع السلطة الحاكمة.
وهكذا فإنَّ مشكلة الشعوب هي مشكلة حضارية ثقافية، لا يمكن تلمس أسبابها إلا بفهم التطلعات الإنسانية، والاهتمام بالفرد وتنمية قدراته وقابلياته العلمية والثقافية، وفهم الأسباب التي تؤدي إلى الحضارة والمدنية والتحضر، وأولها إصلاح النظام القانوني والقضائي، ليكون مؤهلاً للتطورات المستقبلية ونشر العدل والمساواة.
ولذا لا بد من توفر شروط ثقافية أخلاقية موضوعية ومادية لتطور وتحضر المجتمع، وتنمية الفرد ضمن إطار التنمية الشاملة المستدامة، في ظل قانون حضاري تكون سيادته على الجميع. بمعنى ارتباط ثقافة الحضارة بحركة المجتمع ونوعية أفراده، وقابلياتهم وابداعهم، ومساحة تطبيق القانون، الذي لا يميّز الأفراد على أسس إثنية وقومية وطائفية، ولا يعطيهم امتيازات غير شرعية بسبب انتماءاتهم السياسية والحزبية.
إنَّ المجتمعات المتحضرة تخضع لقوانين اجتماعية وتاريخية وثقافية لا بد من فهمها، في إطار فهم فلسفة القانون وعلم القانون، اللذان يريدان أن تشيع العدالة والمساواة في المجتمع، وإعادة ثقة الفرد بنفسه وبمجتمعه. وعليه فإنَّ الحضارة ترتبط مفاصلها الأساسية بالعامل الاخلاقي وبالثقافة الواقعية المستندة للتراث والأصالة، ولا تقتصر فقط على العوامل الاقتصادية، أو التقنية التكنولوجية، بل ترتبط بكل ذلك بوشائج سماتها الأخلاق والإنسانية، فلا حضارة بدون أخلاق وإنسانية وثقافة متميزة.
ومن الجدير ذكره أنَّ الحضارة في بداية مراحل النهضة تقوم على أسس مبدئية متينة تهتم بالإنسان وثقافته وبالمجتمع والدولة؛ وهي فترة تأهيل الفرد الحضاري، وتطوير قابلياته في اتجاه بناء الدولة الحضارية، التي من أولوياتها تحقيق تنمية مجتمعية مستدامة، تكون نتائجها القضاء على الفقر والمرض والجهل والأمية، ونشر الوعي العلمي والثقافي في كافة المجالات، واحترام الرأي الآخر، وتطبيق القانون الذي غايته المساواة والعدل.
ولذا فإنَّ إصلاح النظام القانوني والقضائي هو أول شروط النهضة، التي بها الرقي الفكري، والعمق والشموخ الثقافي للانتقال بالفرد والمجتمع والدولة من التخلف والانحطاط إلى التقدم والرفاهية والازدهار.
وقد قسم الباحث الدكتور قاسم خضير عباس بحثه إلى عدة فصول:
الفصل الأول: تناول فيه القانون بوصفه الجوهر والأساس للحضارة والثقافة، وشرح جدلية الربط بين النهضة وإصلاح النظام التشريعي والقضائي، واعتبرها القانون العلمي والآلية المنطقية، التي تنقلنا إلى التقدم والحضارة. لأنها لا تحدث بشكل فجائي إنما على وفق استراتيجية مدروسة واعية وتكتيك مرحلي لا يغادر التفاصيل والجزئيات، التي من الممكن أن يكون بعضها متناقضاً. ولذا نشاهد أنه حتى الثورات سواء كانت سياسية أم عقلية لا تحدث على هذا النحو الفجائي، على نحو ما يبدو للنظرة العجلى.
الفصل الثاني: تحدث فيه الباحث عن فلسفة القانون، وعن طبيعة علاقة القانون بالثقافة الفلسفية، التي تتم في إطار علم المنطق وعلم الأخلاق، فالمنطق هو آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ. ويمكن أن يستفيد المشرع من علم المنطق، لأنه يساعد على فهم القواعد العامة للتفكير الصحيح، وينقل الذهن إلى الأفكار المنطقية، ويرشد إلى أية هيئة وترتيب تنتقل القاعدة القانونية الحاضرة في الذهن إلى الأمور الغائبة لمعرفة كل الحقوق والواجبات.
الفصل الثالث: شرح فيه الباحث طبيعة علم القانون وارتباطه بالأخلاق، واعتبر فلسفة القانون امتداداً لعلم القانون، وتنصب على تحقيق السلوك الأفضل والحكيم، بينما علم القانون غايته تنظيم السلوك بين الأفراد، ويتم ذلك في ظل ثقافة قانونية فلسفية.
وتتحدد موضوعات أي فرع من فروع القانون بالاستناد إلى الأسباب التاريخية المتجذرة الدافعة لنشأته ويكون بعضها ثقافياً، وإلى التطور اللاحق على مفاهيمه وعناصر مضمونه. بمعنى ارتباط القانون بتطور الثقافة القانونية، وتوسع الحاجات اللصيقة بدوره ووظيفته.
الفصل الرابع: شرح فيه الباحث وبالتفصيل إصلاح النظام القانوني والقضائي العراقي كمطلب استراتيجي للنهضة، لأنَّ هناك خللاً في القواعد القانونية، أضر كثيراً في تحقيق العدل والمساواة في المجتمع العراقي، وغموضاً غريباً في أكثر مواد القوانين المختلفة، إضافة إلى الترهل والإبهام في القواعد القانونية وخصوصاً في القانون المدني.
الفصل الخامس: تناول فيه الدكتور قاسم خضير عباس إصلاح القانون الدولي العام بما ينسجم مع إصلاح السياسة الدولية؛ فالقانون الدولي ينظم علاقات الدول في السلم والحرب، وبسبب ثغراته وعيوبه اتسمت السياسة الدولية للدول الكبرى وخصوصاً (الولايات المتحدة) بالمصلحية والأنانية، وعدم المبالاة بالسلم والأمن الدوليين. وعلى الرغم أنَّ قادة العالم الكبار قد صرحوا مراراً وتكراراً أنهم مع حقوق الإنسان والعدالة الدولية والديمقراطية، إلا أنَّ ذلك مجرد شعارات للسيطرة على العالم، والقضاء على قيم وأخلاق وثقافة الشعوب ونهب ثرواتها باسم العولمة. الأمر الذي دعا (جيمس دورتي) إلى وضع كتاب أسماه (النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية)؛ والأمر نفسه دعا (مارسيل ميدل) إلى الكتابة في (سيسيولوجيا العلاقات الدولية).
الفصل السادس: أوضح فيه الباحث سمو الشريعة الإسلامية على القواعد القانونية الوضعية، حيث تسمو في عدة جوانب، ولها الفضل في تطور القواعد القانونية الوضعية وترشيدها. وهي تتميز بالبساطة واليسر، يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
***