قضايا

شيماء هماوندي: مرحباً أنا لست روبوتاً.. رؤية فلسفية لأزمة الإنسان الرقمي

في عالم يُهيمن عليه الذكاء الإصطناعي، شهدت حياتنا اليومية تطوراً وتغيراً كبيراً في مختلف المجالات الحياتية، وتحولت التعاملات والعلاقات الإنسانية الى العالم الرقمي، حتى مقالاتنا وكتاباتُنا أصبحت رقمية، لأننا نعيش في عصر التكنولوجيا الرقمية.

لا نستطيع إنكار حقيقة أن العالم الرقمي له الكثير من الجوانب الإيجابية، منها سهولة إنجاز مهامنا الحياتية، وسهولة التواصل مع البشر في أي وقتٍ، وفي أي مكانٍ في العالم، وسهولة الحصول على المعلومات، ومتابعة الأحداث، وحتى إدارة حساباتنا وأعمالنا، وشؤوننا اليومية، التي باتت هي أيضاً رقمية، ولكن في الوقت ذاته، لقد أصبح الإنسان وحيداً، يعاني من العزلة الإجتماعية، ويفتقر الى الحياة الحقيقية، والعلاقات البشرية، لقد أصبح الإنسان المعاصر، إنساناً رقمياً، أسيراً لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي، وتداعيات العالم الرقمي، والذي ترتب عليه أن تصبح الآلة رقيباً على الأنسان، تختبر حقيقته و إنسانيته، وتدقق في نتاجاته الفكرية، وتتحقق من مدى صحة كونه إنساناً، لقد أصبح الإنسان المعاصر  مُجبراً على أن يثبت للآلة أنه ليس روبوتاً.

مرحباً أنا لست روبوتاً

هذه العبارة الإفتتاحية التي قد تبدو بسيطة ولطيفة،  لكنها تحمل في ثناياها فوضى التكنولوجيا وتسلطها على الإنسان، وتفتح أبواباً لأسئلة فلسفية عميقة، حول العلاقة بين الإنسان والآلة، قبل سنين مضت كان الإنسان يحاول أن يُطور ألات  وروبوتات ذكية، تضاهي العقل الإنساني، اوعلى الأقل تحاول التشبه به، ولكننا اليوم مُلزمون كبشر أن نُثبت للآلات أننا لسنا روبوتات، المُضحك المُبكي أن كل حياتنا أصبحت عبارة عن واقع إفتراضي، لدرجة إختلط علينا الأمر وأصبح من الصعب علينا التمييز بين ماهو حقيقي، وماهو إفتراضي او ذكاء إصطناعي، و مع كل موقع إلكتروني ندخله أو نزوره كل يوم، فإننا مُلزمون بان نثبت للذكاء الإصطناعي بأننا بشر، ولسنا روبوتات، ولكن لماذا وكيف صلنا الى هذا الحال، لماذا أصبحنا ملزمين أن نثبت أننا بشر للآلات، كيف يمكن لللآلات ان تحدد إنسانيتنا، وهل من الممكن ان تصبح حياتنا كلها عبارة عن محاولات لإثبات هويتنا الإنسانية؟!

في البداية يجب علينا ان نطرح سؤالا يمثل فهمه نصف الإجابة: ما هو الفرق بين الإنسان والآلة، هل هو الفرق بين العقل والجسد، أم هو الفرق بين الروح والمادة، أم هل هو الفرق بين القدرة على التفكير والقدرة على التصرف، أم هو الفرق بين التفكير والشعور؟!

كل هذه الأسئلة المُتداخلة تعيدنا الى نقطة البداية، في ظل التطور السريع الذي يشهده الذكاء الإصطناعي، الذي بات قادراً على فهم المشاعر الإنسانية، وتحليلها، بل ومحاكاتها، وفي خضم الواقع الوجودي الجديد، وفي ظل الحياة الرقمية المعاصرة، مازال شرطا على الإنسان لكي يكون جزءاً من العالم الرقمي، أن يثبت بانه ليس روبوتاً.

***

شيماء هماوندي

في المثقف اليوم