أقلام حرة

علاء اللامي: الطائفي المقنع أخطر من الطائفي الصريح!

الطائفية السياسية هي علاقة سياسية واجتماعية تقوم على المادة الخام التي هي الطائفية التكوينية البسيطة المحايدة والتي تعني أن الإنسان يجد نفسه منذ ولادته فردا في طائفة لم يخترها وهو يختلف تماما عن الطائفي الصريح. الطائفي الصريح والسياسي، وبغض النظر عن اسم طائفته الدينية أو مذهبه، هو ذلك المواطن البسيط والمحدود المعارف والثقافة والذي أصبح حزبياً في أحد أحزاب أو مليشيات السلطة التي تقدم له بعض الامتيازات والفوائد على هيئة رواتب أو تعينات أو وجاهة...إلخ أو في المعارضة ليعيش على أمل وصول جماعته الى الحكم ليحصل على ثمن انحيازه. هذا المواطن الطائفي الصريح والمتحزب يكرر كالببغاء ما تقوله له قيادته أو رجل الدين الذي "يقلده" ويقتدي به. وقد يكون هذا الشخص خارج الأحزاب مكتفيا بممارسة طقوسه وشعائره الطائفية الموروثة في الزيارات الدينية واللطم أو الدرباشة، وهذا الشخص لا يمكن اعتباره طائفيا سياسيا، لأن طائفيته شخصية وطقوسية إنما تتحول إلى طائفية من النوع السلبي إذا تماهت مع السياسة لتصبح "طائفية سياسية".

أما الطائفي المقنع فقد يكون مثقفا علمانيا أو مقنعا بقناع أكاديمي وقد يكون مسيحيا أو صابئيا أو ماركسيا أو ليبراليا أو قوميا بعثيا أو ناصريا، ولكنه في كلامه وكتاباته وحركته ونشاطاته العامة يعبر بكل وضوح عن جوهر الفكر الطائفي السياسي ومن النوع الضار والخطير.

ولأن الطائفية السياسية ليست مذهبا دينيا أو ممارسة لطقوس وشعائر خاصة بل هي علاقة وموقف سياسي من نظام حكم والدستور. فقد تجد أمثال هذا الطائفي من دين آخر غير دين ومذهب ساسة الطائفة الأكبر، وقد يكون غير مؤمن بدين أو مذهب معين، ولكنه يدافع عن نظام الحكم المحاصصاتي الطائفي وأركانه ودستوره وزعاماته وعن حليفه الأجنبي بضراوة وكأنه نظامه هو.

وفي المقابل قد تجد رجل دين شيعيا أو سنيا يرفض هذا النظام ويطالب بكسر الهيمنة الأجنبية وإعادة كتابة دستور بريمر المكوناتي وتقديم رجال الطبقة الحاكمة الفاسدين وبغض النظر عن طائفتهم إلى المحاكم فهذا المواطن لا يمكن وصفه بالطائفية بل هو شخص وطني استقلالي وديموقراطي حقيقي.

إن الشخص الإسلامي سياسيا سيكون بالضرورة طائفيا في العراق والدول الأخرى المنقسمة طائفيا، فهو إذا كان إسلاميا سُنيا فإنه يريد إقامة دولة الخلافة أو تطبيق حكم الشريعة بحسب المذهب الذي يتبعه. وبالمثل، فإذا كان شخص ما إسلاميا شيعيا فهو سيكون من دعاة ولاية الفقيه أو قريبا منها، وبهذا المعنى فكل إسلامي هو طائفي شاء أم أبى، فلا يوجد في العراق والعالم العربي والإسلامي حزب إسلامي واحد مفتوح لكل أبناء الطوائف الإسلامية ويعتمد برنامجا محايدا مذهبيا.

* خارج نطاق الإسلاميين يتكاثر الطائفيون المقنعون وخصوصا بين المثقفين والكُتاب والأدباء والفنانين سواء كانوا من هذه الطائفة أو تلك ويمكن أن نكشف عن هؤلاء بسهولة من خلال:

1- دفاعهم عن دستور المكونات وحكم المحاصصة التوافقي.

2- الدفاع عن وجود الأحزاب الطائفية سنية وشيعية بحجة الديموقراطية والسكوت على حكم الإقطاع السياسي الكردي الفاسد في الإقليم.

3- الدفاع عن مرجعيته الدينية وتقديسها واتباع تعليماتها حتى لو كانت مضرة بمصالح البلاد والشعب فإذا أمرته هذه المرجعية باعتبار المحتلين الأجانب ضيوفا اعتبرهم ضيوفا، وإن أمرته بالتصويت بنعم لدستور المكونات المدمر سارع الى التصويت كما أمرته.

4- يوجه الطائفي السياسي المقنع النقد الحاد إلى الساسة والمسؤولين الفاسدين في الطائفة أو العرقية المقابلة "الخصم" ولكنه يسكت وقد يبرر فساد الساسة والمسؤولين من أبناء طائفته.

5- الدفاع عن حلفاء النظام أو طلب المساعدة منهم لتغيير النظام، فترى الشيعي يستنجد بإيران ويعول عليها في الصغيرة والكبيرة، وترى السني أو حتى الشيعي اللبرالي القشري يستنجد بأميركا أو تركيا أو دول الخليج ويعول عليها لإحداث التغيير المراد!

إن خطورة الطائفي المقنع تتأتى من أنه يعرقل بروز الوطنيين الاستقلاليين لكنه سيكون الخط الثاني الاحتياطي لساسة الفساد الحاكمين الآن، فإذا ما سقط أو انسحب هؤلاء لهذا السبب أو ذاك من السلطة صعد الطائفيون المقنعون ليحلوا محلهم وليعيدوا إنتاج النظام المحاصصاتي الطائفي مرة أخرى!

شخصيا لا تهمني المواصفات القشرية والشخصية للجمهور العام فلا أتوقف عن سلوك هذا المواطن أو ذاك إذا أراد ممارسة شعائره وطقوسه الدينية لأنه حر في ذلك، ولكني أتوقف عنده وحتى عند غيره من زاعمي الديموقراطية والعلمانية إذا ما دافعوا عن أسس وركائز هذا النظام الرجعي التابع للأجنبي وعن دستوره المكوناتي أس البلاء والمصائب التي حلت وتحل بالعراق والعراقيين!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم