أقلام حرة
علي حسين: متاهة العراقيين
لم يكن الشاب اللبناني البالغ من العمر 26 عاماً يتوقع عندما قرر عام 1975 الصعود إلى السفينة التي نقلته إلى قبرص، ليشد بعدها الرحال إلى باريس، أنه بعد " 48 " عاماً من وصوله إلى العاصمة الفرنسية سيصبح أميناً عاماً للأكاديمية الفرنسية، حيث تم انتخابه العام الماضي لمنصب الأمين العام الدائم للأكاديمية الفرنسية العريقة.
في كتابه الأخير الذي اختار له عنوان "متاهة الضائعين" نجد معلوف يخلع رداء الروائي، ليأخذنا في رحلة فكرية حول أسباب ما يجري في عالمنا الحالي، ليخبرنا إن ما يجري من حروب بين الغرب وروسيا، وما يحدث في الشرق الأوسط تكمن اسبابه في أحداث الماضي، ففي حوار أجرته معه إحدى الصحف الفرنسية قال "دعونا نحاول أن نفهم كيف تطوّر الصراع بين الغرب والقوى التي تحدّت تفوّقه وريادته على مدى القرنين الماضيين".
من بين التجارب التي يسلط معلوف الضوء عليها تجربة اليابان أو ما يسمى بـ " المعجزة اليابانية ".ربما سيعترض البعض لأني أترك مواضيع حيوية مثل ما جرى في بغداد من حرق للمطاعم وتهديد لبعض أصحاب المصانع، وسيقول قارئ عزيز يارجل: ألم تقرأ في الأخبار أن بعض المتورطين في مهاجمة المحال والمطاعم ينتمون إلى الأجهزة الأمنية.. وما الغريب ياعزيزي وساستنا الأفاضل أصروا أن يوزعوا القوات الأمنية فيما بينهم، وسمحوا لها أن تدخل لعبة الانتخابات، ولماذا العجب والكثير من الرتب الأمنية الكبيرة جاءت عن طريق نظام " الدمج "
قبل سنوات كنت قد قرأت تصريحاً لسياسي كبير يقول فيه إن ظروف العراق واليابان تتشابه من الناحيتين السياسية والاجتماعية، وتخيلت لو أن مسؤولاً يابانياً قرأ ما كتبه السياسي العراقي النتخم بالاموال والعقارات، هل سينتحر على طريقة الساموراي وهو يقرأ ويسمع أن معظم ساستنا يستولون على أملاك الدولة، وأنهم يتحكمون في مفاصل العراق وأمواله؟.
نترك عتب القراء الاعزاء ونعود للسيد معلوف الذي يخبرنا أن اليابانيين بعد أن دمرت الحرب بلادهم واحتلتهم أمريكا، لم يذهبوا لحرق المطاعم ولا تهديد أصحاب المصانع وإنما " أفادوا من مغامراتهم الخاسرة والمهينة بحيث استعادوا رباطة جأشهم والسيطرة على أنفسهم، فعملوا على الانعتاق من عاهاتهم، أي، من انعزاليتهم ومن عسكريتهم. وذهبوا إلى أقصى حد منطقهم باندفاع بارع وحزم لا يتزعزع " لتخرج لنا اليابان الحديثة إلى مواقع متقدمة على قائمة الدول الأكثر رفاهية وعملاً وإخلاصاً للوطن.
بعد أن خسرت اليابان الحرب عام 1945 قرّر الشعب المهزوم والجائع أن يعيد بناء المصانع والبيوت والشوارع، وكان شعاره "العمل حتى الموت".
وماذا عن متاهتنا ياسيد معلوف، يكتب في الصغحة الأخيرة من كتابه: " لم يفت الأوان بعد لاحتكامنا تماما على وسائل الخروح من هذه المتاهة. علما أنه لا بد من الاقرار بأننا همنا فيها على وجوهنا وضللنا سواء السبيل".
***
علي حسين