مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: لمن تكتب الاقلام
من هو القلم؟:
في تراثنا الديني بان الله هو اول من خلق القلم وقال له اكتب فقال له ما اكتب قال له اكتب القدر، اكتب ماهو كائن الى يوم القيامة .. وبالتالي فالقلم كائن حي حسب راي بعض المفسرين منهم الطبري وتفسيره للآية الكريمة (ن والقلم ومايسطرون) . كما ورد في تفسير الميزان للطباطبائي انه يروى عن الامام جعفر الصادق –ع- بان القلم هو ملك من الملائكة .
ومهما كانت التفسيرات والتأويلات فان اهمية القلم تكمن في كونه يقوم في ضبط الحوادث الغائبة عن الانظار والمعاني المستكنة في الضمائر وبه يتيسر للانسان حل المشاكل الاجتماعية وان يستحضر كل ضروب الزمان او بعد المكان، وقيل (قيدوا العلم بالقلم) .
القلم وفرشاة الرسام:
من المعروف جيدا ان الصيني يكتب عادة بفرشاة، فالفرشاة عادية بالنسبة له، كما هي الريشة او القلم بالنسبة لنا، ولهذا فان الرسم الصيني هو امتداد للخط او الكتابة، فمن الممكن لحرف مكتوب جميل ان يتمتع بخصائص الجمال كلها بالنسبة للصيني، وبالتالي فاذا كان شخص يكتب جيدا فسينتج انه يستطيع ان يرسم جيدا ..و من هذا المفهوم قامت مدرسة الكرافيتي في عام 1968 مع حركة الهيب هوب الموسيقية حيث خلطوا في اعمالهم الاشكال مع الحروف باسلوب طفولي بدائي مبسط وحرية مطلقة في الانشاء . وانتشر تأثير هذه الجماعات الى العالم وقد اخذ البعض منهم يرسم على جدران الشوارع وعربات القطارات واشتهر منهم الفنان الفرنسي جون دو بوفيه -1901- . ..
وهناك عملية يطلق عليها اسم - تسرب الانفعال- وهي تنشطر الى جزئين الاول هو تسرب الاحاسيس والمشاعر من الرسام الى اللوحة عن طريق الفرشة، وتسرب الافكارو المعارف والمشاعر من الكاتب او المثقف الى الورق عن طريق القلم، وبالتالي فان الفنان والمثقف يشتركان في عملية النقل من الداخل الى الخارج او من الذات الى العالم الموضوعي .
وهناك فرق ضئيل بين تسرب الانفعال والتعاطف وكلاهما يعني الاحساس، فاذا نظرنا الى لوحة فنية لرجال في زورق في خطر فاننا بالتأكيد سنتعاطف معهم وحينما نتأمل عملا فنيا نتذوقه سنزج بانفسنا داخل اطار هذا العمل وستتحد مشاعرنا مع مشاعر الفنان، واحيانا لا يحدث ذلك .
انواع الاقلام:
يذكر ان الاقلام الشريفة في اوربا فجرت الثورات وحجمت الاستبداد وطوعت الحكومات لارادة الشعب فكانت كتابات برناردشو على سبيل المثال قد شقت لافكارها وآرائها الاجتماعية طريقا او اتجاها مضادا للفساد والظلم وكانت تتطابق هذه الآراء مع الثورة الفكرية للفيلسوف النرويجي هنريك ابسن والفيلسوف الامريكي جون ديوي حيث تتجه افكارهم جميعا الى مزيد من الحياة التي يجب ان يحياها الانسان بكرامة وسلام ...
بينما نجد الاقلام العربية على الاغلب لم تكن حرة انما هي اقلام مدفوعة الثمن حيث تزين الانظمة ورجال الساسة واصحاب الفن والادب وتجعل من الفاشل ناجح، والناجح فاشل ويصفها البعض بانها اقلام - مدجنة ومروضة – ويصفها ايضا بانها اعلام واقلام كاذبة ومضللة ومزورة ورخيصة . وهي اقلام منحازة ولا يمكن الثقة بها الا ما رحم ربي .. وبالتالي اصبح الانسان العربي فاقد الثقة بها وتعود على سماع الكذب .
اما الاقلام الكريمة فما اجمل كلماتها عندما تخرج من الاعماق لتعبر عن الوجد وذلك الانسان المحايد الصادق، وما اجملها عندما تخرج من القلب لتفيض حبا وجمالا وريحانا على الجميع، وما اجملها عندما تكون انسانية.
قالوا في القلم:
قال الشعر المعروف احمد مطر (جس الطبيب خافقي، وقال لي، هل هنا الالم؟ قلت له نعم، فشق بالمشرط جيب معطفي واخرج القلم، هز الطبيب رأسه، ومال وابتسم، وقال لي: ليس سوى قلم، فقلت: لا ياسيدي هذا يد .. وفم، رصاصة.. ودم، وتهم سافرة تمشي على قدم ...)
قال المقفع: القلم بريد القلب يخبر بالخبر وينظر بلا نظر .
قال الجاحظ: الدواة منهل والقلم ماتح والكتاب عطن . (ماتح: يجذب . عطن: يروي) .
قال جالينوس: القلم طبيب المنطق ..
د. كاظم شمهود