أقلام حرة
الطيب النقر: الغاية التي ينقطع دونها الدرك
بعض الشباب نفض يده من كل أمل في نيل تلك البغية التي أضحت شبه قاصرة على أهل المخمل والديباج، فحياته التي تظل موسومة بالعجز، موصومة بالفاقة، تجعل مجرد التفكير في مثل هذا الأمر أدخل في باب الخطل، وأوغل في طريق الفدامة، الأمر الذي أوقع الفزع في جيش الفضيلة التي لا يحتاج شرح معاناتها إلى درس، والنبوغ في وصف انحدارها إلى ملكة، فقبيلة الشباب الملتزم تقاسي معرة الظلم، وتكابد مذلة الحرمان، وتعيش بقلب خفاق، وعين باكية، لأنها معوزة في دنيا المحبة، محرومة في دولة الصبابة.
ولعل الواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن فتية الصلاح الذين تلوح في وجوههم البهية غلواء الشباب، وفي أجسامهم الجزلة بضاضة العافية، استكانوا للجزع، واستسلموا للشجون، فصاحبة الخد الأحمر، والجبين الأنضر التي يشتد إعجابه بها، وتهالكه عليها، كل يوم تبزغ فيه المهاة، ترمقه دوماً بنظرات تضج بالنفور والإشفاق، وهو الذي كان ينتظر منها أن تسري عنه هموم النفس، وتهون عليه متاعب الحياة، لقد صارت عنده من ألقى الله عليها المحبة، واصطفاها بأسر المهج وخطف العقول، مبعثاً للألم، ومصدراً للشكوى، فصنوف اللوعة، وفنون الكرب، التي أتحفته بها جعلت روحه التي ذوت على وهج القروح، وذابت حشاشتها على عرك الصدود، تمور في حنايا الحزن المقيم، وتضطرب في فيافي الأسى الشاسع، فصرعى الفاقة، وطرائد الملق، الذين شحب وضؤل محياهم، لا حظّ لهم في الاقتران بالمهفهفة الدعجاء، فالخريدة التي جُمِعتَ لها الرقة من أطرافها، والتي تضئ كما يضئ الفجر، وتزخر بالجمال كما يزخر اليم اللجي بالأصداف، لا تأنس إلا للغني الذي يكثر لها من الأعطية، ويجزل لها من الهبات، ويسنى لها من الصلات.
والمعضلة التي لا يستقصيها التفسير، ولا يعرب عنها التعبير، أنّ بعض الأسر التي تنشد الجاه، وتبتغي المادة، تقف عقبة كؤوداً دون وصول الشاب الذي يبتغي الستر والعفاف، ويعيش بالقناعة والكفاف إلى مبتغاه، وتلقي في روع من أكدى الله عليه نواله، أنه رام أمراً عزيز المنال، وعر المرتقى، منيع الدرك، وتبرهن بجلاء أن الهدي النبوي الذي أمرنا بتزويج من ارتضينا عقيدته وأخلاقه، قد صار تاريخاً تطرق إليه النسيان، وديناً تغول عليه الباطل، فتلك الأسر لا تكترث لمن لا ظنة في تقاه وورعه، ولا ريبة في حلو شمائله وحسن سجاياه، بقدر ما تأبه لسليل مجد، وربيب نعمة، وحليف جاه، حتى ولو كان فتى كهاماً، عيياً، لا خير فيه، والغادة الهيفاء التي يتكلف نواطير الشباب في مخاطبتها القول، ويتعاطوا الصنعة، عافت من يحصد ماله بالكد والمجاهدة، لأنه يعجز أن يودعها منزلاً تراصت في باحاته رايات الأشجار، وامتدت في عرصاته سلاسل الأنهار، بل يعجز حتى أن تزف إليه في صالة فسيحة الأركان، متينة البنيان.
لقد أصبنا في زماننا هذا باختلال الموازين، فمن يخاتل الدنايا، ويقارف العيوب، يتهافت الناس على تزويجه من حرائرهم لثروته وغناه، أما الصائم نهاره، القائم ليله، فلا مناص له سوى صيام الدهر.
***
د. الطيب النقر