أقلام حرة
علي حسين: تسقط الاستقالة.. تعيش الاخلاق
مثل كثيرين بدأت خطواتي الأولى في قراءة الرواية مع نجيب محفوظ، الذي لم يحاول في أعماله الأدبية أن يُهندس القضايا ويفلسفها، وإنما كان يقدمها ببساطة وعفوية، وفي كل مرة أعود إليه لأكتشف جديداً. في روايته "ميرامار" نجد الصحفي المتقاعد عامر وجدي يعيش حالة من القلق على مصير البلاد يقول: "منذ أن ظهرت عندنا الثورة والديمقراطية والناس تصفق وتغني على كل شيء".
تذكرت هذا الحوار، وأنا أقرأ خبرا يقول :" استقالت وزيرة النقل البريطانية لويز هاي بعد اعترافها قبل سنوات بتهمة تتعلق بتضليل الشرطة بشأن هاتف محمول خاص بالعمل قالت إنه سُرق منها في عام 2013،. وقالت هاي إنها أبلغت الشرطة بفقدان الهاتف خلال عملية سرقة " عندما كانت في سهرة عام 2013 لتكتشف فيما بعد أن الهاتف كان لا يزال في منزلها".
أتمنى عليك عزيزي القارئ ان لا تضحك من سذاجة الوزيرة البريطانية التي استقالت من اجل بلاغ كاذب حدث قبل عشر سنوات، فنحن في هذه البلاد عشنا مع وزراء ومسؤولين تسببوا بكوارث لكنهم لم يقدموا استقالتهم . قتل 700 شاب بسبب خروجهم في احتجاجات ضد الحكومة، ولم يحاسب مسؤول واحد، وسرقت عشرات المليارات في مشاريع وهمية ولا يزال ملف السرقات مغلقا وممنوع الاقتراب منه .
في هذه الزاوية كنت قد كتبت عن شجاعة الاستقالة، وكيف أن المسؤول في الغرب "الكافر" يقدم استقالته إذا ما كشفت وسائل الإعلام أنه قصّر ولو بشكل بسيط في عمله، لكننا في هذه البلاد التي تتغنى بالديمقراطية عشنا وشفنا مسؤولين سرقوا المليارات تحت سمع وبصر الحكومة، لكنهم لا يزالون يطلبون من الشعب أن يهتف باسمائهم، ولأنني مواطن جاهل لم أكن أعي أن في هذه البلاد لم يعد مسموحاً فيها ان يقال لوزيرة الاتصالات : ماهذا العبث ؟، حتى وإن حولت الوزارة الى شرطة للاخلاق ومراقبة نوايا المواطن ومنع الاستماع الى الموسيقى .. سيقول البعض هل أنت مع الفحشاء ؟، لا سامح الله ياسادة، انا ضد الدجل السياسي .
حوّل العديد من الوزراء وكبار المسؤولين مؤسسات الدولة الى شركات مساهمة يديرها اقاربهم، وكان يقال لنا ليس من حقكم أن تسألوا هل تمت محاسبة المسؤول الذي يضحي من اجل الشعب ؟ بل إن البعض أخذ يمنحهم الأوسمة والنياشين، بل ذهب الهيام بالبعض إلى انتاج اناشيد يشيد بانجازاتم الوهمية . اصبح بعض النواب والمسؤولين حيتانا للصفقات والمقاولات والعمولات، من سأل التكنوقراط نعيم عبعوب كيف حول اموال امانة العاصمة الى قصور وفلل يتمتع بها في عواصم العالم ؟، ولا نزال في حيرة من امرنا بعد ان تمكن حسين الشهرستاني بشطارته ان يضع العراق في مصاف الدول التي تستجدي الكهرباء .
***
علي حسين