أقلام حرة

صادق السامرائي: الصيانة الأخلاقية!!

الصيانة تعني الإدامة، بمعنى مقاومة إرادة الزمان والمكان للحفاظ على جوهر الكائن الذي كان.

وكل موجود بحاجة لصيانة، فالمخلوقات تصون نفسها وتديم حياتها ما إستطاعت، ومنها الحيوانات والبشر الذي من المفترض أن يكون عارفا بما يضره وما ينفعه، ويتحاشى المضر ويحتفي بالمفيد النافع المديم.

والأخلاق بمعانيها ومنطلقاتها وتأثيراتها بحاجة لصيانة وعمل دائب لترسيخها وتطويرها، وتواكبها مع عصرها ومكانها والمجتمع الذي تكون فيه، فبدون الصيانة تفقد الأخلاق ملامحها ومعاييرها ومعانيها، وتتحول إلى ما يناقضها ويدمرها.

والبشر أوجد الأديان والمعتقدات لضرورات أخلاقية ولتحقيق الصيانة، وذلك لأنه قد منحها معاني علوية وإرادات سماوية، وأنها ذات صلة بالدين والإله الذي يعبده ويؤمن به، فأوجد الحلال والحرام ووضع الحدود والموانع والمحذورات، التي يتقيد بها المنتمي لأي عقيدة ودين.

والمشكلة التي تواجه البشرية في العديد من المجتمعات أن الصيانة الأخلاقية قد إنتفت، وصار المعنيون بالدين أو المعتقد يتطلعون للمنافع الدنيوية والكراسي والسلطة والحكم، وأنشأوا أحزابا يسمونها دينية للتعبير عما فيهم من الرغبات المطمورة المسوَّقة بدين، والمؤطرة بما يشير إلى دين وهي ضد الدين الذي تدّعيه.

وقد أسهمت نشاطاتهم الشرهة المنفلتة بتخريب الأخلاق وتهديم القيم والتقاليد، التي تتحلى بتقوى الله ومخافة وإحترام حقوق الإنسان وإعلاء شأنه، حتى صار البشر في عرفهم أرقاما وأدوات لتحقيق رغباتهم المسعورة المقنّعة بدين.

ولهذا يتوجب العودة إلى جوهر القيم والأخلاق وصيانتها والذود عنها، والعمل على تطويرها وتوضيحها وتحبيبها لما يتواكب مع العصر بزمانه ومكانه، وأن يتحقق التشجيع على تنميتها وتعليمها وإعتبارها من الأسس التربوية اللازمة لبناء الأجيال الصالحة لصناعة الحياة الحرة الكريمة.

فالأخلاق عماد القوة والإعتصام بالقدرة على رص الصفوف ولمّ الشمل الوطني والنسيج الإجتماعي، الذي يمنح المجتمعات والشعوب الأهلية والقابلية على إنجاز الصالح العام والحفاظ على القيم والمعايير الهادفة إلى ما هو أفضل وأحسن.

وخير الناس من نفع الناس، والدين أخلاق وقيم ومعاني نبيلة سامية وإن "إقرأ" فيه علم!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم