أقلام حرة

صادق السامرائي: بلاد السلام والحكام!!

يُقال أن بغداد حكمها (149) حاكم منذ تأسيسها قبل أكثر من (1295) عام، منهم (36) حاكم عباسي، و(22) حاكم عثماني، وتوزع الباقون بين البويهيين والسلجوقيين والمغول، ودولتي الخروف الأسود والأبيض والمماليك وغيرهم. (د. صباح الناهي)

وفي القرن العشرين، حكمها البريطاني مود، ومن ثم ثلاثة ملوك وبعدهم خمسة رؤساء جمهورية، وحاكم أمريكي، ومنذ أكثر من عشرين سنة تحت الحكم الإيراني والأمريكي بالوكالة.

كلهم ذهبوا وسيذهبون، وبغداد باقية، فمؤسسها أبو جعفر المنصور (95 - 158) هجرية،  كانت لديه رؤية كونية عميقة، فجعلها مدورة، تأكيدا على خلودها فالذي يدور أبدي التفاعلات.

وما يحصل في بغداد لن يدوم، وبما أن أصحاب الكراسي يجهلون التأريخ ويتمترسون في قمقم الأضاليل، وينفذون ما يؤمرون به، فأنهم إلى زوال مشين.

فبغداد لا تحمي مَن يعاديها ويغدر بوجودها، ويتجاهل قيمتها الحضارية ودورها في صناعة المجد الإنساني الذي نتمتع بمعطياته المعاصرة.

أنظروا الذين نابزوا بغداد العداء، ماذا جرى لهم، وكيف كان مصيرهم؟

بغداد كائن حي متصل بقلب أمه الأرض، ولها علاقات كونية مطلقة، ولديها إرادة أقوى من التابعين والخانعين والموالين لأعدائها الطامعين بخرابها وتدمير هويتها وكيانها الثقافي المديد.

بغداد تمر بمرحلة عاشت أقسى منها في سابق العصور، ولن تحيد عن مسارها الحضاري وعطائها الإنساني البعيد.

كانت فاجعة بغداد العظمى في القرن العشرين بالإجهاز على حكمها الملكي الدستوري بدموية مرعبة، وإيهام العسكر بأنهم القادة الأفذاذ، وهم لا يعرفون في السياسة شيئا، فصار واحدهم القائد الأوحد وأكثر، وتمكنوا من خداع الناس، بآليات إعلامية ودعائية مبرمجة من أعداء الوطن والشعب، ومعظمهم إنتهوا إلى مصير مشؤوم، وأكل قادة الإنقلابات المتوالية بعضهم بعضا، وأوصلوا بلاد الرافدين إلى ما هي عليه الآن، كدمية وغنيمة للأغراب والتابعين لكل شيطان رجيم.

ولن تغفر بغداد لمن يؤذيها، ويكون مع أعدائها عليها، فإحترموا بغداد وأعرفوها، ولا تكونوا من الجاهلين بذاتها وموضوعها، فبغداد شمس الدنيا ومنارها الوهاج.

وتحية للمتنبي الذي قال ذات يوم:

"بغداد أنت دواء القلب من عجز.. بغداد أنت هلال الأشهر الحرم

بغداد أنت هوى العصفور مهجته.. كالريح تعزف ألوانا من الحلم"

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم