أقلام حرة

إنعام كمونة: القانون القاصر بحق القاصر

يقول الشاعر حافظ ابراهيم:

 الأُم مدرسة إذا أَعددتَها

 أعدَدت شعباً طيِّب الأعراقِ

بعد ما ضجت منصات التواصل الإجتماعي والأعلامي وبعض القنوات الفضائية بعقد جلسات نقاش وتداول آراء من ذوي الإختصاص القانوني بمشاركة رجال دين وغيرهم للاستفسارعن مدونة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، فيحق التساؤل عن ماهية التعديل الضروري لكل شرائح المجتمع، وما بين متوقع وغير متوقع ما سيصدر عن التعديل، وما الغرض منه!!، والأكثر إثارة ما يشاع مسألة تمرير قانون تعسفي السماح بتزويج القاصرات من سن التاسعة باسلوب أو بآخر بتغطية قانون آخركما يقال!!، ربما، ليس غريبا أن كان المجتمع يغط في وادي ليس بذي وعي، وبعيدا عن اسشارته أو مشاركته أو استثارته برأي مطروح !!، وعلى الشارع العراقي أن يعي ما وراء التعديل وأي فقرة من نصوص القضاء تدعم مصلحة المجتمع، وما يثير الإنتباه التأكيد على زواج القاصرات وهناك تحدي بين أعضاء البرلمان ما بين مؤيد يجيز وآخر رافض وضمن حدود التحدي هو الموافقة على قانون آخر!!، وهل لهذا التعديل أن يسعف ما تردى من استغلال قوانين أخرى تحت عباءة رأي ما؟؟، وبلا جدوى توافق حلول مقنعة بتضارب الآراء.

علما من المعروف في القانون العراقي أن من يُزوج قاصرا يحيل للقضاء؟ وهناك عقوبة على ولي الأمر، أو من يرغمها على ذلك!!، وإن كانت العقوبة غرامة مادية أحيانا تكون مدفوعة الثمن من المستفيد من الزواج، فما أسهله من ردع!!، وبجميع الأحوال يُعد ما متوجس منه استهانة بالطفولة وعنفوان ظلم ضد المرأة بل أفراد الأسرة كافة والمجتمع العراقي عامة، وتهديم لبناء دولة، والعجيب في الأمر يأخذنا التساؤل هل تم حَل كل المشاكل العالقة وبقى فقط مشكلة تزويج القاصرات ليصبح علني، ووفي جميع الأحوال القضاة مرغمون على توقيع قسيمة الزواج فيما لو جئ بعقد من مصدر شرعي تم تزويجها!!، وهذا الذي يجعل التزويج أكثر انتشارا، فأين تطبيق القانون؟؟.

ماذا يعني البنت ما زالت قاصر، هو أو هي الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد بعد أي سن ال 18، والذي يبقى تحت وصاية الأبوين أو الولي، هو العمرالذي يحتاج لرعاية واهتمام عائلي، وأحتواء عاطفي من الوالدين، والأفضل أن يكون باشراف ورعاية مؤسسات معنية من الدولة أيضا، لخلق مجتمع واع!!، هل تكوين عالم أُسَري يحتاج أن تكون المرأة بمرحلة نضوج بايولوجي ومظهر بدني فقط، وأن ظهرت تغيرات فسلجية على جسم الفتاة فلا يعني أن تكون مكتملة النضوج العقلي ولها القدرة على تكوين أسرة وتَحمُل أعباء مسؤلياتها وهي الأم المربية، فاذا كانت نفس الأم فاقدة لصلاحية التربية لأنها بعمر قاصر؟؟، فكيف نعد مجتمعا واعيا من جميع النواحي النفسية والإجتماعية والثقافية وحتى السياسية والأسرة تعاني من قصور فكري!!، يقول الشاعر حافظ ابراهيم (الأُم مدرسة إذا أَعددتَها-- أعدَدت شعباً طيِّب الأعراقِ)،

التساؤل يفرض نفسه هل من الممكن ان تعقد جلسة برلمان دولة من أجل تخريب لُحمة مجتمع أكثر مما نحن فيه، وبناء الأسرة بأم لاتفهم شئ عن الأمومة والتربية والعلاقات الزوجية وتحمل المسؤليات؟؟، وهل البنت في عمر التاسعة أو أكبر بعدة سنوات تستطيع أن تختار بشكل صحيح فيما لو مُنحت حق الإختيار!!، وهل هناك آية في أي من الكتب السماوية ولا حتى في القرآن الكريم تشير لتزويج البنت بعمر التاسعة؟، فكيف صياغة كذا قانون وما يترتب عليه من مساوئ إنسانية.

أ الوأد أن نكون في سباق مع الجهل؟، فلتدنس العقول بكل ما أوتيت من عتمة!!، والمؤسسات المعنية بلا اكتراث فكري فسحقا لأي تطور حضاري فما لنا وتقدم الشعوب؟، لا أهم من قانون دولة يؤيد تزويج القاصرات!!، وبين مؤيد ورافض فنحن في زمن جاهلية الوأد والاستحياء من ولادة الأم لأنثى، فهي وصمة عار لا يُغسل إلا بطمس معالمها الأنسانية!!، ولأجل غسل عارها وحفظ ماء وجه الوالد يذبح طفولتها بسكين الضياع بلا رأفة أبوة ولا رجفة ضمير، فهو الذكر الولي وله أحقية الحياة وتقرير المصير لها!!، فأين سيولي وجهه من ذويه وعشيرته التي تأويه، هكذا هو من صميم الواقع والحوادث كثيرة بلا توعية اعلامية فنحن في جاهلية عصرية متراكمة التعصب الذكوري !!، نتنافس في حيز الجهالة وننسى تعاليم ما جاء به الإسلام من أحترام حقوق الأنسان وغير كل شئ ونزلت الآية 58 في القرآن الكريم من سورة النحل (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم)، وبعد كل هذه العصور ويبقى وجهه مسودا!!، ما لم يقف في سوق النخاسة لبيع أبنته بسعر بخس، فمن الشاري ؟ هو الزوج المنتظر لانتهاك حرمة الطفولة وهو سلوك غير سوي ومضطرب من رجل ناضج يختار زوجة قاصر.

أذن نحن على حافة الإنهيار الإنساني وفي سبق السقوط الكلي في دهاليز الإباحة بحجج شرعية والإغتصاب العلني تحت برقع الشرع، أيعقل أن تكون المتاجرة مسموحة والبيع علني بلا حياء بأبخس الأثمان، رغم ما مربه البلد من أحداث كثير وما عانى حين سيطرة الزمر الارهابية وعبثهم بحياة آلاف النساء والطفولة، وإستغلالهم في معظم الحروب مما تركت آثارها النفسية والسلبية على حياة عوائل، أثناء الاعتداء الإرهابي على بعض القرى والمحافظات فكيف نسمح بتطبيق قانون مجحف للإنسانية بميول ذكورية، لا خوف من قانون يحمي الطفولة ولا وجل من الله، الفتاة القاصر هي أضعف البشر، ثم يحق لنا ان نتساءل، اين هو التوافق العاطفي والروحاني بين كهل وطفلة في التاسعة؟ وكيف يمكن أن يستمر هكذا زواج وارتباط البالغين نفسه محكوم بالفشل؟، أرحموا نعمكم.

هل من الممكن بحث سبل قانونية تزويج طفلة بدل أن نضع قوانين تعتمد تربيتها بإدراك واعي داخل مناخ أسرة صالحة بقاعدة رصينة لتربية الأبناء بين زوجين على قدر مسؤلياتهم الفكرية والاجتماعية والثقافية لتنشئة جيل المستقبل، وهل مؤسسة الزواج تقوم على اُسس النضوج الجسدي فقط، أليس من الأولى أن يتكافل النضوج الجسدي مع النضوج العقلي ليكتمل بناء متين لتخطي معظم عقبات الحياة باستيعاب فكري وثقافي؟، ليكون الأهم بنية قوية الأساس في داخل الأسرة وتربية أبناء أصحاء عقليا وجسدياً للمجتمع!!. فهل ظهور علامات فسلجية وبايولوجية معناه نضج عقلي، بل حتى لا يعني نضوج اجهزة لاكتمال جسد امرأة.

أن الإجحاف المرعب بحق الطفولة والفتاة القاصر عند إجبارها على الزواج وهي في مرحلة انتقال جسدي تحتاج لتفهم هذه المرحلة العمرية المؤثرة نفسيا ولتتقبل تغيرات جسدها كأنثى خلقها الله لتشارك الرجل الحياة وتقاسمه المهام الحياتية الصعبة، في كل المراحل وخاصة حين تكوين أسرة، ولأن العائلة أساس المجتمع والمرأة أساس العائلة، والعائلة عالم اجتماعي مصغر ولأجل بناء دولة، وهناك الكثير من العقد النفسية تصاب بها القاصر وبسببها يختل توازن الأسرة، والتي تتراكم من بناء حياة على عدم التكافؤ، فالزواج حياة شراكة بكل مرها وحلوها فاذا كانت الزوجة قاصر محتاجة رعاية أبوية لطفولتها، أكيد تتفاقم المشاكل من علاقة غير سوية النضوج الفكري، وبالأخيرستؤدي الى الطلاق وما أكثر أسبابه، أو تستمر حياة مريرة المشاكل، فتترتب نتائجها انحرافات عدة مثل انسياق وراء الخيانة أو ممارسة الرذيلة، لدرجة ارتكاب جريمة للخلاص من ورطة الإرتباط، اتقوا الله بذرياتكم وقوارير بيوتكم.

ما نراه في مجتمعاتنا العربية تسلط وأعراف ذكورية منحازة لحق الرجل أكثر، وأن المرأة هي الجنس الوحيد المعرض للتخلص من وجودها كفرد من العائلة، وباسهل الطرق أحيانا بلا رادع ضمير، بطردها من أسرتها بحجة الزواج ألم تكن مسؤولية الآباء ان يكد ويتعب من أجل أن يربي على مستوى مقدرته بعيش كريم، الأبناء لا ذنب لهم في مجيئهم للحياة تقول الآية الكريمة (نحن نرزقكم وإياهم)، فحقهم مسؤولية الوالدين لحين ما يقوى عودهم وينضج فكرهم.

 ومن واقعنا المؤلم عدة قصص عن تزويج القاصر، وتداولها كسلعة لكسب الأموال فهي لا تملك حريتها الإنسانية ولا حول لها ولا قوة على فهم ما يحدث، تباع وتشترى بعد أن أصبحت عملة نخاسة، وأحيانا لعدة مرات دون أحراج خُلقي ولا ضمير حي، ولأنه لا توجد حماية من الدولة تحد هذه الظاهرة المتزايدة التطاول بلا ضوابط قانونية صارمة لحماية الطفولة والبنات القاصرات خاصة، وبما أنه لا أحد له حق التدخل للدفاع عنها وهي ملك الأب الجاهل حصرا، أو الولي كيفما تكون درجة نسبه أخ ..عم ..خال.. جد، وبما أن الأم لا تستطيع الدفاع عنها فيما لو كانت واعية لما سيحدث، فهي مملوكة حتما وبضاعة جارية له ومعرضة للتعنيف بشتى الوسائل، وهي الملامة لأنها أنثى وأنجبت أنثى، سيكون كلاهما حملا ثقيلا على عاتق الأب المتاجر ببنته والغير مسؤول.

وبتسييد ابوي لا تستطيع هذه الأنثى (الطفلة البريئة) أن تدافع عن حرية اختيارها للتزويج أو للدراسة أو حتى بيعها لآخر، وهناك قصص واقعية موجودة على السوشيال ميديا عن أب يبيع بناته من أجل أن يصرف على عربدته وملذاته، أو لزواجه من أمرأة أخرى، وأحيانا كثيرة لم تتقبل أمرأة الأب تربية بنات زوجها بعد الطلاق فتكون الضحية الإجتماعية الأولى هن البنات فيسعى لبيعهن أو يعرضها للتهديد بطردها أو الرضا بتزويجها وربما تعنيفها حتى الموت للتخلص منها، أو استغلالها كمصدر رزق له بدفعها للتسول في الشوارع، وحتى البغي أحيانا أخرى، فكيف نحد من هذه الظاهرة .

والمعروف أن بعض من العوائل الفقيرة تسعى لتزويج بناتها للخلاص من ثقل اعالتها المادية وعاهل تربيتها، فليس لها رأي أوقناعة أو وجه نظر عما يحدث أو ما يترتب لحياتها المستقبلية فتستوعبها!!، وأيضا غير مسموح استشارتها، وربما تتفاجأ بتزويجها لرجل دون علمها فهي أمام أمر واقع أذ لا مفر من تنفيذه بحق حياتها كاصدار حكم الإعدام بلا شرعية استئناف وقتل براءة الطفولة خصوصا أذا كان الزوج بعمر كبير غير مناسب لعمرها وهذا واقع حال حدث ويحدث كثيرا على مستوى اجتماعي، فلا تستطيع أن تتنفس ببنت شفة وإلا يكون مصيرها العنف، الطرد، الغصب على ماهو عليه من قرار أبوي ذكوري لمصلحة الأب أو الأخ.

وأحيانا كثيرة تكون عملة متداولة لحل مشكلة عائلية وبين عشيرتين باعطائها بما يسمى عشائريا (فصلية) هبة للتراضي بينهم لا رجعة عنها حتى تحرم من رؤية وزيارة أهلها، فكم من بنات قاصرات تُزَوج من أجل حل مشكلة عشائرية وفداء لقاتل تتعرض للمعاملة السيئة والإذلال من الزوج وأهل القتيل وربما تكون زوجة رابعة وخامسة، جارية مستعبدة لا قيمة لحياتها الا لخدمة البيت بذل وإهانة واعتداء وتعنيف وربما تُحرم من لقمة العيش لتدفع حق القاتل بتلك المعاملة، تساق كسوق الأبل والحادي وليها المهم ذكر، وهنا يكون القاتل متنعم بحياته لأنها أخته أو بنت عمه، والأعراف جارية المفعول بفضل تشتت القانون وغياب وجه العدالة.

واعزاءاه : لو سُن قانون السبايا علنا، يبخس حق الطفولة، وإزهاق روح البراءة بتفسيرات شهوانية لتخريب كيان الأسرة من أجل التخلص من مسؤولية البنات، فأي قوانين قاصرة تناقش داخل برلمان دولة وتنفذ بإصرار مخيف على مجتمع ممزق، فما يبقى لمعنى وطن يزهق أرواح أبناءه بطرق شتى، أتكون دولة كل همها فرض قوانين تستقطب من نصوص إرهابية، تستند على تفسيرات أجرامية التطبيق أو تأويلات لأحاديث لا اعتقدها مؤرخة بشكل صحيح بل مفربكة التناقل ضمن فترة زمنية محددة لحكم أو سلطة، فكيف لقاصر أن تربي أسرة وهي محتاجة الى تربية واعية،

وأن تم الموافقة عليه سيكون قانون علني لسبايا القرن الواحد والعشرين، سبايا جدد تساق لحتفهم المرعب بدل حمايتهم من وحل الخطيئة ومصائد البغي والإعتداء المنظم والغير منظم من مشاكل بيع الأعضاء والمتاجرة بالمخدرات وغيرها من العصابات المتعطشة للمال والدماء والجريمة المنظمة’ فهي لا حول لها ولا قوة إذ القانون يدعم إذلالها والسقوط في هاوية المتاجرة بلحمها ودمها وعمرها وشرفها وحريتها وأنسانيتها، وبدل ما نبحث عن حلول لمشاكل استغلال الطفولة والمرأة بإشراف مؤسسات الدولة لتطيح بالمجتمع لحضيض الأخلاقي بحجج البعض أن كثير من القاصرات تُزوج ولا يضمن لها القانون أي حقوق فليصدر قانون بحق تزويج القاصرات كي يضمن لها حق قانوني!!، لما لا يصدر قانون حمايتها من التزويج القاصر؟.

فهل الدولة في صدد أصدار تعديل شنيع بحق إنسانية الطفولة ترتكب بحقها كل أنواع الظلم والإعتداءات ولا أحد يستطيع الدفاع عنها فهي ملك حر للولي، فأي أعراف إنسانية ستخط تلك القوانين؟. أليس من العدل والكرامة والحرية ولخاطر عيون الديمقراطية أن تُسن قوانين دعم الطفولة بدل أن يسن قوانين ضدها، الى متى نبقى في لغط الرغبات وميول عاطفية تتحكم بالقانون بحجج ما لها من سلطان.

لذا نحتاج لحلول قانونية جذرية والألتزام بها من الدولة والمجتمع بدعم الطفولة، القاصر، والمرأة قانونيا واجتماعيا وعلى المنظمات المدنية والمؤسسات الحكومية وقفة مساندة واحدة بعمل دورات تثقيفية عن أهمية دور المرأة في المجتمع، وبمساعدة منظمات حقوق الإنسان مع مناقشة المعوقات من ذوي الاختصاص القانوني والاجتماعي وتبادل الآراء ومساهمات المرأة نفسها لتأكيد دورها الفاعل في الحياة مشاركة مع الرجل في المجتمع العراقي، ويفترض من الجهات المعنية والمختصة لإقامة دورات توعية للمراة والرجل وتعريفهم عن مسؤلياتهم تجاه الأبناء، للحفاظ على كيان الأسرة بما لا يتعارض مع أحكام الدين، لأنها أهم أساس في المجتمع. فتزينوا بهم وأدوا رسالاتكم على أثمن صورة تيمنا بالأية الكريمة 56 من سورة الكهف (المالُ والبنُونَ زِينةُ الحَياةِ الدُنيَا والبَاقِياتُ الصالحاتُ خيرٌعِندَ رَبكَ ثواباً وخيرٌ أَملاَّ)

كلما نود الإلتحام نتمزق فمن يرتق عيوبنا ومن يصلح أفكارنا لنكون دولة عادلة بحق.

***

إنعام كمونة

في المثقف اليوم