أقلام حرة
ساسية لسود: هل تقبل الدول العربية العلمانية كأساس لنظام الحكم

المقدمة: من الصعب إيجاد مفهوم دقيق لمصطلح العلمانية نظرا لكونه يحمل في ثناياه اللبس والغموض الدائم فكل بيئة تنظر إليه من زاويتها وحسب ما يخدم ثقافتها لذلك كان مفهومه شاسع ومتسع وهو ما لحظناه عند المفكرين العرب والغربيين فكل منهم ينظر إليه من منظوره الخاص وهو ما ساهم بشكل غير مباشر في تعدد مفاهيم مصطلح العلمانية وسنقوم في هذا المقال بالنظر إليه من زاوية عربية محضة.
هل تقبل الشعوب العربية العلمانية كأساس لنظام الحكم؟
إن العلمانية باعتبارها تقوم أساسا على مبدأ الفصل بين الدين والدولة بمعنى أن الشؤون الدينية والأمور السياسية والإدارية لا تتداخل مع بعضها البعض أي أن الدولة والحكومة عندما تصدر قرارات وتصاريح تجعلها بعيدة كل البعد عن المجال الديني وكذلك لا تنظر للأمور الدينية بعين السياسة ولكن هذا لا يعني أن هذه الدول لا تشرع لممارسة الدين وإتباعه وإنما تحترمه كعقيدة وجب على الإنسان أن يتبعها في حياته الخاصة لأن العامة تفرضها الدولة عن المواطنين وذلك يعود إلى نظام حكمها فالدولة تفرض نمط عيش معين لابد للمواطنين من إتباعه لتحقيق البعد التواصلي والاجتماعي بين جميع أفراد المجتمع. أحيانا نجد بعض الدول التي تشرع للدين كأساس لنظام الحكم وتعمل على المزج بين الأمور السياسية والشؤون الدينية وتشرع للقوانين من رؤية سياسية خالصة ولا تسن أي قرار إلا بعد العودة إلى الكتب المقدسة والفقهاء والبحث في أرائهم حول مسألة ما وهذا ما يسمى بالمزج بين الدين والسياسة في بناء الدولة وهذه الدول تعتبر أن الدين والدولة مكملان لبعضها البعض ولكن ترى في بعض الأحيان الأخرى دول عربية تفصل السياسة عن الدين أي بمعنى أنها تطبق مبدأ العلمانية والهدف من ذلك ضمان حرية المعتقد الديني وتوفير بيئة حيادية تمكن الجميع من ممارسة معتقداتهم الدينية بكل حرية ودون أي تأثيرات خارجية ورغم أن هذه الدول تطبق مبدأ العلمانية إلا أن في جانب كبير منها ترى أن هذا المفهوم لا يتناسب مع الدول الغربية نظرا لكونه قد نشأ في بيئة عربية إسلامية خالصة وهو ما يجعل هذه المجتمعات ترتبط بشكل وثيق بالدين الإسلامي وتعتبر العلمانية في بعض الدول العربية مثل تركيا محاولة للحد من تأثير الدين عن السياسة والاقتصاد وكأن ارتباط هذين البعدين يساهم في انحدار اقتصاد الدول وكأنه يكبل إبداعاتها وتطورها بينما نرى العلمانية في بعض الدول العربية الأخرى مثل مصر وتونس كانت تمثل عندهما نوع من الحضور الجزئي لها بمعنى أن هذه الحكومات سعت إلى إقامة نوع من الفصل بين المؤسسات الدينية والسياسية مع الحفاظ على احترام الدين كمكون أساسي للهوية الإنسانية والثقافية. فنلاحظ أن هناك جدل كبير بين هذه الدول حول مفهوم العلمانية فهناك من ينظر إليه باعتباره يمثل خطرا عن حقوق الإنسان ومكانته في المجتمع بمعنى أنها لا تجعل من الذات الإنسانية كائنا مفكرا ومبدعا ومجتهدا بينما هناك من يراها تساهم في خلق الذات الخانعة الخاضعة المسلمة وذلك بسبب تأثير الدين عن السياسة بينما ترى بعض الدول الأخرى أن العلمانية تساهم بشكل مباشر في ضمان الحريات الفردية والتقدم الاجتماعي ولا ينظروا إليها باعتبارها تهدد قيمتهم الدينية والثقافية بل من خلالها بإمكان الفرد مزيد اكتساب حريات ثقافية أخرى تجعله قادر على معرفة مجالات حياتية أخرى بعيدة عن السياسة هو ما يساهم في خلق ذات متمسكة بثقافتها الدينية ومساهمة في بناء مجتمعها وبذلك يمكن القول بأن مفهوم العلمانية قد تشعب من دولة إلى أخرى وشهد العديد من الاختلافات لذلك يصعب ضبط مفهوم محدد له نظرا لكون أن كل من أراد أن يعرفه نظر إليه من تفكيره فحسب فهو لا يضبط له مفهوم يتماشى معه في كل أنواع الثقافات وبذلك فان العلمانية تشهد أفكارا متداخلة في مضمونها ينبغي تنظيمها وتوضيحها خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بحقوق الأفراد فهناك من ينظر إليها باعتبار ربط الدين بالدولة يساهم في خلق ذوات مكبلة وعاجزة على الإبداع وهناك بعض آخر يرى أن العلمانية تساهم بشكل واضح في تحرير الإنسان من الأوهام الزائفة التي تقر بان الدين موطن للتسليم والخمول بينما نرى أنه في امتزاجه بالبعد السياسي مما يساهم في خلق ذوات مبدعة وفاعلة ومساهمة في بناء المجتمعات.
الخاتمة
كان ولازال مصطلح العلمانية يحمل في ثناياه جملة من الغموض واللبس وذلك من خلال اختلاف البيئة والمجتمعات فكل منهما يشكل صورة معينة على مفهوم العلمانية وبالاضافة الى ذلك كان هذا المصطلح لا يختلف فقط حسب اختلاف البيئة وانما كذلك يختلف من رؤية انسانية معينة الى رؤية أخرى وبذلك يكون كل شخص يعرف العلمانية حسب زاوية نظره وحسب ما يخدم مصالحه وهذا ما اختلفت فيه الدول العربية بين من يراه مصدرا للتقدم والرقي بمعنى أن الدين هو سبب تخلف بعض الشعوب العربية وبين من يعتبره لا دخل له في مسألة التطور وانما يمكن للشعوب أن تتشبث بمقدساتها وبمبادئها الدينية مع تحقيق التقدم المرغوب فيه من قبل جميع الشعوب العربية.
***
ساسية لسود من تونس