أقلام حرة

جميل شيخو: من يكتب التاريخ؟

مثال تطبيقي لنظرية التفاعل والتغالب

ليس صحيحا، أو ليس صحيحا دائما أو تماما أن المنتصر أو القوي أو الأقوى أو الغالب هو الذي يكتب التاريخ! وأن ما نعرفه كحقائق تاريخية غالبًا ما يعكس تحيزات ورغبات المنتصر، كما يقول إدوارد سعيد. أو أن التاريخ هو فن الكذب المشترك بين المنتصرين، كما يقول غوته!. لكن الإنسان كائن معمم خالط يميل إلى التعميم والخلط !

إستنادا إلى نظرية أو مبدأ التفاعل والتغالب الذي هو شكل من أشكال التفاعل كما هو واضح، الذي مضمونه العام أو المجمل هو أن الفواعل تتفاعل فيما بينها تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

فإن كل طرف (فاعل، ملائم) يمكنه أن يكتب التاريخ، بالشكل المستطاع والملائم له أو لجماعته أو للجهة التي يريد إقناعها أو التأثير فيها أو خدمتها! سواء كان قويا أو ضعيفا، غالبا أو مغلوبا!

وإن كان يظهر على السطح سطح الواقع أن الطرف الغالب أو المنتصر ظاهرا هو الذي يكتبه!

لكن هذا لا يمثل الحقيقة عند التحقيق!

ربما تتمثل الفواعل الملائمة مثلا في باحثين أو مؤرخين مستقلين يتناولون التاريخ بشكل مخالف لطريقة المنتصرين المقصودين! يكشفون جوانب مختلفة من التاريخ، ويحققون في وثائق ونصوص وروايات وينيرون زوايا مظلمة!

كذلك قد تتمثل في التغييرات الإجتماعية والسياسية والواقعية التي تؤدي إلى تغير الروايات والتفسيرات وتقييم الأحداث والأشخاص والحالات والمواقف.

وكما أن التاريخ هو نتيجة للتفاعل والتغالب، كذلك هو وسيلة وأداة فعالة لهذا التفاعل والتغالب! أو هو فاعل ومنفعل حسب الحالات!

فالتاريخ ليس بالضرورة ما حدث؛ بل هو ما يُكتب عما حدث!

أو هو صورة الأحداث التي يتفق الناس المقصودون عليها! حيث أن هذه الصورة قد تقتل حقائق معينة أو تغيبها!

أو أنه ظل الأفكار والإعتقادات التي يعتنقها من كتبوه أو أشرفوا على كتابته!

وكثيرون شاركوا في صناعة الأحداث، لكن لم يشاركوا في صناعة التاريخ بسبب هذا التغالب ونتيجته!

ولأن التاريخ عدو كبير وفعال للسلطة المختلفة المعادية للسلطة المقابلة، لذلك تعمد كل سلطة إلى ترويض التاريخ ليصير أداة ملائمة ونافعة لها!

كل ذلك وفقا لمبدأ التفاعل والتغالب! حتى أن من يعرفون الحقيقة أو الحقائق يبقون صامتين مقموعين!

والتاريخ هو الذاكرة التي تريد السلطة إبقاءها ناشطة وخادمة! في معركة التفاعل والتغالب متعددة الأشكال والموضوعات والجبهات!

إذن، كل طرف باعتباره فاعلا واقعيا، يمكن أن يكتب التاريخ حسب قدرته ورغبته وهدفه! وليس المنتصر والقوي فحسب!. حيث، وكما هو المبدأ الواقعي:

أن كل فاعل يتفاعل مع غيره تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

ملاحظة: تجدر الإشارة إلى أن موضوع من يكتب التاريخ، هو مجرد مثال لتوضيح مبدأ أو نظرية التغالب الذي هو فرع عن مبدأ التفاعل العام! وليس هو الغاية الأساسية للمقال!

***

جميل شيخو - العراق

 

في المثقف اليوم