مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود" الهروي السائح اول عالم اثاري عراقي موصلي سبق الاوربيين بعدة قرون
كان الرحالة الهروي السائح اول المنقبين والمستكشفين للاثار في البلاد العربية في عام 1173 ولد في الموصل واسمه علي بن ابي بكر (وقيل بن ابي طالب) ذكره الدكتور زكي محمد حسن في كتابه – الرحالة في العصور الوسطى – وقد دون الهروي معلوماته واستكشافته في كتابه – العجائب والاثار والاصنام والطلسمات – ولكن هذا الكتاب لم يصل الينا حيث ذكر انه كان في احد رحلاته نهب الصليبيون كتبه عام 1193 ربما في طريق الشام.
وقد طاف هذا الرحالة البلاد الاسلامية ودون كل ما شاهده من أثار وتقاليد وعادات وثقافات الشعوب الاسلامية. ومما كتبه الهروي (الاهرامات من عجائب الدنيا وليس على وجه الارض شرقيها وغربيها عمارة اعجب منها ولا اعظم ولا ارفع.. ورأيت في مصر اهرامات كثيرة منها خمسة كبار والباقي صغار.. وقيل ان المأمون (الخليفة العباسي – 786-833) فتح هرما وهو احد الهرمين في الجزيرة فوجدوا في داخله بئرا مربعا في تربيعها ابواب يفضي كل باب منها الى بيت فيه موتى باكفانهم.. وقيل انهم وجدوا في رأس هذا الهرم بيتا فيه حوض من الصخر على مثال القبر. فيه صنما كالادمي الرهنج ؟، وفي وسطه انسان عليه درع من الذهب مرصع بالجوهر، وعلى صدره سيف لا قيمة له، وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة ضوءه كالنار....) واضاف الهروي انه دخل هذا الهرم ورأى الحوض واضحا وكتب انه سيكتب ذلك في كتابه – العجائب والاثار والاصنام والطلسمات – الذي ذكرناه سابقا.. وقد كتب الهروي عن الاثار والمقابر في صعيد مصر وعن الجثث المدفونة فيها وعن اكفانها المحفوظة على حالها الاولى.
وبالتالي نفهم من ذلك ان بداية التنقيبات او الاستكشافات حدثت في زمن الخليفة المامون اي قبل الرحالة الهروي بحوالي اربعة قرون بمعنى في القرون الوسطى التي كانت فيها اوربا غاطسة في الوحل والعصور المظلمة.. اذن فلا بد من انه قد تطور التنقيب خلال هذه القرون الماضية على يد الرحالة العرب والمسلمين وانهم قد بحثوا ونقبوا في المدن الاشورية والسومرية حيث لازالت الصروح الاثرية قائمة وشامخة في ذلك الوقت كالزقورات والقصور الاشورية.. وخاصة ان الهروي من اهل الموصل وهو اعرف بها من غيره، وقيل (اهل مكة ادرى بشعابها). ولكن فقدان المدونات او سرقتها او حرقها كانت من الاسباب الرئيسية التي جعلتنا نجهل تلك المستكشفات والحفريات. وقد ذهبت مخطوطات الهروي الى يد الاجانب وعبرت الى اوربا. ومن المؤكد انهم قد استفادوا منها سواء في علم الاثار او الجغرافية. وعندما غزى نابليون مصر عام 1798 م جلب معه 500 عالم متخصصين في شتى صنوف العلوم والمعارف والفنون وانهم لديم معلومات كافية مسبقة عن الاهرامات . فذهبوا اليها و نهبوها وحملوا كنوز مصر واثارها العظيمة الى باريس.
وعندما بدأت التنقيبات المنظمة في العراق عام 1945 جائت بعثات التنقيبات من كل حدب وصوب من بريطانيا وفرنسا والمانيا وامريكا وكانت لديهم خرائط ومعلومات مسبقة عن طريق كتب الرحالة وكذلك كتب المؤرخين الاغريق والكتاب المقدس (التوراة والتلمود) . فتوزعوا على جميع جغرافية العراق ودفعوا اموال طائلة للعثمانيين في سبيل التنقيب واخذ كل ما يعثروا عليه.. ؟؟ وكان العثمانيون غير مهتمين بالاثار وقيمتها التاريخية بل انهم يتمنون خراب العراق وتدميره.. وكان علماء الاثار الاجانب يعملون بكل جدية ودقة عالية في دراسة واستخراج الاثار حتى ان بعضهم كان يمكث في مكان واحد خمسة سنوات او اكثر.. كما يلاجظ ان هذه البعثات تتبادل الادوار في التنقيب فيما بينها مثلا، التي كانت تنقب في المدن الاشورية تنتقل بعد فترة الى اور او تنتقل الى جرمو قرب السليمانية او مكان اخر، وهكذا وكأنهم مبعوثين من مصدر واجد ؟.. وكانت بعض البعثات تعيد بناء المعابد المهدمة طابوقة طابوقة او اصلاح التماثيل واللوحات الجدارية. وكان اكثر البعثات دقة واعتناء الالمان الذين فككوا باب عشتار قطعة قطعة ونقلوه في صناديق ثم بنوه مرة ثانية في برلين..
و يذكر ان القنصل الفرنسي بول اميل بوتا الذي كان يعمل في الموصل والعالم الانكليزي هنري وستن لارياد هما اللذان مهدا الطريق لقدوم البعثات الاجنبية للتنقيب في العراق حيث نقبا في مدن اشور عام 1840 ومن هناك شحنوا الاثار العراقية الضخمة الى العواصم الاوربية والى متاحفها حيث احدثوا صدمة وابهار في الاوربيين الذين اندفعوا بقوة في ارسال البعثات للتنقيب والحصول على شئ من حضارة وثقافة الشرق.
و في عام 1921 وبداية النظام الملكي تاسست مديرية للاثار لتنظيم رخص البعثات وادارة عملها في التنقيب وكانت تشرف عليها المستشارة للملك فيصل الاول وعالمة الاثار الانكليزية مسس بيل. ثم جاء بعد ذلك العالم الاثري سيتن لويد وفؤاد سفر وطه باقر وغيرهم. وبذلك تنظممت وتطورت مديرية الاثار العراقية. ويذكر انه في عام 1933 حددت مهام البعثات ومنع المنقبون من اي حصة من اللقي السهلة الحمل وبعثها للخارج.
***
د. كاظم شمهود