مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: المصور حسين السكافي وفن التشكيل
بعض المحللين في علم البصريات يعتبر العين البشرية هي اول كامرة فوتوغرافية لها الفضل على كافة الفنون البصرية من سريالية وواقعية وتجريدية وغيرها. ورغم تطور التصوير مع التكنولوجيا الحديثة فهذا لا يعني ان فن الرسم عبر التاريخ الطويل لا يتضمن المعنى الفوتوغرافي المجازي. فكانت رسوم الكهوف اول توثيق حي لمشاهد العين البشرية. وقد برز في علم البصريات العلماء المسلمين منهم الكندي 805 م وابن الهيثم 1040 م واعتمدوا على علم التجريب حيث اناروا البشرية باكتشافاتهم العلمية الجديدة فاقوا بها علماء الاغريق.
اليوم دخل التصويرالفوتوغرافي في الفن التشكيلي بمختلف رؤاه الجمالية بعدما كان مقتصرا بوظيفته على توثيق الاحداث والواقع المرئي الموضوعي. فاصبحت الصورة تطرح مفاهيم وافكار وتداخلت مع التشكيل في نغمات بصرية جمالية. ان تحويل الصور الى لوحات فنية تطرح باساليب تشكيلية مختلفة معاصرة، والانتقال بها من اطرها المآلوفة الى حقل الفنون البصرية، يعد تطورا غير مألوفا في تاريخ التصوير الفوتوغرافي.
المصور الفنان حسين السكافي، مصور ذو تاريخ عريق دأب منذ سنوات طويلة في عمل تجارب غاية في الاهمية حيث استطاع من انشاء روائع فنية من خلال التقاط صور او اقتناص الفرص لمواقيت الصدفة الجمالية في الواقع المرئي وخلق لوحات تشكيلية جميلة. وقد شارك السكافي في معارض مختلفة وحاز على عدة جوائز منها صورة تمثل نقطة مطر تعكس منظرا جميلا لاحد الشوارع في لندن. حيث حاز فيها على الجائزة الاولى. وهو عضوي في جمعية المصورين في لندن. وله كتابا في الجماليات لازال غير مطبوعا. وكان لي الشرف ان اقيم معه محاضرة حول دور فلسفة الجمال في الفن في لندن قبل عدة سنوات.
ويبدو من خلال مشاهدة اعماله انه له قدرة وامكانية كبيرة بتحويل القبح الى جمال بتأثيرات الضوء والظل.. ويذكرنا ذلك بقول الفنان الانكليزي كونستابل 1776 م بانه لم ير شيئا قبيحا في حياته كلها. اذ مهما كان شكل الشئ فان النور والظل والمنظور يكسبه الجمال دائما.ان اعمال السكافي تدلجنا الى عالم رومانسي تغشاه الانعكاسات الضوئية والظلال وخلق حياة مشرقة في مملكة الضوء. وتبدو الاشكال اقرب ما تكون الى كائنات اثيرية تقمصت صور من الواقع. فالاضواء توحي بالظلال، اذ تغشاها اجواء ضبابية كاننا في عالم سريالي. ومع استخدام التكنولوجيا الرقمية الحديثة اصبح المصور له طرق كثيرة للتلاعب بالصور بشكل يكاد من المستحيل ملاحظته والذي يطلق عليه اليوم بتقنية الفوتو شوب. واصبح المصور اليوم يحمل افكارا ومفاهيم لها دلالات عميقة مؤثرة، اصبحت اكثر اقناعا واكثر مصداقية امام المتلقي.
هذا التلاقي والاندماج بين التصوير والتشكيل يسمى احيانا بالكولاج. وهي طريقة استخدمها بعض رواد الفن الحديث مثل بيكاسو في مطلع القرن العشرين، لتثبيت وترسيخ الحدث والتعبير عن الابداع في خيال سريالي او واقعي تمثيلي. وتكون الصورة اكثر تاثيرا في لحظات تسجيل العواطف والمشاعر الانسانية حيث تثير الاحساس بجماليتها او تعاطفا مع الاخر المكروب والمحزون.
في عام 1972 نشراحد المراسلين صورة لطفلة فيتنامية عمرها تسعة سنوات هاربة من قنابل النابال الامريكية التي امطرتها على مدينتها، وظهرت الطفلة عارية مذعورة من الخوف وهي تركض. انتشرت هذه الصورة في كل انحاء العالم ونجحت في اثارة عواطف ومشاعر الناس وكانت واحدة من الاسباب التي ادت الى ايقاف الحرب.استخدم السكافي في بعض اعماله طريقة التنقيطية في اغمار لوحاته واشكاله بالالوان الانطباعية الجميلة وهي طريقة استخدمها الانطباعيون في اواخر القرن التاسع عشر مثل الفنان جورج سورا 1859 وبول سنيك 1863. كما استخدم السكافي الاشكال الهندسية المضيئة والتي نرى من خلالها بعض الاشكال الاثيرية الضبابية وبالوان ساطعة جذابة. وفيها نرى ايضا ليس هناك افق وارضية للوحة، بل كانها تسبح في فضاء خيالي. ونرى ان الصور لا تظهر بملامحها الطبيعية في لوحات التصوير بل تتكشفت تلقائيا بالايحاء والتامل.. وتستمد هذا المشاهد من تاثيرات الضوء وتاثيرات التكنولوجيا الحديثة او الفوتو شوب كما يبدو. وحتى يبتعد المصور عن المشاهد الحقيقية المباشرة يحتاج الى خيال في مساراته الابداعية الخلاقة فيمزج بين اسلوبين التصوير والتشكيل حيث تتناغم العناصر الفنية وتمتزج لتحقق المؤثرات الجمالية على المتلقي.
وبذلك فان المصور اليوم اصبح حرا في طروحاته ومفاهيمه وخياله، اكثر من تسجيل وتوثيق الواقع البصري بل ذهب الى ماورا سطحية الصورة الى عمقها الروحي والجمالي. وهذا ما نراه في اعمال المصور التشكيلي حسين السكافي.
***
د. كاظم شمهود