أقلام حرة
علي حسين: بيل غيتس ودراويش بلاد الرافدين

وأنا أبحث عن الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة قرأت خبراً مثيراً يقول ان الملياردير بيل غيتس تعهد بالتبرع بكل ثروته الشخصية خلال العقدين القادمين. وقال إن الناس الأشد فقرا بالعالم سيحصلون على نحو 200 مليار دولار عبر مؤسسته الخيرية. واضاف بيل غيتس: " لا يزال هناك القليل من المال المُخصّص للأطفال، وجزء منه، كما تعلمون، لن أضطر إلى إنفاقه على استهلاكي الشخصي" .
ولمن لا يعرف السيد بيل غيتس عملاق البرمجيات فان ثروته تبلغ 168 مليار دولار، بدأ في تكوينها منذ كان شاباً عندما اسس شركة "مايكروسوفت"، ، ثم تقدّم في مشاريعه الناجحة . ورغم بلوغه السبعين عاماً إلا أن بيل غيتس ماض في التبرع بكامل ثروته إلى المؤسسات الخيرية التي تعنى بتطوير التعليم والصحة، حيث اطلق دعوة تحت عنوان "التعهد بالعطاء" التي طالبت المليارديرات الأمريكيين بأن يتبرعوا بنصف ثرواتهم للأعمال الإنسانية والخيرية.. وهي بالتأكيد نسخة طبق الأصل من حملة مليارديريينا الجدد "التعهد بالنهب" حيث استطاع مسؤولونا "الأكارم" وبنجاح منقطع النظير تحويل ثروات البلاد إلى جيوبهم الخاصة .
طبعاً، هناك فرق بين ثروة الأمريكي غيتس التي يتبرع بها وبين ثروات أغنيائنا الجدد الذين ينمون بها اقتصاد الدول التي يحملون جنسياتها من خلال حسابات سرية لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، فالمليارات التي تبرع بها غيتس جاءته من استثمارات ومشاريع أقامها في بلدانه درت عليه الثروة، أما ثروات " دراويشنا " فقد جاءت من خطب رنانة ومناورة وانتهازية وفساد مالي، وشعارات طائفية.. ولهذا نحن نظلم أنفسنا إذا حاولنا أن نلبس ثوباً ليس ثوبنا، أو أن نحاول تقليد الامريكان " الكفرة " أو غيرهم، فنحن أمة علمت الناس القراءة والكتابة والفروسية وأيضا كيف يُنتهب مال المدارس والكهرباء والصحة والحصة التموينية في وضح النهار.
لا أتصور أن عاقلاً واحداً يمكن أن يطلب من أثريائنا الجدد أن يتبرعوا بجزء من غنائمهم للفقراء، أو أن يقرروا إنشاء صندوق لدعم الايتام .. فكيف تطلب من صاحب الثروة "الملفلفة" أن يفعل خيراً؟.. وكيف تطلب من مسؤول استغل وظيفته لمنفعته الشخصية أن يوقف مالاً من أجل أبناء جلدته؟!
ولهذا، نحن العراقيون نعرف جيداً غرض السيد بيل غيتس من تبرعه بهذه المليارات، إنها يا أعزائي مجرد رشوة انتخابية فهو يحلم في أن يصبح مثل سياسيينا، الذين لا يعرفون الطريق إلى الناس إلا أيام الانتخابات.
اللهم أنزل علينا رحمتك وعطفك واعفنا من أشباه بيل غيتس، واجعلنا من المتيمين بحب محمود المشهداني صاحب نظرية المالات والحاج ابراهيم الجعفري، الذي زودنا بالحكمة بديلاً للتنمية والاستثمار وبغرائب القول بديلاً للصناعة والتعليم .
***
علي حسين