أقلام حرة

سعد عبد المجيد: لقد آن الأوان ان ننزع رداء الماضي

لقد آن الأوان أن ننزع عنا الرداء الذي أُلبسناه منذ الطفولة، ذاك الرداء الثقيل الذي لا يعكس حقيقتنا، بل يعكس ما أراده الآخرون لنا أن نكون. إنه رداء تشكّل من تراكمات الماضي، من تجارب الأهل والمجتمع، من أفكارٍ قُدِّمت لنا على أنها حقائق مطلقة لا تقبل الشك، ومن عاداتٍ رُسّخت في أذهاننا على أنها واجبات لا يجوز مناقشتها أو تجاوزها. كبرنا ونحن نحمل على كاهلنا ميراثًا ضخمًا من المفاهيم التي لم نخترها، لكنها اختارت لنا طريقًا وحدّت من رؤيتنا.

وقد استلهمت هذه الرؤية من كتابات وفكر الأخ العزيز الدكتور عيد الجبار الرفاعي، الذي لطالما دعا إلى مساءلة الموروث بعين العقل، وإلى إعادة النظر في المسلمات التي قيدت وعينا، باسم الدين أو العرف أو “الثوابت” التي لا تتغير. فالتجديد لا يعني القطيعة مع الماضي، بل التصالح معه عبر الفهم، وتمييز ما يمكن البناء عليه مما يجب تجاوزه.

إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا الوعي التحرري، وعي لا يرفض الماضي جملةً، بل يتجاوزه بتبصّر. لقد آن الأوان أن نعيد النظر في كل ما تعلمناه، أن نطرح الأسئلة الصعبة بشجاعة، أن نحرر عقولنا من القيود غير المرئية التي كبّلتها، وأن نمنح أرواحنا الحق في أن تُزهِر خارج الإطار المرسوم سلفًا.

إن الشجاعة الحقيقية، كما علّمنا الدكتور الرفاعي، لا تكمن في تحدي الآخرين فقط، بل في مواجهة الذات، في مساءلة ما نؤمن به، والسير نحو ذاتٍ أكثر صدقًا واتساقًا مع الإنسان الذي نحن عليه اليوم، لا ذاك الذي أرادوه لنا بالأمس.

العالم من حولنا يتغير، والعصر الذي نعيشه لا يشبه الماضي في شيء. فلا يمكن أن نحيا اليوم بعقول الأمس، ولا أن نطالب بمستقبلٍ كريم ونحن نحمل على أكتافنا إرثًا يُثقل خطانا ويشلّ وعينا. إن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان لم تعد شعارات يُتغنّى بها في المناسبات، بل مطالب حقيقية يجب أن تترجم إلى واقع ملموس يعيشه كل إنسان، دون تمييز أو استثناء.

لذلك، فإن إعادة التفكير ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية. علينا أن نمتلك الجرأة لنفكر بحرية، وأن نحلم بمجتمع يليق بكرامة الإنسان، مجتمع يُبنى على المساواة والعدل، ويمنح كل فرد فرصة ليكون ما يريد، لا ما أُريد له أن يكون.

لقد آن الأوان… فإما أن نغيّر أو نُمحى.

***

سعد عبد المجيد ابراهيم

 

في المثقف اليوم