أقلام حرة
علي حسين: درس ثقافي

عام 2020 خاضت الاوساط الثقافية والاكاديمية في فرنسا معركة حول قبر الشاعر آرثر رامبو حيث وجه عدد كبير من المثقفين الفرنسيين عريضة تدعو الرئيس الفرنسى ماكرون ان ينقل جثمان الشاعر آرثر رامبو الى مقبرة العظماء "البانثيون " الى جوار عظماء فرنسا امثال روسو وفولتير وزولا وهوغو.. وقد كان الامر سيصبح مرحبا به من عشاق الشاعر رامبو لولا ان اصحاب العريضة طالبوا بنقل رفات الشاعر فيرلين ايضا ليدفن مع رامبو في مقبرة العظماء.. وهو الامر الذي اثار حفيظة عشاق شاعر فرنسا المتمرد الذين اعتبروا ان هذا الطلب هو مخالف لتجربة وحياة الشاعر رامبو الذي كان متمردا ضد المؤسسات الرسمية، لكن الاعتراض الاكبر جاء من عائلة رامبو حيث قالت إحدى حفيداته المتحدرة من شقيقه فريديرك، "إذا أدخل رفات رامبو وفيرلين إلى البانتيون معاً فالعالم سيفكر فوراً بمثليتهما". واعبترت أن هذه العلاقة الملتبسة لم تدم إلا بضع سنوات في مطلع فتوة رامبو.
فيما طرح بيان الجماعات المناصرة لرامبو قضية العلاقة بين الشاعرين، فرامبو لم يكن مثيلياً طوال حياته حسب رايهم، وعلاقته بفيرلين يصفها فيرلين نفسه بـ"الحلم السىء" ، ومعروف أن فيرلين كان متزوجاً وكانت له مغامرات عشقية مع نساء كتب عنهنّ قصائد. أما رامبو فعاش مغامرة مع امرأتين فى عدن إحداهما حبشية وكاد أن يتزوجها. وقال البيان: "أيها الرئيس المنتبه للرموز، لا ترتكب هذه الزلة، لا تقتلع رامبو من أرضه الأم. دع رامبو الذى نادى بـ"الحرية الحرة" يرقد بهدوء بين أهله. وأورد البيان أن شاعراً واحداً كبيراً يرقد حتى الآن في " البانتيون " هو فيكتور هيغو من أصل 78 شخصية تستحق الدخول إليه، وإذا أرادت الدولة أن تصحح هذا النسيان فعليها أن تدفن هناك رفات شخصيات كبيرة مثل بودلير وجان راسين وموليير ولا فونتين وسان جون بيرس وسواهم. أما إدخال شاعرين معاً وليس شاعراً واحداً أي "ثنائياً مثلياً" ضمناً، فهذا ما لا يبدو بريئاً. فهل يدخلان لإبداعهما الشعري أم لعلاقتهما؟ ورأى البيان أن الجمع بين الاسمين هنا هو تبسيط ثقافي وخطأ كبير فيه إساءة لرمز ثقافي قاد حركة التمرد في الثقافة الفرنسية.
وبسبب هذه الضجة اصدرت صحيفة اللوموند عدد خاص عن شاعر الحرية كما اسمته وقد لخص لنا الاستاذ هاشم صالح في مقال له نشر في احد كتبه محتويات العدد الذي شارك فيه كبار نقاد فرنسا، ويعلق المفكر السوري هاشم صالح على هذا التكريم قائلا: ينبغي أن يقرأ رامبو أولئك الذين جرحتهم الحياة أو أولئك الذين لا يستطيعون التأقلم مع الحياة. هناك مسافة، هوة سحيقة، تفصل بينهم وبين الحياة. لهؤلاء، ولهم وحدهم، كتب رامبو. " ويضيف صالح: ". رامبو دعا، كما نعلم، إلى خلخلة جميع الحواس، وإلى الانخراط في كل التجارب الحياتية البوهيمية والهيجانية الجنونية ".
يرثي هاشم صالح لحال الثقافة العربية التي يراد لها ان تخوض حروب الطوائف بدلا من حروب التنوير، ويشير صالح إلى ان ثقافة الغرب غير معنية بسلوك الأديب وانما بانتاجه الثقافي ويضرب مثلا عن فكتور هيجو الذي عاش 83 سنة، وكان في سنواته الاخيرة يطارد الفتيات الصغيرات. وينغمس في سهرات ماجنةً دون كلل أو ملل حتى ان زوجة ابنه شارل المدعوة «أليس» كانت تنهره وتوبخه بسبب هذا التهافت المخجل على الجنس، وكانت تصرخ في وجهه: اخجل على حالك !، ومع ذلك عندما مات توقف قلب فرنسا عن الخفقان ونزل الملايين إلى الشوارع وتعطلت البلاد كلياً. ومشى رئيس الجمهورية في جنازته وكبار الشخصيات.
***
علي حسين