أقلام حرة

ثامر الحاج امين: رفقاً بعقولنا أيها الساسة

برؤية نقدية واستقرائية يشير الكاتب "محمد عابد الجابري" الى ثلاثة محددات حكمت العقل السياسي العربي هي (القبيلة والغنيمة والعقيدة) وان الصراع على السلطة الذي يشهده المجتمع العربي من خلال هذه الآليات، والصراع الذي يدور في الساحة السياسية العراقية حول السلطة لا يبتعد في طبيعته عن الاليات التي أشار اليها الجابري، فالسياسي العراقي يحسب السلطة غنيمة لا يجوز التفريط بها وبامتيازاتها المغرية، لذا هو لا يتورع عن سلوك أي طريق شائن يوصله اليها بما فيه خداع الجماهير بالشعارات والتلفع برداء الدين والعدالة وكذلك الاستهانة بعقول الشعب حتى ان احد الكتاب يصف العقل السياسي العراقي (انه عقل مراوغ ؛ يتذرع باﻷهداف العامة كي يصل الى اهدافه الخاصة) وهذا ما تمارسه معظم الطبقة السياسية خلال مهمتها التشريعية والتنفيذية، فوزير عراقي سابق يتظاهر بالفضيلة وعمق الايمان ولا يرى في شخصية " اينشتاين " أهلا لتسلم اية وظيفة عراقية كون الأخير لا يؤدي فريضة الصلاة، ومسؤول أخر يرى ان معيار رفاهية العراقيين هو ما متوفر في بيوتهم من اجهزة التلفاز والموبايل وليس في مستوى الخدمات التي يفترض ان يجدها المواطن في مؤسسات الدولة الصحية والتعليمية وكذلك في نسبة انخفاض الأمية والبطالة والفقر والجريمة، ورجل دين سياسي وفي بلد نفطي يطلب من الشعب التوقف عن تناول النستلة لاتها ليست من الضرورات ويمكن للمواطن عند الصيام عن النستلة وغيرها ان يدخّر قسما كبيرا من دخله الشهري، والمصيبة الاخرى في رجل دين أخر يتقاضى راتبا من الدولة ـ وربما أكثر من راتب ــ ودخله الشهري يصل الى عشرات الملايين من الدنانير ويعمل على تسكين الموطن الفقير ويدعوه الى الصبر فـ (الناس فقراء في الدنيا لا يهم)، مسؤول رفيع يوصف بالزعيم يعترف بالفشل في ادارة الدولة ولكنه يخوض اشرس المعارك ضد خصومه من أجل البقاء في السلطة، وزعيم اخر يعترف بضغوطاته على القضاء وهذا يعد حنث في اليمين كما يخالف مبدأ استقلالية القضاء ولكنه مازال زعيما يتحكم في شكل الحكومة وتوجهاتها، والمهزلة التي ليس لها نظير في كل انظمة العالم ان مسؤولاً يعترف وفي وسائل الاعلام ان مهمته هي (تفليش العراق) ومع ذلك مازال يدير أرفع مؤسسة في الدولة، كما ان وزير كهرباء سابق يوعد العراقيين بانه سوف يبدد ظلام العراق بنعمة الكهرباء والفائض منها سوف يصدره الى الخارج وقد مضى اكثر من عقد من الزمن على وعده والعراقي مازال يعاني من شحة الكهرباء، أي مهازل تعيشها الدولة العراقية في ظل ساسة استغلت الدين والسلاح والعشائرية والدعم الاجنبي للبقاء جاثمة على صدور العراقيين، واي مستقبل مخيف ينتظر العراق في ظل هكذا عقول قاصرة ومتخلفة واي استخفاف بعقول العراقيين تمارسها هذه الطبقة السياسية، ويبدو وللأسف ان تجربة اكثر من عقدين من الزمن غير كافية للعراقيين لكشف ما يدور من خداع وتلاعب بعقولهم، يقولون ان الرفاهية تهذّب اخلاق الانسان وكنا ننتظر من المسؤول ان يكون أرقى المهذبين  باعتباره اكثر من ينعم بالرفاهية لكن الأمر عندنا مختلف فالثروة والجاه الزائف يدفع بصاحبه الى المزيد من الاستهتار بمقدرات الشعب والاستخفاف بعقوله .. يقول الكاتب المصري الساخر جلال عامر  (أصبحت مهمة المواطن صعبة، فعليه أن يحافظ على حياته من " البلطجية " وأن يحافظ على عقله من  "السياسيين") .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم